الأحد 29 سبتمبر 2024

البطولة الإفريقية.. دروس السياسة والرياضة

8-2-2017 | 10:00

بقلم –  محمد الشافعى

وقف كل خبراء ومتابعى كرة القدم فى العالم.. بالإعجاب والتقدير والتحليل.. أمام النجاحات الكبيرة التى حققها المنتخب الوطنى المصرى.. خلال بطولة الأمم الإفريقية الأخيرة.. والتى انتهت منافساتها منذ يومين فقط.. ورغم أن كرة القدم مجرد رياضة - مثل أى رياضة- تحتمل المكسب والخسارة.. إلا أن أداء المنتخب المصرى قدم العديد من الدروس والعبر.. التى يجب استلهامها ليس فقط فى الرياضة.. ولكن فى السياسة أيضاً.. ومن أهم الدروس التى يجب أن نتوقف عندها ما يلى:-

أولاً: الدراسة المتأنية والأمينة لـ «قدرات الذات».. وذلك لإعداد «التخطيط الواقعى» الذى يتواءم مع هذه القدرات ويعمل على استثمارها على أفضل نحو ممكن.. لتحقيق الحد الأقصى من الطموحات والنجاحات.. وقد نجح المدرب الأرجنتينى هيكتور كوبر فى ذلك تماماً.. فتعرف جيداً على قدرات لاعبيه.. وعمل على توظيفها بالشكل الأمثل.. ولم ينس دراسة قدرات المنافسين.. ولذلك فاجأ الجميع بالنجاحات التى حققها.. من خلال هذا «التخطيط الواقعى» الذى تفتقده كثير من المؤسسات والهيئات التى تعمل فى السياسة والاقتصاد.. حيث تصر على مداعبة أحلام الغلابة والبسطاء بكثير من الكلام المعسول.. والآمال البراقة التى تتمخض عن مجرد «سراب»..وفى أحسن الأحوال لن تكون إلا إنجازات «غزل البنات».. ألوان زاهية وحجم «منفوش» فإذا ما أمسكت بها لا تجد شيئاً.

ثانياً: ليس شرطاً أن يقدم الإلحاح والإجماع الإعلامى.. صورة حقيقية للواقع.. وقد رأينا أن غالبية الإعلام الرياضى فى مصر كان ضد هيكتور كوبر مدرب الفريق الوطنى المصرى.. بحجة أنه لا يقدم «الكرة الممتعة».. وأن خططه عقيمة.. وأن طريقته الدفاعية بائسة وغير مجدية.. ورغم ذلك استطاع المدرب الأرجنتينى بهذا الفكر «المرفوض إعلاميا» تحقيق تلك النجاحات الكبيرة..

ولعلنا لم نخرج بعد من صدمة فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. رغم إلحاح وإجماع الإعلام الأمريكى على مهاجمته.. والتقليل من قدره.. بل فضحه وتجريسه أيضاً.. بما يعنى أن كوبر الذى كان محوراً دائماً للانتقاد والهجوم.. أصبح محلاً للتقدير والإعجاب.. وربما استطاع ترامب أن يصل إلى نفس النتائج أى أن «الإنجاز» يجب أن يكون الفيصل النهائى بين الإعلام وأى مسئول.. فالإشادة للإنجار.. والهجوم والنقد للإخفاق.. وما حدث مع كوبر يقدم درساً شديد البلاغة لأى مسئول يضع أهم أولوياته فى صناعة «جوقة إعلامية».. تتحدث عنه وعن أعماله.. ومثل هذه الجوقة من السهل أن تتحول إلى منصة للنقد والهجوم على ذات المسئول عندما تكتشف أن أعماله مجرد «سراب» أو عندما ينقلب عليه الرأى العام.

ثالثاً: جماعية الأداء وغياب ثقافة «النجم الأوحد».. واحدة من أهم أسباب نجاحات المنتخب المصرى فى البطولة الأخيرة.. فرغم وجود بعض اللاعبين الذين يمكن تقديمهم فى قالب «النجم الأوحد».. وعلى رأسهم لاعب فريق روما محمد صلاح.. إلا أن المدرب الأرجنتينى استطاع تغليب ثقافة «الكل فى واحد».. والانتماء لروح الفريق وليس بريق «النجم».. فكل لاعب يحرص على أن يكون جهده مكملاً لجهود زملائه.. ومثل هذه الروح تغيب للأسف عن كثير من مؤسساتنا السياسية والاقتصادية.. فأغلبها يعمل بنظام «الجزر المعزولة».. ولعل الخلافات التى طفت على السطح مؤخراً بين البنك المركزى ووزارة التعاون الدولى.. ثم بين وزارتى الزراعة والرى .. تقدم خير دليل على ذلك.. والأسوأ من كل هذا أن بعض المسئولين فى المؤسسات السياسية والاقتصادية يحرص على أن يعمل من خلال ثقافة «الوان مان شو»- أو النجم الأوحد.. الذى يجعل من نفسه مجرد حالة إعلامية.. ولكن للأسف الشديد دون أى إنجار حقيقى.

رابعاً: الأزمات والشدائد تعمل على تقوية وصمود أصحاب العزائم.. وفى المقابل تعمل على انهيار وضياع الضعفاء.. وقد تعرض المنتخب الوطنى خلال البطولة الأخيرة للعديد من الأزمات.. والتى يأتى فى مقدمتها الإصابات الكثيرة التى ضربت مجموعة من الأعمدة الرئيسية بين لاعبى المنتخب مثل مروان محسن- محمد عبدالشافى- محمد الننى- أحمد الشناوى.. إلخ.. ورغم ذلك استطاع كوبر أن يجعل من هذه الإصابات حافزاً ودافعاً لبقية اللاعبين لكى يقدموا الأفضل والأقوى.. من أجل زملائهم ومن أجل وطنهم.. والأهم أن هذا المدرب «الواقعى» استطاع إعادة صياغة واستثمار ما لديه من قدرات وإمكانات للاعبى المنتخب.. فعمل على توظيف بعضهم للعب دور «الجوكر» مثل أحمد فتحى.. أو لأداء بعض الأدوار التكتيكية التى تعمل على تحقيق الهدف النهائى من كل مباراة وهو الفوز.. وفى عالم السياسة والاقتصاد نجد أن الشدائد والأزمات تصيب الكثير من المسئولين بالعجز والشلل.. مما يؤدى إلى مزيد من الانهيارات والانتكاسات.. ولعل كوبر قد استلهم تجربة الزعيم جمال عبدالناصر.. عندما أرادت كل من أمريكا وإنجلترا والبنك الدولى فرض شروط مهينة على مصر لبناء السد العالى.. فرفض الرجل شروطهم واستثمر ما لديه من قدرات وإمكانات واستطاع بناء السد العالى.. إضافة إلى تحقيق تنمية حقيقية.. من دون أن يلجأ إلى قيود الاستدانة.. أو حتى شروط المانحين.

خامساً: الكفاءة قبل السن- قاعدة ذهبية يجب أن تكون المعيار الأهم عند الاختيار سواء فى الرياضة أو الاقتصاد والسياسة.. ورغم أن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل.. إلا أن معيار الكفاءة يجب أن يكون دوماً فى المقدمة ذلك المعيار الذى جعل من عصام الحضرى حارس مرمى المنتخب المصرى «أسطورة».. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ودلالات.. رغم تقدمه فى العمر بما يعنى أن الانحياز للشباب يجب أن يتكئ على معيار الكفاءة وليس السن- وبما يعنى أيضاً أننا لا يجب أن نتعامل مع الأكبر سناً على طريقة «خيل الحكومة».. ولعلنا ما زلنا نذكر أن نجم مؤتمر الشباب الحاشد الذى أقيم فى شرم الشيخ منذ عدة أشهر.. كان أستاذنا مكرم محمد أحمد- أكبر المشاركين سناً- من خلال رؤيته الأكثر وضوحاً ..وكلامه الأكثر صراحة.. ومنطقه الأكثر شجاعة.. وكلها روافد خرجت من «نهر الكفاءة».. وهذا لا يعنى أننا ضد الشباب.. لأننا مع الشباب الأكثر كفاءة.. والكهول الأكثر كفاءة أيضاً.. فالمعيار لدينا كما ذكرنا الكفاءة وليس السن.

سادساً: عقارب الزمن لا تعود إلى الخلف.. فقد حاول بعض الإعلاميين «شعبطة السياسة» فى انتصارات الفريق الوطنى.. فى البطولة الإفريقية الأخيرة مثلما كان يحدث فى فترات سابقة.. عندما تم استغلال انتصارات نفس الفريق فى نفس البطولة للتغطية على بعض الأزمات السياسية والاقتصادية.. وللأسف أدت بنا مثل هذه السياسات إلى ما لا يحمد عقباه.. والبديل الأكثر نجاحاً وتوفيقاً أن نستلهم نجاحات فريقنا الوطنى.. وأن نجعل من أسباب هذا النجاح دستوراً يتم تعميمه على بقية مؤسساتنا سواء الاقتصادية أو السياسية.. فالتخطيط الواقعى.. ومعرفة قدراتنا الذاتية.. وعدم الرضوخ لضغوط الخصوم والأصدقاء.. والعمل بروح الفريق.. والانحياز للكفاءة.. وغيرها من العناصر التى ساهمت فى تحقيق نجاحات منتخبنا الوطنى لكرة القدم.. تستطيع تحقيق نفس النجاحات وربما أكثر منها فى كل مؤسساتنا السياسية والاقتصادية.

سابعاً: الجهد والاجتهاد والإخلاص قيم تضع النجاح .. ولكن الوصول إلى «منصات التتويج» يحتاج إلى أن نضيف إليها «الإبداع» .. بما يعنى حتمية التفوق على الخصوم والمنافسين .. وعدم ارتكاب الأخطاء والهفوات.