بقلم: حمدى رزق
وقضت المحكمة برفض ٣ إشكالات مقدمة من رئيس مجلس إدارة التأمين الصحى ضد ثلاثة أحكام صادرة من المحكمة لعلاج ثلاثة أطفال من مرض نادر، وبتغريمه مبلغ ٢٤٠٠ جنيه بواقع ٨٠٠ جنيه فى كل إشكال (الحد الأقصى الذى نص عليه القانون) وألزمته المصروفات.
وكانت المحكمة قد أصدرت الحكم الأول بعلاج الطفل وليد غيث من مرض نادر، والحكم الثانى بعلاج الطفلة سحر سعيد على من مرض نادر آخر، والحكم الثالث للطفلة رمزية عبد المجيد بصرف مصاريف الانتقال من منزلها للتأمين الذى تجرى فيها الغسيل الكلوى، إلا أن التأمين الصحى استشكل فى تنفيذها.
التقيت الدكتور على حجازى رئيس هيئة التامين الصحى وسألته عن هذه الأحكام، قال أنا من نصحت أولياء الأمور باللجوء للقضاء، لا أملك علاج هؤلاء بنصوص اللوائح المقيدة، وأرتكن على الأحكام القضائية لتوفير العلاجات للأمراض النادرة والمكلفة، أقله هناك حكم قضائى واجب النفاذ.
أعجب من معنويات الدكتور حجازى المرتفعة رغم مايحيطه من إحباط عام، وتداول اسمه سلبا فى المحاكم والفضائيات، ويلفتنى إصراره على تقديم خدمة صحية مناسبة فى ظروف غاية القسوة، ولكنه فى كل مرة يترك فى عقلى مثلا شعبيا مستقرا « ياجارية اطبخى، كلف ياسيدى» .
كيف تطلب من التأمين الصحى تقديم خدمة صحية مناسبة، وهو يترجى الله فى حق النشوق، تخيل الحكومة مدينة للتأمين الصحى بمليار و٦٠٠ مليون جنيه، وتكتفى بالوعود، وإن شاء، على ماتفرج، وصبر جميل، والدكتور على حجازى ملتزم سياسيا ولا يصرح بالمديونية، وإن صرح فمن باب الرجاء، ويعيش ومرضاه على أمل أن تسدد الحكومة ماحصلته لصالح التأمين الصحى قبل الزيادة الأخيرة فى أسعار السجائر.
لن أتحدث عن مديونية التأمين الصحى للمستشفيات والمعاهد العلاجية التى يقصدها نحو ٥٢ مليون مواطن يتلقون العلاج عبر التأمين الصحى، ولن أتحدث عن مستوى مستشفيات وعيادات التأمين الصحى التى تعجز عن القيام بواجباتها الصحية فى ظل المديونية التى ترزح تحت وطأتها هيئة التأمين الصحى، ولا عن أسعار التأمين الصحى العلاجية التى تنخفض عن مثيلاتها فى المستشفيات الخاصة بأقل من النصف بكثير.
أتحدث عن منظومة علاجية حكومية هى الأجدر بالدعم الحكومى، هى الأولى بتدبير الموازنات، هى العمود الفقرى للمنظومة الصحية فى مصر، أتحدث عن رواتب الأطباء والممرضين والموظفين، رواتب الأطباء لا تغرى طبيبا شابا بالعمل فى التأمين الصحى، ومهما قدم الدكتور على حجازى إلى هؤلاء من حوافز تظل أقل مما يجب تقديمه، ولذا يعانى التأمين الصحى من نقص فادح فى كثير من التخصصات، وتخلو عيادات التأمين الصحى فى كثير من الأحيان من الأطباء، هذا عن الوحدات فى الريف والصعيد .. ما بالك بالوحدات الطرفية فى أطراف المحروسة.
كل يوم على الله أتلقى شكايات مروعة من التأمين الصحى، وأحولها على مكتب الدكتور على حجازى شخصيا ويقوم شخصيا ومكتبه بالواجب وزيادة فى حدود الإمكانيات المالية المتاحة وأسعار التامين الصحى التى لم تتحرك إلا قليلا وتحتاج إلى تحريك حقيقى، نقلة نوعية، لتواكب كلفة العلاج فى المستشفيات العامة والخاصة، الفارق بين الأسعار عادة ما يدفعه المؤمن عليه من جيبه، وهو لا يملك من أمره شيئا، كما لا يملك الدكتور حجازى من أمره شيئا، العلاج باللوائح، وقوائم الأسعار، واللوائح والأسعار وضعت فى زمن مضى، وتحديثها يحتاج إلى تسعير جديد، وهذا يحتاج إلى موازنات مالية ضخمة لم تتوفر بعد.
