الإثنين 25 نوفمبر 2024

فى معرض القاهرة للكتاب.. ثورة ساخرة وكتب ملعونة!

  • 8-2-2017 | 11:06

طباعة

تقرير: شيرين صبحى

يوشك أن يودعنا معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثامنة والأربعين، الحدث الثقافى الأبرز الذى ينتظره المصريون. وسط زحام الكتب الكثيرة، لا تزال الثورة تتنفس بين طيات الكتب، لكن أحداث الثورتين المجيدتين اللتين قام بهما الشعب المصرى؛ لم تعد تعرض فى كتب تحليلية تخضع للتنظير والرؤى السياسية، أو مجرد حالة ثورية انسكب فورانها على الورق، بل تناولها الأدباء بشكل أكثر عمقا من الكتابات الأولية التى تواترت بشكل جنونى عبثى تقريرى.

 

إلى كل الحالمين بمستقبل أفضل لمصر بعد ٢٥ يناير و٣٠ يونيه؛ أهدت الكاتبة إقبال بركة روايتها الأخيرة «ذاكرة الجدران»، التى اعتمدت فيها على الأسلوب الوثائقى فى رصد جميع الأحداث التى تعرض لها المسيحيون المصريون فى المرحلة الأخيرة، كما تتناول الصراع بين الأجيال الجديدة والقديمة.

حاولت «إقبال» جمع الشتات الموجود فى مصر بين الرجل والمرأة، وتدور فكرة روايتها الأساسية منذ عام ١٩٣٠ حول أسرتين إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية، وكيف تعايشا سويًا ولم تؤثر على علاقتهما، الأزمات العديدة التى مرت بهما.

و تقول: «ذاكرة الجدران» هى كل ما تحفظه الجدران بين حوائطها والناس لبعضهم البعض، وشعرت أنى أكتب قصة مصر على المدى الطويل، قصة بلد يتفاعل مع بعضه ومع الزمان والمكان، دفع ثمنا كبيرا للحرية.

بطل الرواية يدعى مكرم، وهو محام فاشل اعتزل مهنته، واختار الوحدة وهجر أصدقاءه بعدما ماتت زوجته فيولا، فلا يجد عزاء إلا فى استدعاء التحولات الاجتماعية والسياسية لمصر منذ جاء جدّه من محافظة أسيوط لبيع محصول القطن، فسحرته القاهرة وقرر بناء بيت فى حى الزمالك.

تنتهى الرواية بثورة يناير التى أنهت حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكتبت بركة فى السطر الأخير أن الرواية «تمت ومازالت الثورة مستمرة».

الثورة الساخرة

راودت الأديب إبراهيم عبدالمجيد، حلم الكتابة عن ثورة يناير منذ يومها الأول، لكنه انتظر الوقت المناسب، ووجده وهو فى إحدى مدن فرنسا عام ٢٠١٤، ليكتب أحدث أعماله «قطط العام الفائت» وفيها يلجأ إلى الأسلوب الساخر والفنتازيا ويعطى للشباب مساحة أكبر فى الأحداث والشخصيات، ليؤكد أنهم أساس الثورات وعمود الأمة الفقري.

تدور الأحداث فى مدينة متخيلة تدعى «لاونده» يتمتع حاكمها بقدرات خارقة، تمكنه من إعادة الأشخاص إلى أعوام سابقة غير التى يعيشونها، وعندما يشتعل الميدان الكبير بالتظاهر ضده يوم ٢٥ يناير عام ٢٠١١ ، يقرر إعادة شباب «الفيسبوتشا» إلى العام الفائت، كحل سلمى لمواجهة تلك التظاهرات.

يضع معاونوه؛ «مدير المحن والأزمات»، «مدير الأمن والآمان» و«السر عسكر»، خطة محكمة تمكنه من إلقاء المواد المخدرة على المتظاهرين، حتى يتمكن من إعادتهم إلى العام الفائت. ثم يبدأ الإعلاميون والسياسيون وجماعة «النصيحة والهدى» الدينية التى يصفها الحاكم بـ«الفزاعة التى عاشت عليها نظمنا العسكرية السابقة» بإقناع المواطنين أن هناك أخطاء فى التقويم الميلادى والهجري، وأن اليوم هو ٢٥ يناير ٢٠١٠ وليس ٢٠١١.

