الأربعاء 26 يونيو 2024

قصة السينما.. الجزء الثالث «3-3»

مقالات20-3-2022 | 20:51

الفيلم الناطق والمُلون

يبدأ «مانفيل» الحَديث حَول الفيلم الناطق في صفحة 49 من كتابه، بَينما يُناقش «نايت» السينما تَتَعَلم النُطق في بداية صفحة 125، ويصف «مانفيل» الثَورة التي صَاحبت الصوت، بأنها بلا شَك أهَم مِن دُخول الألوان والشاشة العَريضة لصِناعة السينما، ثُم يَتطرق لأهمية تلك الإضافة والفارق الذي صَنعه شريط الصوت للفيلم، كا يتحدث عَن المُوسيقى والفيلم والعَلاقة بينهم، وأنواع الموسيقى في الأفلام، ونقد لعددٍ مِن الأفلام وبَعض التوصيات التي يَراها مُناسبة لعَمَل صَانع مُوسيقى الأفلام، ويُناقش «مانفيل» دور الفيلم الناطق في تَدعيم الواقعية، وفي نَفس الإطار يُوضح المُتطلبات الجَديدة، والإمكانيات المَطلوبة في مِهنة المُمثل.

 يبدأ «نايت» في فصله الرابع، مُناقشة تَطور إضافة الصُوت والمُحاولات السَابقة المُختلفة، ثُم تَطرق سَريعًا إلى ظُهور الفيلم المُلون الذي تَتَشَابه ظُروف ظُهوره مع ظهور الصوت، وكانت هُناك عِدة مُحاولات لتَلوين الأفلام يَدويًا، مِثل أفلام «جورج ميلياس» و«سينما كولور» في إنجلترا سنة 1908، وبَعدَها تَظهَر تقنية «تكني كولور»، أما «مانفيل» فقَد تَطَرق إلى نَقد الواقعية الشِعرية في الأفلام، ثُم ناقَش ظُهور الأبعاد الجَديدة في العَرض السينمائي والشَاشَات العَريضة المُختلفة، ليناقِش بعدها موضوع ناقشه «نايت» سابقًا، وهو فنون السينما كصِناعة وتِجارة كَبيرة، وعلاقتها الجَديدة بالسوق والصِناعة والإنتاج، وظهور التَخصُص في كَافة جَوانِبها، كما ناقش العَلاقة بين المُنتج وعَملية الإنتاج والفيلم السينمائي.

يناقش «نايت» فَضل كَثير مِن المُخرجين مِثل «أرنست لوبيتش» و«لويس ميلستون» في تَطوير مَفهوم استخدام الصوت والصَمت وتَحرير الكاميرا في ظل مُنافسة وسائل تَرفيه أخرى، وتَحدث عَن «رينيه كلير» الذي استخدم الصُوت بحكمة، وصَار له مَنهج مُميز في الإخراج، ثُم تَحدث عَن أدوار كلًا مِن «روبين ماموليان» و«ألفريد هتشكوك» و«أورسون ويلز»، في طَريقة استخدامهم للعَناصر الجَديدة في الإخراج، على رأسها الصوت، بَينما يَبدأ «مانفيل» الحَديث عَن عَلاقة فنون السينما بوسائل التَرفيه الأخرى وعلاقتها بالجمهور، ويتَحدث عَن التكوين الاجتماعي واختلاف الجُمهور في السِن والتوجه، ونِسبة تقريبية للسِن الصغيرة التي يُصرح بأنها تَفوق الكِبار في حُب السينما والأفلام، ثُم يُتابع هَذه الدِراسة بشيء مِن التَفصيل، فيتحدث عن مدمنو الأفلام، والقيم الكَاذبة في بَعضها، ونظام استخدام (النجم) وأثره في تَغير خَريطة الصِناعة مِن حَيث الاهتمام بالتَسويق والدَعاية، ويتَحدث عَن سِينما الأطفال، وعَلاقة الرقابة بالجمهور، وقدَم بَعض التَوصيات التي يَجب أن يُراعيها صُناع الأفلام حين التَوجه إلى هَذا الجُمهور العَريض، مِن حيث مُراعاة كَثير مِن الأشكال الاجتماعية مِثل الأُسرة، والحِرص عَلي عَدم تَقديم النَماذج الاجتماعية الشَاذة خُصوصًا في الجنس.

