تلك القابعة داخل كل نفس منا.. الشرك والفخ الذي تسقط فيه أنفسنا.. حسبتها نجاتي وملاذي ووطني ومعطفي.. فما وجدت سوي حتفي وخنقي.. فسقطت بعدما حاصرت نفسي .. بعدما هدمت الجسور والطرق التي تمكنني من الهرب.. فتري هل هي السجن أم الطريق الذي يحملني لأن أذهب لتحرير نفسي.. أم هي أداة لصيد الآخرين والانقضاض عليهم.. أم هي مصيدة الكل التي فيها يأكل الكل في رحلة بين صياد وضحية ندفع فيها ثمنا لبضاعة لا ترد ولا تستبدل.. يتساوى فيها أرقام العمر بين صعب وهين.. باحثون عن أثمن ما يملك الإنسان متكبدين أعمارنا ثمنا لها لنصبح مفلسين في نهاية رحلتنا فلا غالب ولا مغلوب !
دائما نسير فى رحلة الحياة لا نعبأ بخطواتنا أو حتى بأشيائنا فتمر علينا مرورا سريعا لا نلبث أن نركن إليها لنعلم حقيقتها.. فلا نشغل أنفسنا سوى بما عجزت أيدينا عن الوصول إليه .. فيمر العمر من بين أيدينا حتي يبلغ رقما صعبا تقل معه الفرص في كل شيئ.. وحينما نتوقف لنتدبر ونتأمل نجد أن هذا التوقف لم يعد يجدي .. قد نزداد نهما بزيادة الإقبال علي الأشياء وتمسكنا بها ، وقد نزهدها فلا معني لها الآن بعد ما تسرب العمر من بين أيدينا .
فنندم علي كل شعور تضيع فيه قلوبنا وتتوه.. وماذا بعد ذلك؟ نصاب بالإحباط لفترة ليست بالطويلة.. ثم ما نلبث أن نعتاد هذه المشاعر وقد نتعلم أن نعش آلامنا بصمت وكبرياء في ظل رحلة مع الآخرين مفروضة علينا تتشابك فيها مصائرنا وتتقاطع مصالحنا.. وفي الزحام والتدافع من أجل العيش والبقاء دائما ما يتنافر الكل.. الكل يزاحم الآخر.. البعض يخطف ويجري والآخر يغتصب ويقتل! ليظل وراء هذا وذاك مصيدة يتعلم منها كيف يوقع بها الضحية.. لنصبح كلنا ضحايا لبعض على قدر تفاعلنا مع أحلامنا وركوضنا لتحقيقها، علي الرغم أن البعض منا لا يتكالب أو يصارع بل قد لا يكون له حلما يسعي إليه علي الإطلاق.
لتكون رحلتنا مشوبة بأمور عديدة من النصب أو السرقة أو حتى السطو المسلح مهما بلغ صاحب الرحلة من اليقظة.. فلا يعدم الصياد الحيلة لوصوله لمأربه علي قدر ما يتراءي له مما لدي الآخر من أشياء ثمينة حتي وإن وصل لحد عجز انتزاعها منه فيصيبه الحسد بتمني زوالها منه!
ونسير في طريقنا راغبين في وجود من يصاحبنا.. ونتصور أننا اخترنا الرفقاء بعناية و من يجلس بجوارنا بحرص لاعتبارات المحبة أو حتي الاستفادة والاعتماد عليهم، فنختار أهل الثقة.. وتسير الرحلة ونتعرض لمنعطفات ومنحنيات .. حال الدنيا مع كل الرحلات.. ومع كل مطب نتعرض له تكون عمليات الصيد والاقتناص .. ولا تتعجب فقد يقفز من جلس بجوارك أو حتي خلفك ليأخذ مقعدك دون استئذان ويلتهمك قبل أن تقوم أنت بذلك .. وتتساءل لماذا لا نسير بجانب بعضنا البعض؟ وما الداعي إذن لأن يأخذ أحدنا مكان الآخر؟.. أقول لك أن الطريق واحد والمركبات كثيرة عليها المرور بنفس الطريق الذي قد يحتاج لأن يضحي بأحد حتي تعبر بسهولة وحمل خفيف ولا وقت للتفكير أثناء تعرض الحياة للخطر فلا يفكر أحد سوي بنفسه حتي في أوقات عدم الخطورة فالمغانم يسال عليها اللعاب!
وقد لا تعلم وجهة المسير التي تود التوجه إليها وتنتظر من يأخذ بيدك ليدفعك لهذا الطريق أو ذاك وقد يسيطر عليك الخوف من أن تخطو هذه الخطوات بنفسك فترغب في المساعدة، وفي الغالب لا يوجد أحد يقوم بهذا الأمر فدائما عليك ألا تتكئ إلا علي نفسك.. لكننا نستسهل ونكره الوحدة وتسيطر علينا مخاوفنا أن نسير في الطريق الخطأ أو نستقل المركبة الخطأ مع تصورنا أننا غير قادرين علي الاختيار الصحيح.. فنلقي بأنفسنا في أي طريق فتسير الأمور بنا حسب الحظ دون أدني استعداد منا وبالطبع نصبح صيدا ثمينا!
ونندمج في دوامة الحياة و تتعاقب علينا الأيام والليالي ونتعلم علة الصبر لما يقابلنا في الحياة ولا نعلم أكان الصبر علة وسبب أم وسيلة أم غاية ؟ وهل هو مر أم جميل ؟ لكنه صورة من صور الأمر الواقع المفروض علينا لنتعامل بالرضا والتسليم ليكون اتفاقا مع المعاناة كشرط لبلوغنا السعادة لننهض من هزائمنا و نكمل المسيرة !