تفشل قدرات الحاكم الخارقة أمام قدرة فتاة تدعى هديل، ولدت بمدينة «مصرايم» ودفنت بمدينة «لاونده»، وتتمتع بقدرة خارقة تمنح من خلالها المتظاهرين قبلة الحياة، فتقوم بتحويل كل السياسيين الذين تم وضعهم فى السجون إلى قطط، فتقرر الدولة قتل جميع القطط، ولكنها تدرك أن هذا الحل الأمنى لن يجدي، لأن قتل جميع القطط سوف يؤدى إلى انتشار الفئران فى كل البلاد بما فيها قصر الحاكم.

كل هذا الهراء فى مصر الأخرى!

«رواية مزلزلة».. هكذا تصف دار الكرمة؛ العمل الأخير للكاتب عزالدين شكرى فشير الذى جاء بعنوان «كل هذا الهراء»، وتدور أحداثها عن الثورة وما يتعلق بها، وفيها يكشف لنا عن طريق بطلى الرواية، أمل وعمر، عن جوانب من مصر الأخرى، القابعة تحت السطح فى خليط من اليأس والأمل لا ندرى إن كان سيدفعها للانفجار أم يقتلها كمدًا. وهى عبارة عن حوار بين البطلين خلال ليلتين فقط.

من الروايات إلى الكتب لا تزال الثورة مستمرة، حيث يتناول إكرام لمعى فى كتابه «المسيحيون بين الوطن والمقدس.. الدور والمصير» الحراك الثورى الذى قام به المسيحيون مع اندلاع أحداث ثورة ٢٥ يناير، وكيف ساهموا فى إسقاط نظام حسنى مبارك، رافضين توريث الحكم، ثم دورهم فى ثورة ٣٠ يونيه، ليعود على سرد تاريخى عن مساهمات الأقباط فى نهضة مصر عبر الزمن.

ولكن كيف أصبحت مصر بعد قيام ثورتين وكيف يمكن لها النهوض من كبوتها الاقتصادية؟ هذا ما يتناوله رجل الأعمال نجيب ساويرس، فى كتابه الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان «مصر.. بدون لف ودوران»، والذى قدمه الكاتب محمد سلماوى بطريقة مغايرة لإغراء القراء على اقتناء الكتاب، قائلا: «هذا الكتاب أصابنى بحنق وغيرة شديدين، ذلك أن نجيب ساويرس معروف بأنه رجل أعمال، فلماذا يقتحم مجال الكتابة الصحفية بهذه المقالات التى ينشرها، وكيف نجح فى أن يضع كتاباته الصحفية فى مكان بارز على الخارطة الصحفية برأيه الجرىء، وبشجاعته فى الخوض فى كثير من الموضوعات الحساسة، والقضايا المسكوت عنها، فحظى بإقبال كبير من القراء، لذلك لم يعجبنى هذا الكتاب بل أثار حنقى، وإنى لأدعو القراء جميعًا لعدم قراءته، فهو ملىء بما لم نتعود عليه من مواقف جريئة لا لزوم لها، لأنها تواجه مختلف مشكلاتنا بشجاعة غير محمودة العواقب، مع احتفاظنا بالطبع، واحتفاظ جميع الكتاب الصحفيين بكامل حقوقهم فى مطالبة نجيب ساويرس بنصيبهم من أعماله التجارية واقتسام أرباحه، مثلما اقتحم هو مجال الكتابة الصحفية واستحوذ على الكثير من قرائهم».

رحلة الدم ودولة الجواسيس

هل يمكن لنا تخيل العالم فى منتصف القرن الواحد والعشرين؟ هذا ما فعله الكاتب والمفكر الاقتصادى الكبير جلال أمين فى كتابه «العالم ٢٠٥٠»، وفيه يقدم دراسة مستقبلية استشرافية لما سيكون عليه العالم فى منتصف القرن الذى نعيشه، ويخصص فصلين لتناول مستقبل مصر والوطن العربي، فالتفكير فى المستقبل والتخطيط الجاد له من أساسيات نهضة الأمم، إن أرادت أن يكون لها مكانة تحت الشمس. كما يتناول المؤلف مستقبل بعض المفاهيم والنظم وأنماط المعيشة التى تشغل بالنا وتؤثر فى حياتنا فى الوقت الحاضر، كالرأسمالية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

من الثورة واستشراف المستقبل إلى التاريخ، حيث يستلهم الكاتب إبراهيم عيسى، بدايات التاريخ الإسلامى فى روايته الأخيرة «رحلة الدم.. القتلة الأوائل»، ويتناول المناطق المسكوت عنها فى تاريخ الخلافة الإسلامية، معتمدا على الكثير من المراجع والمصادر التاريخية الموثوق فيها.

يربط عيسى بين صراعات المسلمين الأوائل بعد وفاة الرسول وفتح مصر واغتيال عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، لنتبين حقيقة هذه السنوات المهمة التى غيرت وجه العالم إلى الأبد.

