الأحد 28 ابريل 2024

الهدهد يوضح المصطلحات الموازية لمفهوم الملاذ الآمن من الناحية الشرعية

الدكتور إبراهيم الهدهد

دين ودنيا10-3-2022 | 12:12

نعمات مدحت

قال الدكتور إبراهيم الهدهد المستشار العلمي للمنظمة رئيس جامعة الازهر السابق، إن فكرة الملاذ الآمن يوازيها في المفهوم الشرعي والتاريخ الإسلامي عدة مصطلحات:
أولا: الفرار بالدين (الهجرة فرارا بالدين):

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿97﴾ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴿98﴾ فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿99﴾ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿100﴾.

وأما من السنة النبوية ، ما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». متفق عليه.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة وكا رفيق محمد وإبراهيم عليهما السلام”، كما استندوا لقوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ).

وتابع الهدهد: واستدلوا بالهجرة إلى أرض الحبشة للحديث:” قالت ليلى بنت أبي حثمة: إلى أين تذهب يا نبي الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اخرجوا إلى جهة الحبشة فإن بها ملكا (النجاشي) لا يظلم عنده أحدا، وهي أرض صدق”، فاستندوا بهذا إلى البحث عن ملاذ آمن يأوون إليه وأقنعوا من يؤويهم بذلك.

وأشار إلى أنه من الواضح البين بعد الأحاديث والآيات القرآنية بقرائن السياق أن ذلك كان هجرة من أرض لا يتمكن المسلم فيها من إقامة شعائر دينه إلى أرض يتمكن فيها من ذلك.

كما أنه من البين الواضح أن حديث هجرة الحبشة كان فرارا بالدين لاضطهاد كفار مكة لهم ولخوف من أن يهلكوا كل المسلمين، ولم يكن ذلك فرارا من أجل انتشار المعاصي ولا كثرتها، ويؤيد ذلك أن النبي صلى لله عليه وسلم قال بعد فتح مكة من الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا”، ذلك أن دولة الإسلام قويت واندفع عنهم الأذى.
ولا يقدح في ذلك الحديث الصحيح: “لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة”؛ لأن المقصود هجرة المعاصي؛ للحديث الصحيح: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” رواه النسائي وأبو داوود، فالهجرة من المعاصي مطلب دائم ولا ينقطع إلا بالموت.


ونوه بأنه من الواضح من جماعات التطرف أن الهجرة والفرار بالدين مرتبطة عندهم بانتشار المعاصي؛ لأن انتشار المعاصي في مفهومهم انتشار للجاهلية، وعندهم ارتباط وثيق بين مفهوم الجاهلية ومفهوم الكفر، وقد تبين لنا بجلاء أن الهجرة كانت من بلد يؤذون فيها ويقهرون على ترك دينهم، ولا يتمكنون من إقامة شعائر دينهم، لكن التمكن من إقامة شعائر الإسلام صار ممكنا حتى في البلاد التي لا تدين بالإسلام في أوروبا وأمريكا وغيرها، ولم يفهم من نصوص الشرع المذكورة أيُّ عالم من علماء الأمة منذ جيل السلف أن الهجرة من المجتمعات تكون بسبب المعاصي.


ولافتا أن بهذا يسقط عندهم سبب الهجرة، وبناء عليه لا يجوز إيواؤهم ولا حمايتهم، ومن آواهم أو حماهم آثم على قدر ارتكابهم الجرائم في حق الناس مسلمين وغيرهم؛ من قتل وتدمير وإرهاب وأذى للحديث: “من أحدث أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.
قال الخطابي في معالم السنن: “يريد من آوى جانيا أو أجاره من خصمه”.


المفهوم الثاني: الجوار

وأما المفهوم الثاني لفكرة الملاذ الآمن، فقال: إن حسن الجوار حصل الرسول صلى الله عليه وسلم لما عاد من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي وكان المطعم غير مسلم؛ لكنه أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم،كما ورد في السيرة النبوية العطرة، فاتخذ المتطرفون من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة يستندون إليها في البحث عن ملاذ آمن حتى لو كان الملاذ لغير مسلم، وهذا فساد في الفهم وضلال في الرأي؛ لأن هذا أيضا كان من أجل الحفاظ على الإسلام والدعوة إلى الله، أما هم فيحاربون المسلمين الذين حكموا عليهم بالكفر من غير دليل ولا حق، فالحال غير الحال والدافع غير الدافع، وهذا منهم تلاعب بالدين، وهذا كله قبل أن يكون للإسلام شوكة ولا للمسلمين شوكة، فقياسهم فاسد.

وأكمل: وذلك أثم إثما عظيما وأصابته اللعنة من الله والملائكة، كما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ” من آوى محدثا…”.

المفهوم الثالث: نصرة المسلم ومعونته

بينما جاء المفهوم الثالث من خلال ما ورد في حديث عن البراء بن عازب: “أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم بنصرة المظلوم”، والحديث “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” قلنا: يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: “نأخذ على يده” أي نمنعه من الظلم، وفي الحديث:”إن لله عزوجل خلقا خلقهم لحوائج الناس يفزع إليهم الناس في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله”.

لافتا إلى أن المتطرفون استنداو  إلى هذه الأحاديث في إقناع من يؤويهم على تحصيل الثواب بإيوائهم وحمايتهم ولا ينطبق عليهم معنى من معاني الحديث؛ لأن هذا كله في إعانة المسلم المسالم لا الذي يرتكب جرائم باسمه الإسلام في حق المسلمين وغيرهم.

Dr.Randa
Dr.Radwa