ليكون لزاما علينا أن ندفع الثمن للحصول علي كل شيء.. ونتقبل أمورا كثيرة في حياتنا كما هي .. لنجد أن معظم ما نمر به لا نجد إجابة علي ماهيته أو كيفية حدوثه أو حتى توقيته! فلا أحد لديه أجوبة أو حتى قد تكون أجوبة محظورة غير مسموح بإعلانها .
ونعود للثمن مرة أخرى في رحلة الصيد والاقتناص، حينما تخرج عن المألوف وتقرر أن تتصالح مع نفسك لتكسب نفسك.. لكنك تدفع ثمن خروجك عن القطيع الذي قد يتهمك حتي بالجنون ولا غضاضة في ثمن جعلك رافضا للنفاق الاجتماعي الذي يجعلك مهتزا أمام نفسك.. فالمنافقون لديهم مهارات التلاعب بالحديث والمشاعر التي تستخدم في عمليات القنص .
ودائما تفرض علينا الدنيا أن نستمر في اللعب والتعاطي مع اللاعبين وألا نمل أو ننقطع عن مداومة اللعب.. فالدنيا ترحب بمن يستمر في اللعب حتي ولو كان خاسرا أو وصل به الحال لإدمان التعاطي مع اللعبة بشرط ألا نصاب بالاضطرابات من فرط تناغمنا مع خارجنا علي حساب داخلنا الذي غدا لنا مكانا مجهولا قد يتحول لمصيدة لنا تقضي علينا .
فقد نتوه عن ذواتنا بفقدان الأمل والإحساس بالرضا والسرور .. بعدما بعدنا عنها وأصبحنا نؤجل أمانينا التي نحقق بها جدارة ذواتنا وقد نستمر في ترحيل وتأجيل أمانينا إما لفشلنا أو لإحساسنا بالعجز أو حتى لأننا اعتدنا على أن نعيش من أجل غيرنا.. فنتعلق بالمجهول الذي يصبح بمرور الوقت مصيدة لاغتيال أنفسنا بخلق حالة من الاضطراب التي تحطم صاحبها وتبعده عن الراحة النفسية وتجعله يحيا وسط صراعات تعيق وصوله للسعادة.
وقد نتعرض لعمليات النصب أو السرقة والطمع والوقوع في سلع مغشوشة أو البيع المحروق في أسواق البيع والشراء المنتظمة أو حتي العشوائية كل حسب قدراته.. لكن المؤكد أن لا أحد محصن ضد التعرض لعمليات الاحتيال مهما بلغ من اليقظة.. وقد يصل الأمر لأن يفقد تحويشة العمر كله وينهار .
بينما يتكيف الآخر ويجمع شتات نفسه.. وبعضنا مهما قابل من السرقات لا يتعلم أبدا كأنه مخلوق لغيره من اللصوص وقودا لهم .. والبعض الآخر ضحية تبحث عن أخري .. أمر غريب وعجيب أن نتغذى علي بعضنا البعض مثل عالم الحيوانات والطيور.. البعض بإرادته والآخر رغما عنه بالقهر والاغتصاب أو بالتحايل والنصب !
فلا تحزن علي نفسك فأنت لست وحيدا.. أو بمعني آخر أنت وحيد مثل الكل.
وتتفاوت درجات شكوانا من إصابات الوقوع في الفخ فالبعض يعلن عن شكواه ويبحث عن المواساة.. والآخر يبلغ من الكبرياء ما يمنعه أن يعلن تعرضه للتغفيل خوفا من شماتة الشامتين وكيد الحاقدين .. مهما كانت الخسائر فجميعنا يتأثر بعمليات الخيانة والفقد.. حتي الفائز لا يهنأ بما حصل عليه بالتحايل مهما بلغ من الضعف والمسكنة أو حتي الشراسة والقوة التي قد تصل لحد الاغتصاب والسطو المسلح.. جميعنا بشر لا نقبل أن يأخذ منا أو أن نعطي غيرنا إلا ما سمحت به أنفسنا وقدمته عن طيب خاطر وفيما عدا ذلك يصيبنا الندم حتي علي أمور الخير التي لا نجد صدى لها مهما بلغنا من الإيثار.
لتصبح معركتنا في الحياة هي معركة داخل النفس البشرية نتيجة الصراع بين المطامع الشخصية وما نمتلكه من مبادئ والقدرة على تحقيق هذه المطامع وسط بيئة متناحرة لتحقيق نفس المكاسب .
فندخل المعارك مجبرين أو مختارين.. جناة أو ضحايا.. لكننا لسنا هذا ولا ذاك طوال الوقت.. اللعبة دائما تنقلب وتتغير فيها مواقع الغالب والمغلوب.. نتوه عن أنفسنا فنسجن في سراديبها.. ونغفل عن إحكام يقظتنا في مواجهة من حولنا فتبتلعنا مصائدهم.. فنصاب بهزات وهزات تشوهنا أو تكسرنا وتحرمنا من براءتنا لكنها قد تحيلنا لأناس غير قابلين للكسر فمع كل خطأ ندرك أنه ليس الخطأ الأخير.. لتتوالي اللعبة وتمر أعمارنا بين صراعات داخلنا وخارجنا نصل عندها لرقم صعب نكون فيه ما بين ضحية لأنفسنا أو غيرنا.. هي أحكام اللعبة التي علينا الصمود لنهايتها .