شكوى المرضى يقابلها شكوى الأطباء والعاملين، وحجازى يغزل بأيد خاوية، ويحاول أن يقدم خدمة تحتاج المليارات، الحمد لله التحريك الجديد بالقانون الجديد فى أسعار الاشتراكات السنوية فى التأمين الصحى مضافا عليه ٤٠ قرشاً مستقطعة من الزيادة الأخيرة فى أسعار السجائر توفر للتأمين الصحى نحو مليارين و٣٠٠ مليون جنيه سنويا وهو رقم جيد إذا تم توريده عاجلا إلى التأمين الصحى، ولكن موت يا إنسان حتى يتم التحصيل، فضلا عن المديونية السابق الإشارة إليها وتقدر بمليار و٦٠٠ مليون تم تحصيلها بالفعل ولم تورد بعد .
هل نحط عيشة على أم الخير، لماذا لا يتم التوريد شهريا لإغاثة التأمين الصحى، لماذا لا يقسم رقم الأربعة مليارات على اثنى عشر شهرا، التأمين الصحى يحتاج إلى نصف مليار شهريا لإغاثة مرضاه وموظفيه وإنعاش مستشفياته ووحداته المنتشرة فى ربوع المحروسة، لماذا لا يقسم المبلغ على شهور السنة حتى ولو بأقساط ربع سنوية وتجرى مقاصة آخر العام المالى، بعض الماء يروى الشجر، التأمين الصحى مستمر بالكاد، يكاد قلبه يتوقف، والشكوى مستمرة، وكلما ذهب مريض إلى التأمين الصحى تضاعفت شكواه، والعين بصيرة والإيد قصيرة، والمختصون فى التأمين الصحى يمضغون الحصرم.
مريض التأمين الصحى كاليتيم على مائدة اللئام، إذا تعاطى مع مستشفيات التأمين الصحى ووحداته لن يجد ما يسره فعلا، وإذا اتجه للعلاج خارجها سيدفع من جيبه فروقات سعرية هائلة، فضلا عن روتينيات الاسترداد التى تجعل من الحصول على أقل القليل مشكلة تحتاج إلى متابعات دؤوبة من أهل المريض والمعارف والخلان، والحديث عن الحق فى العلاج والكرامة الإنسانية أخشى أنها مفتقدة فى بعض وحدات التأمين الصحى والتى تورث المرضى مرضا على مرض.
من تجارب شخصية مع التأمين الصحى ورئيسه المحترم، الرجل ورجاله لا يدخرون وسعا فى تقديم الخدمة العلاجية للملايين فى أصعب الظروف، ولكنهم محكومون بلوائح وإقرارات وقرارات وقوائم لايستطيعون لها تغييرا، فضلا عن نقص الإمكانيات المترتبة على تناقص الإيرادات من الاشتراكات، ومماطلة وزارة المالية فى توريد المستحقات المؤجلة.
مطلوب منهم خدمة نحو ٥٢ مليون مصرى، وتقديم خدمة علاجية مناسبة وتتفق مع المعايير الطبية الوطنية، وهناك حالات علاجية نادرة تستهلك «جعلا « معتبرا من الموازنة، هناك مرضى بالتأمين الصحى علاجهم النادر والمستورد يكلف الملايين سنويا، كما أن هناك علاجات خارج الوطن لبعض الحالات تكلف كثيرا.
والأغرب هناك علاجات لم تعتمد محليا، والإلحاح مخيف على توفيرها بالألوف المؤلفة، والرجل ملتزم بالأدوية المسجلة والمعتمدة من وزارة الصحة، وينصح أهل المريض باللجوء للقضاء للحصول على حكم قضائى يلزم التأمين الصحى بتأمين العلاج، ويتداول اسم الدكتور على حجازى فى المحاكم، والرجل مستعد لتنفيذ الأحكام ونفذها بالفعل، مؤلم أن تعالج ابنك فى التأمين الصحى بحكم محكمة، وفى كل مرة الرجل يطلب الحكم لأن اللوائح لا تسمح له بالتعاطى خارج المنظومة ويرتكن على الأحكام القضائية لإنقاذ الأرواح كسرا للقواعد الجامدة التى تحيطه كالقفص الحديدى.
كل هذا وأكثر والتأمين الصحى صامد فى وجه رياح الأسعار المشتعلة فى السوق الطبى، ويجتهد لتقديم أحدث العلاجات، وتوفير المضادات والأمصال واللقاحات والأدوية، والخزينة فارغة، والصرف من لحم الحى، والاشتراكات جد نذيرة، والاستقطاعات من أسعار السجائر لاتورد على وقتها.
المطلوب من التأمين الصحى فوق القدرات، ويحتاج إلى نظرة رضا من المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، ٥٢ مليون مصرى يستحق الكثير، أكثر من نصف الشعب المصرى يحتاج رعاية صحية مناسبة وبكرامة إنسانية .. أنقذوا التأمين الصحى، يرحمكم الله !!.