تربع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب على عرش الطرب الأصيل من عقود ماضية حتى الآن، فهو المجدد الأولى للموسيقى والطرب، وإن كان الرواد الأوائل قد حرروا الغناء من الشكل العثماني.
فانتقل به عبد الوهاب إلى الشرقي الأصيل ثم مزج بموسيقاه بين الشرقي والغربي مستخدما آلات غربية قام بتطويعها لتناسب النغمات العربية، فكانت رحلته من الغناء الهادئ بداية من "بلبل حيران" و"أعجبت بي" وصولا إلى "أنا والعذاب وهواك" و"لا مش أنا اللي اشكي" .. في ذكراه نسرد اعترافه الذي إدلى به في حواره مع الكاتب الصحفي والشاعر صالح جودت لمجلة الكواكب عدد 11 فبراير 1969.
ضمن حوار كبير سأل صالح جودت عبد الوهاب: ومن هم الذين ساعدوك للوصول إلى القمة .. فقال عبد الوهاب : خمسة بطريق غير مباشر .. وثلاثة بطريق مباشر .. أما الخمسة فهم الشيخ سيد درويش والشيخ أبو العلا محمد والشيخ درويش الحريري والشيخ محمود صبح والشيخ محمد رفعت .. هؤلاء لم اتصل بهم كثيرا، لكنهم حركوا في وجداني أشجان النغم ، وأثروا في أعماقي أبلغ تأثير، وخطوا لي دروبا في الآداء.
أما الثلاثة فهم : أمير الشعراء أحمد شوقي، وكان تأثيره عميقا ومخلصا، فقد ارتبطت به وهو في أو مجده، فعلمني أجمل ما تعلمت، علمني قية الكلمة، وكيف أتذوق الشعر، وعلمني الفرنسية .. وفوق هذا علمني كيف أشق طريقي في المجتمع، فقد كان يخوض بي مجالس الكبراء والنبهاء وأنا فتى لا أجرؤ على الكلمة في مثل هذا الجو.
والثاني هو أحمد رامي .. الذي علمني بوهيمية الفنان وحياته الطليقة، وأنا أهيم معه في شوارع القاهرة، وأسهر معه حتى الصباح، ونعود إلى البيت ليجلس هو تحت سريره ينظم الشعر وأنا بجانبه على الأرض أداعب أوتار العود .. وفي تلك الفترة لحنت له كثير من أغانيه التي أعتز بها، منها "على غصون البان" وغيرها، فهو الذي حبب إليّ أن انغمس في حياة الفن.
والثالث كان توفيق الحكيم .. وقد صاحبته عشر سنوات كاملة، بأيامها ولياليها .. استقيت منه خلالها فلسفته وصوفيته ونظرته إلى الحياة.
عبد الوهاب مع توفيق الحكيم