الجمعة 26 ابريل 2024

حصيرة الصيف واسعة

مقالات26-3-2022 | 22:38

دائما الناس تقول.. زمان كان الشتا شتا.. والصيف صيف.. بمعنى أنه كان هناك محددات معروفة وواضحة وتسلسل زمني ومناخي بتوقيتات يعرفها آبائنا وأجدادنا، هذه طوبة والقادم أمشير، وهذه مطرة الصليب وتلك نوة الغطاس وهكذا، لكننا نعيش الآن زمن مختلف أصبحنا نسمع فيه عن التغيرات المناخية والمنخفضات الجوية والاحتباس الحراري.. ومصطلحات مجعلصة.. والحصيلة أنك تصحو على موسم الشتاء ثم تخفف ملابسك ظهرًا لأن الدنيا ربيع والجو بديع وقفلي على كل المواضيع.. فينشط الهواء بالأتربة عصرًا فتدخل في الخريف.. ثم يصبح الهواء باردًا ليلًا فتعود ترتدي ما تبقى في الدولاب، وخاصة لو كان عملك يقتضي أن تتأخر ليلا.. وربما تصحو في اليوم التالي على شمس ساطعة تنذر بقرب فصل الصيف.. وهكذا نعيش فصول السنة في الأربع وعشرون ساعة فأنت لست محروما من شيء.

في ذلك الزمان عندما كنا صغارا كان الشتاء ربما يستمر أسبوعا كاملًا بأمطار حقيقية ربما تهدم بعض البيوت المتنوعة من الطوب اللبن وموجة برد تجعل من أرنبة أنفك جليد متحجر.. ربما لأن بيتنا في مدينتي التي لا تختلف كثيرًا عن بيوت معظم صعيد وريف مصر.. فهي دار مكشوفة بها بعض الغرف البحرية وأمامها غرف الخزين القبلية، فإذا هطل المطر قامت أمي الحاجة وهيبة "ياسمين" بوضع البراميل تحت المزاريب لتجمع مياه الأمطار، لتستخدمها في الغسيل لأن ماء الحنفية في بلدتي كان يميل إلى الملوحة، فلسنا من وادي النيل فسيناء كلها تعتمد على مياه الآبار..

وصابون الميزان الذي نصرفه من التموين غير قابل للرغي معه، فلم يكن اختراع الرابسو والتايد والآيريال قد ظهر.. بل وربما يضيفون إليه بعض الرماد من مخلفات حرق جذوع الأشجار والذي كنا نشتريه من بعض سيدات البادية بالمقايضة مع الدقيق، ويعمل على تنقية المياه من الرواسب والأملاح فتصبح أكثر نعومة في الاستخدام.

أما الصيف فحدث ولا حرج فحصيرة الصيف واسعة فأينما تحل فأنت مرحبا بك فثقلك على الأرض فإذا غالبني النعاس عند بيت عمي أو أي من الجيران فلا مانع أن أنام وإذا كانت إحدى زميلات أختي تسهر لتذاكر معها فلا ضير أن تبيت معها وهكذا يمتد الوصل ليس فقط في صلة الرحم، لكن أيضًا في جسر الود المدود مع كل الجيران في طبق الملوخية الشهي من الحاجة روزة والذي يعود بأحلى رائحة لخلطة السبانخ بالحمص وقعدة العصاري في بيت الحاجة أم سمير الواسع العامر مع فنجان القهوة وكباية الشاي بالنعناع الطازج الذي يترعرع أمام ناظريك تحت شجرة الزيتون الكبيرة.

أما خبيز الصيف فله مذاق آخر فالفرن الذي يتم إحماؤه لا يخفت حتى ينجز كل عجين الشارع ومن لم يشارك في الخبيز لا بد أن يشارك في أكل العيش الطازج.. علشان كدة كانت حصيرة الصيف  واسعة لأنها تجمع كل الأحباب وتتسع للضيف والمحلي.. وأذكرك ونفسي بأننا في الصيف نلبس أخف ما يكون فالغني والفقير مستور لكن الشتاء.. هو فقط للأغنياء فهو بالنسبة لهم موسم الأبهة.. ولكنه صعب على الفقير في الشكل والمضمون.. ونحن مازلنا ننتظر أن تهل بشاير الصيف وأهلا بالضيف فالحصيرة تتسع لكل الأحباب.

Dr.Randa
Dr.Radwa