يبدأ «نايت» الفَصل الخَامس، برصدٍ للاتجاهات الدَولية في صِناعة السِينما بَعد تَطورها وظُهور الصوت والكَثير مِن التقنيات الفَنية والإبداعية، وقَد خص بالذِكر التَجارب الفرنسية، والألمانية، والروسية، والإنجليزية، والإيطالية، وقَد كان مِن الواضح تَأثير الظُروف الاقتصادية والسياسية على صِناعة الفيلم في هذه الدول الأوروبية، وقَد مَيز بين شَخصية كُل مَدرسة مِنهم وإسهاماتها في تَطور الفيلم، ويقَدم رؤية للفَن الكلاسيكي في الفيلم الياباني، ودور «أكيرا كوراساوا» في صِناعة السينما اليابانية، ويتناول التجربة الدانماركية والسويدية، ثم ينتقل في الفصل السادس لمُناقشة ظُهور اتجاهات جَديدة في الفيلم الأمريكي، مِثل الواقعية، والجَريمة، وتَناول قصص الفُقراء، والمُجتمع المُختلف، وظُهور المَشاكل الحَقيقية علي الشاشة الكَبيرة، ويَضرب «نايت» عِدة أمثلة على النَوعية الجَديدة مِن الأفلام، وبِشكل خاص الأفلام الواقعية الجديدة، والأفلام التَسجيلية، والتَطور في إنتاج الفيلم نَفسه، كإنتاج فيلم واحد لعددٍ كبيرٍ مِن المُخرجين مثل «قصص أوهنري» إنتاج سنة 1952م، في إطار مُناقشة صِناعة الفيلم بِطريقة إنتاج الأستوديوهات الأمريكية.

على الجانب الآخر، تابع «مانفيل» مَوضوع كتابه «السينما والجمهور» دِراسة العَلاقة بَين السينما والجُمهور والدَولة، وحُرية التَعبير، وجَماعات الإرهاب، وعَلاقة السينما بالسياسة والتَكوين الاجتماعي، وصَلاحية الفيلم كخِدمة عامة، خُصوصًا في الإعلام والدَعاية، كما نَاقش دُخول الفيلم في مَجالات مُتعددة مِثل الطِب، والطَيران، والبَحث العلمي بِشكل عَام، وناقش مُشكلة حُقوق المِلكية الفِكرية، والفيلم وحُقوق طَبعه أو إعدامه.

ظهور التليفزيون

اتفق كلا مِن «نايت» و«مانفيل»، على مُناقشة السينما والتليفزيون في الفصل الأخير من كتابيهما، حيث يَعرض «نايت» في الفَصل السَابع تَحديات نَتيجة ظُهور التليفزيون في أواخر الثلاثينات، وتَناول بالتَفصيل شَرح لطَبيعة الجِهاز الجَديد فنيًا، ثُم ناقش محتواه اليومي، وخُصوصية هَذا المُحتوى الذي يَختلف كثيرًا عَن طَبيعة السينما، وقَد أدى ظُهور التليفزيون إلى ازدهار الدراما والفيلم التسجيلي والأخبار المُصورة والدَعائية، وأصبَح له مُحتوى فَني يُنتج خصيصًا له، وجاءت عَلاقة السينما مَعه بَعد حُروب مُتوازية؛ حيث بيعت حُقوق عَرض الأفلام السينمائية للتلفزيون، الأمر الذي سَاهم بشَكل كَبير في انتشار الفيلم السينمائي وتواجُده كجُزء أصيل مِن وجدان الأمم على اختلافها، وقَد تَوصل في نِهاية العَرض إلى العَلاقة بين التليفزيون والسينما، التي تُشبه العَلاقة بين المَسرح والفيلم، فلا يُمكن أن يَقضي أحدُهم على تَواجد الآخر، بَل مِن المُمكن أن يَكون هُناك تَناغُم ومُشاركة لازدهار كلا مِنهم.

وعلى الجَانب الآخر، نَاقش «مانفيل» ظُهور التليفزيون في البِداية كعَدو ومُنافس للفيلم السينمائي، وقَام بتَوثيق ظُهوره في بريطانيا، ثُم نَاقش طَبيعة جُمهور التلفزيون التي جَاءت نَتيجة الخَصائص المَعروفة للجِهاز الجَديد، حيث يتِم مُشاهدته في المَنزل مِن جُمهور هادئ مُستريح، والفُروق الجَوهرية بين إنتاج المَواد التليفزيونية التي تَتسم بالسُرعة والإنجاز في إعدادها، مُقارنة بالسينما التي تَهتَم أكثَر بالعُمق والتَفاصيل، وإبراز كَافة الفُنون البَصرية، وناقش دُور التليفزيون التجاري والدعائي، ومُقارنة الفيلم السنيمائي بالمُحتوى التليفزيوني، وعَلاقة كلا مِنهم بالآخر، وطَبيعة إنتاج المُحتوى فَنيًا،  وأخيرًا ناقش بالنَقد دُور التلفزيون، وساق بَعض التَوصيات في مَراحل إنتاج المُحتوى الخاص به.

 

ختام

مِن الواضح اختلاف وجهة نَظر كُل مِن «آرثر نايت» و«روجر مانفيل» في تَناول فِكرة نَشأة الفيلم السينمائي، ومراحل تَطوره، بالرغم مِن تشابه الأفكار الأسَاسية، على وَجه الخُصوص تِلك التي تَهتم برَصد وتَوثيق بِدايات الصِناعة، ويَكمن هَذا الاختلاف في اعتماد «نايت» عَلى التخَصُص الدقيق والمكثف في العرض، حَيث يُناقش ويُركز عَلى الجَوانب الفَنية البَحتة والتقنية والإبداعية، حتى أنَه أهمَل أنواع أخرى من الصور المُتحركة مِثل أفلام الرُسوم المُتحركة، فقد ذهب «نايت» إلى الحديث عن السينما فقط كفني مُتخصص يُوجه كِتابه في الأساس إلى المُتخصصين والدَارسين والمُهتمين بتاريخ وتَطور الفيلم السينمائي، ويتجلى ذَلك في اهتمامه بكَثير مِن التَفاصيل الفَنية، التَواريخ، وأدوار المُخرجين بشكل مُفصل في الصِناعة، عَكس «مانفيل» الذي اتجه إلى التناول الفَلسفي والأكاديمي الشامل في العَرض، وتعمد مُناقشة أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية لها علاقة بتاريخ صِناعة الفيلم، وقَد اهتم بإضافة تَوصيات في عِدة جَوانب، وقَد أهمل «مانفيل» في كَثير مِن المَواضع تَفاصيل لها عَلاقة بالصِناعة نفسها في مُقابل مُناقشة موضوعات عَامة مِثل دَوائر الجُمهور والسُلطة والرقابة، ودِراسات ديموغرافية تَرصد التأثيرات المُتبادلة بين كُل الأطراف.

اتفق المُؤلفان في المَضمون العَام والهَدف مِن الكتاب كعمل تَوثيقي لنَشأة وتَطور الفيلم، كمَا اتفقا إلى حَدٍ بَعيدٍ في الفَترة الزَمنية للدِراسة، والتي تَمتد مِن البِدايات الأولى حَتى ظُهور التلفزيون، وفي النِهاية أقول أنه مِن المُناسب جداً لعشاق السينما وصِناعة الفيلم الاعتماد على كِتاب «قصة السينما في العالم» لتخصصه وتركيزه على فُنون السينما وتَطورها، وتناولها بالتَفصيل مع رَصد لإسهامات كِبار صُناع الأفلام بالتفصيل، وتعلق كل سطر فيه بالفيلم، ويمثل مرجع دائم يعتمد عليه في تَتبُع تاريخ مُفصل للسينما في تلك الفترة، وعلى الجَانب الآخر، أنصَح بكِتاب «مانفيل» لهَؤلاء البَاحثين عَن العَلاقات المُتشابكة الفَلسفية، والعَامة بين السينما والجُمهور والسُلطة، وغيرها مِن الدوائر الاجتماعية، في كتاب لا يخلو من رصد عَام لتاريخ صِناعة الفيلم ومَراحل تَطوره، ونَمَاذج نَقدية لبعض الأعمال، واهتمامه بإرفاق صور تَوضيحية بين الفُصول.

لاحظ في الكاتبين عَدم ذِكرهم لأي دُور مَصري في صناعة السينما وانتشارها في الشرق الأوسط، الأمر الذي أرى أنه لم يَعد مُهمل في الدِراسات الحَديثة لتاريخ السينما في العَالم، وقَد تَناول «صلاح أبو سيف» هَذه المُلاحظة بالتَعليق في صَدر كِتاب «قصة السينما في العالم.

 

الاكثر قراءة