ما بين الحاضر والماضي، يقف الكاتب بلال فضل فى محاولة للربط بينهما، مقدما «فيتامينات للذاكرة» ليتحدث بطريقته الساخرة المعهودة فى ١٧ مقالا عن موضوعات سياسية اجتماعية مختلفة، منها «برلمان الزعيم الملهم أو كيف ترشق الشعوب فى الحيط»، «آن الأوان ترجعى يا دولة الجواسيس»، «طبعا للظلم نهاية.. المشكلة أننا قد لا نشهدها، «متى ننصف شهداء وأبطال الثورة.. أقصد ثورة ١٩». إنها أربع محاولات لإنصاف اليأس، وإقناعك أنه أصبح الأمل الوحيد!

كتب ملعونة

وسط الكتب الجادة والروايات الهامة التى يحفل بها المعرض، تتعثر بكم هائل من أدب الرعب كلما خطوت بقدمك خطوة، حتى أنك ستدخل إلى «حارة جهنم»، لتقضى «ألف ليلة فى الجحيم»، وهناك تسمع أصوات الفحيح من «سورة الأفعى»، وترى «الخبيث» يمشى بحرية فى «أرض السافلين»، ينشد «ترانيم أوستن»، إنه «قرين الظلام» الذى يرسل إليك «شفرة من العالم الآخر»، ويحصنك بـ«التعويذة الخاطئة».

يعتبر أحمد خالد توفيق من أبرز كتَّاب الرعب والفانتازيا، بل يعتبره البعض «الأب الروحي» لهذا النوع من الأدب فى مصر، والذى كتب سلسلة «ماء وراء الطبيعة» التى حققت نجاحا كبيرا، لكن الساحة لم تقتصر على خالد توفيق، بل لحقه كثيرون فى السنوات الأخيرة، البعض يقلده، والبعض الآخر يبحث له عن موطئ قدم متميز داخل الساحة المزدحمة الآن. ورغم أن توفيق يرى أن الجيل الجديد ما زال يحبو، وأنه ضد الشكل الذى يُكتب به هذا النوع من الأدب حاليا، لكن هذا لا يمنع من وجود كتاب رعب برزوا خلال السنوات الماضية، منهم محمد عصمت، شيرين هنائي، حسن الجندي، تامر إبراهيم.

توفيق أصدر هذا العام كتابين، أحدهما لا ينتمى إلى أدب الرعب والفانتازيا، وهو «اللغز وراء السطور.. أحاديث من مطبخ الكتابة»، يجاوب فيه عن الأسئلة التى غالبا ما يتلقاها الأدباء مثل «ماذا أفعل لكى أصبح كاتبًا؟»، «لماذا تمتعنا هذه القصة بينما تثير تلك مللنا؟»، «لماذا تبدو تلك الفقرة جميلة وتلك مفككة؟»، يقدم فيه وصفة سحرية من عصارة تجاربه ومن تجارب كبار الأدباء.

أما كتابه الثانى فهو رواية بعنوان «فى ممر الفئران» التى تتضمن إسقاطا على جوانب من قضايا الحكم والسلطة فى الكثير من الدول النامية. بطل الرواية يدعى الشرقاوي، مهندس فى الأربعين من عمره، يعيش حياة مريحة لكنه يفقد الرغبة فى كل شىء، فيقرر أن يتناول قرصا منوما للهروب من حياته الفارغة، لكنه يدخل فى غيبوبة ينقل على أثرها إلى المستشفى.

تقول الأخبار أن هناك نيزكاً يقترب من الأرض يوشك على تدميرها، وبالفعل يرتطم بالأرض لكنه لا يدمرها، بل تتشكل ستارة سوداء تحجب نور الشمس لمدة عقود، ليتخبط الجميع فى الظلام.

يستفيق الشرقاوى من غيبوبته ليجد نفسه فى عالم الظلام الجديد، ثم يتعرف على رامى ويتآلفان معا وينضمان إلى «النورانيين» أو «الضوئيين» وهم قلة متمردة على حكام عالم الظلام، حيث يحكم الأرض بعد غياب شمسها مجموعة من رجال الأعمال وذوى النفوذ الذين يسكنون جبال الهيمالايا، ينعمون بالشمس حيث تعلو قمم الجبال فوق السحب السوداء، لكنهم يقمعون سكان الأرض، وبمرور السنين يزرعون فى نفوسهم أن «النور» خطيئة، وأن «الظلام» نعمة وقدر محتوم..!

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة