بدأت تلك الأسطورة العسكرية فور أن انضم الملازم "إبراهيم السيد محمد إبراهيم الرفاعي" ضمن أول فرقة تسمى بقوات الصاعقة.. فكان أكثر المشاركين حركةً وقدوةً وإنجازًا في كل المهام التدريبية التي مارستها القوات أثناء التدريب في منطقة (أبو عجيلة).
لنبوغه وحيويته عُين مدرسا ليشارك في تشكيل أول قوة للصاعقة، وتولى تدريبها حتى كان العدوان الثلاثي على مصر 1956م، فشارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد.. وأثقلته الممارسة الفعلية خلف خطوط العدو، وسجل الكثير من المعارك الصغيرة التي أنهكت العدو.. ونال عنها الوسام العسكري.
.. أتت حرب اليمن لتضيف خبرات جديدة ومهمة، حيث كان قائد كتيبة صاعقة، حتى وصفوه بأنه ضابط من الطراز الأول، ينتظره مستقبل باهر، ونال ترقية استثناية عام 1965م.
بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك، سجلت التقارير التي أعقبت الحرب أنه (ضابط مقاتل من الطراز الأول، جريء وشجاع ويعتمد عليه، يميل إلى التشبث برأيه، محارب ينتظره مستقبل باهر).. خلال عام 1965 صدر قرار بترقيته ترقية استثنائية تقديرًا للأعمال البطولية التي قام بها في الميدان اليمني.
*أول العمليات لفتت انتباه العدو فور معارك يونيه 67.
برزت مكانة "الرفاعي" بعد معارك 1967م، بعد تشكيل مجموعة من الفدائيين هو قائدها، بهدف استعادة الثقة في القوات المسلحة المصرية، وعدم ﺇحساس قوات العدو بالأمن والاستقرار. كانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عند منطقة 'الشيخ زويد'، ثم نسف 'مخازن الذخيرة' التي تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك 1967، وبعدها وصل لإبراهيم خطاب شكر من وزير الحربية.
.. كبرت المجموعة وكثر الحديث عن عمليات عسكرية ناجحة.. وأصبح اسمه واسم المجموعة 39 قتال، شبحا يزعج الكبير والصغير من الأعداء، خصوصا وقد تعمَّد البطل الأسطورة أن يترك شعار المجموعة (رأس نمر) بالمواقع التي يقتحمها ويدمرها.. كما الأشباح تدخل قوات المجموعة وتخرج ولا ترى ﺇلا آثار التدمير.. الطريف في دلالة رسم الشعار، أنه الشعار نفسه الذي اتخذه البطل "أحمد عبدالعزيز" أثناء معارك 1948م في فلسطين.. كما يتذكر كل من رافقه في المعارك، أنه مع نهاية كل عملية كان إبراهيم الرفاعي يبدو سعيدًا كالصغير الذي نال لعبة يتوق لها ويتمناها.
كل من شاهده وتعرف عليه يؤكد تلك الحقيقة، ربما تبدو مفرطة أحيانا لقيمة الغنيمة والانتصار الكبير الذي حققه مع مجموعته، وهو ما لاحظه الجميع في مطلع عام 1968م، حيث نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية.. وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع.. إلا أن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها على طول خط المواجهة.
وتشير الوثائق ﺇلى أن رئيس أركان القوات المصرية استدعى الرفاعي وقال له: (إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية.. عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن، لمعرفة مدى تأثيرها على الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا).
انتهت المقابلة، ولم تمض سوى أيام قلائل لم ينم خلالها إبراهيم الرفاعي ورجاله.. فبالقدر الذي أحكموا به التخطيط أحكموا به التنفيذ.. وكان النجاح الكبير في العملية المدهشة، حيث عبر برجاله قناة السويس وبأسلوبه السريع استطاع اغتنام الهدف المراد، ليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ.. وأحدثت هذه العملية دويًا هائلًا في الأوساط المصرية والإسرائيلية على حد سواء، وتم على إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ.
كتبوا عن الأسطورة عبدالمنعم رياض في هذه العملية: (كانت من المهام الخطيرة في الحروب.. ومن العمليات البارزة أيضاً التي ارتبطت باسم الرفاعي عندما عبر خلف خطوط العدو في جنح الليل.. ونجح في أسر جندي إسرائيلي عاد به إلى غرب القناة. كان هذا الأسير هو الملازم داني شمعون.. بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة ولكن الرفاعي أخذه من أحضان جيشه إلى قلب القاهرة دون خدش واحد!)
كثرت وتوالت العمليات الفدائية الناجحة، ولعل أهم ما تركت منها من أثر، هو شعور رجل الشارع والجندي معا؛ قدرة الجندي المصري على العبور، وﺇحداث الخسائر في قوات العدو، بل وإدخال الرعب في صدورهم كما يفعل الأسطورة ﺇبراهيم الرفاعي.
ولا ينسى الجميع ما حدث في صبيحة استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، حيث طلب عبدالناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوٍ، حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده.. فكان الأسطورة لها في أي زمان ومكان، وعبر الرفاعي ورجاله القناة، واحتل برجاله موقع المعدية 6.. الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض.. وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا إسرائيليا! ثم رفع العلم المصري على حطام المعدية 6.. بعد تدميرها وكان هذا العلم يرفرف لأول مره على القطاع المحتل منذ 67.. وبقى مرفوعاً قرابة الثلاثة أشهر.
بمرور الوقت وتعدد العمليات الفدائية، أصبح الشبح الرفاعي ورجاله مصدر ﺇزعاج ورعب لجنود العدو، حتى اعتادت أجهزة التصنت المصرية تسجيل أصوات الصراخ والعويل من جنود العدو، فور ﺇعلان خبر هجوم من الأسطورة ورجاله، حتى كانت المرة التي تعمد فيها ضابط الاتصال أن يهدي ﻹبراهيم الرفاعي شريطا مسجلا عليه عويل وصراخ جنود العدو فور عودته سالما ورجاله ﺇلى المواقع المصرية سالما.
.. فلما بدأت الأصوات ترتفع في مناطق عالمية منادية بالسلام، كان الأسطورة يتابع تدريباته وتجهيز قواته، على يقين أن الأرض والحق لن يستردا ﺇلا بالقوة. وكانت معارك أكتوبر المجيدة، ليتابع بطولاته: قبل الضربة الأولى بساعات دخل وفرقته لتدمير ما يطلق عليه مدافع أبو جاموس بعيون موسى، ثم في ثلاث طائرات هليكوبتر لتدمير آبار البترول في منطقة بلاعيم شرق القناة لحرمان العدو من الاستفادة منها وينجح الرجال في تنفيذ المهمة.
وفي السابع من أكتوبر تُغير المجموعة على مواقع العدو الإسرائيلي بمنطقتي شرم الشيخ ورأس محمد والإغارة على مطار (الطور) وتدمير بعض الطائرات الرابضة به مما أصاب القيادة الإسرائيلية بالارتباك.
في الثامن عشر من أكتوبر كانت مهمة المجموعة، تدمير المعبر الذي أقامه العدو لعبور قواته، وبالفعل تصل المجموعة فجر التاسع عشر من أكتوبر في نفس الوقت الذي تتغير فيه التعليمات إلى تدمير قوات العدو ومدرعاته ومنعها من التقدم في اتجاه طريق (الإسماعيلية / القاهرة).. أحكم خطته ووزع قواته جيدا، وما أن وصلت مدرعات العدو حتى انهالت عليها قذائف الـ (آر بي جي) لتثنيه عن التقدم، ثم يأمر رجاله بمطاردة مدرعات العدو لتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.. وشاءت الأقدار أن يُستشهد يوم الجمعة 23 رمضان وكان صائما، وقد تسلموا جثته بعد ثلاثة أيام، ويقسم أحد رفقاء البطولة قائلا: (وفي حياتنا لم نر ميت يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك.. رحمه الله).