مشهد يطرح عدة تأملات، بدأ يفرض نفسه في الآونة الأخيرة، شركات صغيرة تعمل في مجال إكرام الميت، وخبراء صغار متخصصون في إجراءات الجنازات، وفقًا لمراسم كل الديانات السماوية، وسواء كان المتوفي مصريًا أو أجنبيًا، حانوتي على الطريقة الحديثة.. "نحن نقدر ونعي جيدًا شعور فقدان الأحباء، لذلك خدمتنا هي الأولى من نوعها في مصر، نتيح لك التفرغ لما هو أهم في هذا الوقت الصعب، وترك كافة الإجراءات والترتيبات الأخرى لنا، نضمن الوداع اللائق لأحبائك في نهاية رحلتهم".. هكذا قدمت إحدى هذه الشركات نفسها على موقعها الإلكتروني، الموقع بالمناسبة لونه الأساسي الأسود، وهكذا حال صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، فيسبوك وإنستجرام وتويتر.
هذه الشركات ترفع شعار "أنت كرمت حياتهم ونحن سنكرم رحيلهم".. وتؤكد أن فريق خبرائها متاح على مدار اليوم لمساعدة أهل المتوفي، من خلال القيام بكل خطوة من خطوات الجنازات، والعمل على إنهاء كافة الإجراءات المطلوبة من خلال مجموعة خدماتها الشاملة، والمتمثلة في استخراج تصاريح الدفن واستيفاء الإجراءات القانونية بالتزامن مع تجهيز الجثمان وتكفينه، استعدادًا لنقله في توابيت لائقة بسيارات جيدة المستوى لمختلف الجهات، كما توفر متجرًا إلكترونيًا مختصًا بالصدقة الجارية، يُمَكِن أهل المتوفي من الاختيار من بين مجموعة واسعة من الصدقات الجارية التي يمكن تصميمها خصيصًا.. "لدينا تشكيلة كبيرة من الصناديق المميزة، والهدايا التذكارية، والزهور، للمزيد من المعلومات تواصل معنا".
أما التأملات المرتبطة بالمشهد، فيتلخص أهمها في أن صدارته يشغلها مجموعة من الشباب من الجنسين خريجي جامعات مصرية وأجنبية، مظهر احترافي لائق إلى أبعد الحدود، تواصل فعال ودود ومطمئن ومطلوب بشدة بما يتوافق وطبيعة عملهم، طرق عمل متقدمة ومنظمة لا تقل عن مثيلاتها في أي مجال عمل آخر، والمدهش هنا قبول شباب في مقتبل العمر مبدأ ارتباط حياتهم اليومية وعلى مدار الساعة بفكرة الموت، وعدم استشعار أي حرج من أي نوع ارتبط تاريخيًا بعمل الحانوتي.. "فريق العمل فريق احترافي يقدر دائمًا مشاعر الجميع ويضعها في المقام الأول، فهدفنا الشاغل هو إعداد الوداع اللائق لأحبائك في نهاية رحلتهم".. هكذا يقدمون أنفسهم.
تأمل آخر يحمل قدرًا أكبر من الدهشة، ويتصل بأسئلة تمتد حائرة بامتداد الحياة، يتعلق بأصحاب البيزنس الواقفين خلف هؤلاء الشباب، صحيح أن الشركات صغيرة، لكنها قائمة على حد أدنى من الموارد، يظل أكبر من شباب في مقتبل العمر، وهو ما يطرح علامات استفهام، تقترن فورًا بعلامات تعجب، حين تكتشف أن أصحاب بيزنس الآخرة هم أنفسهم الأباطرة أصحاب كل بيزنس في حياتنا، بما فيها بيزنس جودة الحياة واللايف ستايل، إلى هذا الحد يسعى هؤلاء إلى السيطرة على حياة الناس دنيا وآخرة، لا يتركون شاردة أو واردة من المهد إلى اللحد إلا وتكسبوا منها قدر طاقتهم، لا حول ولا قوة إلا بالله.
"يوم وفاة مامي كان في مجموعة من الولاد والبنات، عاملين مشروع لكل حاجة تخص المتوفي، حقيقي على طول بأدعيلهم ربنا يكرمهم لذوقهم وتقديرهم للموقف الصعب اللي الواحد بيبقى فيه، كانوا معانا من أول ما كلمناهم عملوا كل حاجة، وفي المدافن وزعوا مياه وكحول وكمامات وشماسي عشان الحر، حتى ركنات العربيات كانوا بينظموها، وكمان من يومين كان أربعين مامي، لقيتهم باعتين رسايل بمناسبة الأربعين وأدعية جميلة لمامي، أنا بجد بأشكرهم على كل حاجة، ربنا يرحمك يا أمي ويغفرلك وينور قبرك".. لم تكن هذه سوى توصية من عميلة لواحدة من هذه الشركات، وضعتها الشركة على موقعها الإلكتروني، لا تندهش، العمر الطويل لك.