بقلم : عاطف بشاي
تقول النكتة إن الرئيس "جمال عبد الناصر" في اجتماع مع الوزراء الذين جلسوا في صفوف ثلاثة في مواجهته وأثناء حديثه اليهم عطس أحدهم فتوقف "عبد الناصر" عن الحديث وسأل: من الذي عطس؟! .. عليه أن يرفع يده معترفاً وإلا أطلقت النار على الصف الأول كله .. فلم يستجب أحد فأخرج مسدسه وقتل الصف الأول .. ثم عاود السؤال وهدد بقتل الصف الثاني إذا لم يرفع أحدهم يده .. فلم يستجب أحد أيضاً فأطلق النار على الصف الثاني .. ثم واصل التساؤل : فرفع أحدهم يده وقال : أنا الذي عطست يا ريس فقال له "عبد الناصر" ببساطه : يرحمكم الله!!..
وليس خافياً على أحد أن نصيب الحقبة الناصرية من النكت التي تؤكد ديكتاتوريته وتصلبه في الرأي وسعيه إلى الانفراد بالسلطة ورفضه المعارضة كان كبيراً وكان خيار الديمقراطية مستبعداً منذ بداية عهده بالحكم .. وفي شهادة "خالد محيي الدين" التي أوردها في كتابه "الآن أتكلم " الكثير من الأمثلة التي تؤيد ذلك .. وخاصة في المواقف التي كانت تستلزم القرارات الهامة والمصيرية ..
لكن الكاتب الكبير "وحيد حامد" له رأي آخر عبر عنه من خلال رسمه للشخصيات في مسلسل "الجماعة 2" وعلى رأسهم شخصية "جمال عبد الناصر" وظهر ذلك جلياً في المشاهد الخاصة بعلاقته "بالإخوان" والتي تجمعه بـ "سيد قطب" ومرشد الإخوان "الهضيبي" .. "فسيد قطب" الذي يظهر بالمسلسل منذ اللحظة الأولى رجلاً ملتاثاً يعاني من بارانويا واضحة وتضخم في الذات المتورمة والتي تنعكس على سلوكه الفظ والمتعالى على الجميع هو الذي يقرر أن حركة الضباط الأحرار في يوليو (1952) هي ثورة بكل المقاييس وليست انقلاباً عسكرياً أو حركة تمرد لضباط ثائرين على أوضاع ولهم مطالب .. وحينما يعلن ذلك بعنجهية وصلف في مواجهة "عبد الناصر" وأعضاء مجلس قيادة الثورة .. يبدو انبهارهم به وموافقته دون مناقشة .. ويهرعون إليه لمعرفة رأيه في إصدار قانون الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية ويفرحون بتأييده في الوقت الذي يطيحون فيه برئيس الوزراء "علي باشا ماهر" لمعارضته القانون .. ويصدق "عبد الناصر" على الحكم بإعدام العاملين "خميس" و "البقري" استجابة لرأي "سيد قطب" .. ثم يرشحه ليكون وزيراً للتعليم في الوزارة الجديدة .. ولما يتراجع عن هذا القرار يسترضيه في مشهد كاريكاتيري ويطيب خاطره ويبدي أسفه وحرجه ويلح عليه بقبول منصب مستشار .. فيقبله على مضض وهو ينظر إلى الزعيم بامتعاض.
من يصدق أن هذه شخصية "عبد الناصر" .. المتردد المتراجع .. الحائر .. الخانع .. المرتبك .. بل من ذا الذي يصدق تلك العلاقة المزيفة بين الزعيم والمثقف .. وكيف تبرز فجأه هذه القيمة الكبيرة والمبالغ فيها في حجم وأهمية ناقد أدبي مغمور ذى إنجاز متواضع القيمة في زمن العمالقة كطه حسين و العقاد والمازني و توفيق الحكيم الذي تأثر "جمال عبد الناصر" برائعته "عودة الروح" واستلهم منها شخصية البطل الذي يحتاجه المجتمع ليقوده إلى تغيير حتمي .. بل لماذا وثق "عبد الناصر" بهذا الـ "سيد قطب" وأسلم له قيادة بينما كان يحيط به قبل الثورة وبعدها "إحسان عبد القدوس وحلمي سلام وأحمد أبو الفتح وأحمد بهاء الدين وغيرهم من الصحفيين اللامعين والكتاب الكبار؟
ليس هناك أسوأ من الاجتراء على التاريخ ومخاصمة المنطق .. وتزييف الحقيقة .