الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

حديث النفس.. كلنا مزيفون!

  • 31-3-2022 | 11:55
طباعة

كلنا مزيفون.. حقائق مستعارة.. أسماء مستعارة.. تختبئ وراء حقائق صادمة.. أحزان وإخفاقات تحملنا لرحلة مزيفة ونجاح مزيف.. أنا وأنت كيانات مستعارة.. نكتب أحلامنا.. نخجل من إعلان أفكارنا.. نداري تشوهنا وجنوننا.. احتمينا بنصف ذواتنا لنكون غير عاديين!.. ولما المستعار ألسنا أقوياء؟ لأن أحلامنا وحياتنا مازالت مختبئة داخلنا مزيفة أو حقيقية أو مؤجلة متعثرة!. نعانق المجهول.. لنكون كلنا مستعارين حتى إشعار آخر!.

كلنا مزيفون ولن أستثنى أحدا.. فلا يوجد أحد إلا لديه جزء مزيف.. أسرار وتشوهات ونقائص دفينة نحتفظ بها داخل سراديب أنفسنا المغلقة.. بعيدا عن اطلاع الآخرين عليها حتى لا تنهدم صورنا المتماسكة التي نحيا بها.. نخفي داخلنا أكثر مما نعلن.. ولا أقول إننا يجب أن نسير حقائق عارية أمام بعضنا البعض.. لكن الاختلاف بين أحد وآخر هو درجة الصدق التي نحيا بها في حياتنا فيما نشعر به في علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين.

وفي رحلة الزيف التي نحياها يوميا، نتسابق فيها للهروب من أنفسنا ومن كل ما يحيط بنا حتى في علاقتنا مع زيف الأشياء والأشخاص.. نعيش حالة من التصارع.. منا من لديه القدرة على مواجهة نفسه بتصور صادق تجاه ذاته.. أو نفشل فنهرب من ذواتنا مؤجلين لقاءات المواجهة في رحلة من التعذيب.

أنت لست المزيف الوحيد بل تواجه مزيفين آخرين.. الكل يعلم أنه يكذب بدواعي التجمل ويحاول ألا يسقط أو يتهاوى.. ليصبح الركض عنوان رحلتنا.. نركض من أنفسنا أو من الآخرين.

لكن الأمر المثير للسخرية أنه كلما ضاقت اللقاءات وأصبحت فى مجموعات محدودة، تكون القدرة على التعرف على قدرات الآخر أكبر.. فننكشف لدرجة أن يخجل كل منا من الآخر من هول سقوط القدرات الخارقة التى نرسمها لإرهاب الآخرين فى ظل محاولات التهويل التى نتكسب من ورائها حتى يفسحوا لنا المجال وسطهم لنأخذ نصيبنا أو حتى نتقى شرورهم.. وخاصة تلك العلاقات المقربة فى بيئات عمل أو صلات القرابة فسرعان ما تتعرى محاولات الزيف.. لذلك نرحب بالصداقة وأمور العشرة والستر والغطاء حتى نأمن المكر والانقضاض حينما نظهر ضعفاء حتى ترتاح أنفسنا ولو لبعض الوقت لالتقاط الأنفاس.. وقد تكون دواعى الزيف فى صور من المسكنة والتذلل ورسم صورة مزيفة لضعف صاحبها.. كل حسب ما يتراءى له لسد عجزه والحصول على أعلى مكاسب.

 وإذا كان هذا حال الكل فى مواجهة الكل فلا أحد يستطيع التواصل بشخصيته وقدراته الحقيقية طوال الوقت على مسرح الحياة.. ولكن على الرغم أننا كلنا ممثلون.. إلا أنه منا من يتقن الدور ويحصل على لقب قدير بموهبة حقيقية أو حتى بمساعدات مزيفة ولو بسيطة وآخر ممثل فاشل أو حتى مجرد كومبارس لا غنى عن دوره، لكنه ممثل ضمن باقى أعضاء الفرق التمثيلية.. تلعب الوساطة والتزييف أدوارا لدفع البعض للبطولة أو حتى لتهميش الآخر!.

ورغم أننا نحمل جميعا خطأ الزيف داخلنا إلا أنه لا تمر حالات الزيف بيننا وبين بعض مرور الكرام بل مازلنا نندهش أو نتظاهر بالدهشة، ويحلو لنا أن نفتش عن زيف بعضنا ونبحث وراء نقاط ضعف غيرنا.. فى محاولات لتعرية بعضنا البعض وكأننا صادقون ملائكة!.. فنبحث وراء ستر بعضنا البعض! ونبذل جهودا لهتك هذا الستر!.. ونسينا أننا كلنا هكذا!. هى لعبة الإنكار التى نتخيل فيها أننا نتحرك بقدراتنا ومهاراتنا الحقيقية.. وكأن لا أحد منا لا يتلقى معونات سرية أو دعما مهما كانت التنازلات التى يقدمها حتى يواصل الحفاظ على صورته الوهمية أمام الآخرين التى قد تحيله لبطل خارق.. وكلما تضخمنا تملك منا الوهم أننا نحيا بقدراتنا الحقيقية وأننا أوتينا هذا الفضل على علم لدينا!.

وكلما كنت بارعا فى إخفاء زيفك وتمكنت من طمس كافة الأدلة زادت درجة غرورك ورغبتك فى التهكم والسخرية على أولئك ضعيفى المهارة فى إخفاء أسلحتهم لحجب نقاط ضعفهم.

ونهاجم غيرنا بإطلاق الأسئلة الكثيرة التى تزعجهم فى محاولة لكشف زيف الأشخاص والأشياء.. ورغم ذلك تكره أن يحاصرك أحد بالأسئلة.. نفس الألم فى تعرية عوراتنا.. فالتساؤلات تزعج نفوسنا قبل عقولنا وترهقها.. وقد نعجز عن الإتيان بالإجابات الصادقة ليكون لزاما علينا أن نلتمس العذر للآخرين.. وأن نتقبل الأمور كما هى، وأن يكون الكمال لله وحده، ولا يعنى ذلك أنني أتعاطف أو أشجع على وجود محاولات الزيف، لكن كل حالة تحمل أسبابها وخصوصيتها ولسنا حكاما أو خصوما لأحد.. أنت فقط لا تملك إلا حالتك التى فى الغالب ما تفشل فى التناغم معها!.

 حتى المشاعر والأحاسيس التى نحملها داخلنا تتصارع مع تلك التى نظهرها.. من منا لديه القدرة على مواجهة الآخرين بالمشاعر السلبية التى يحتفظ بها له أو حتى تلك التى يراها واضحة من الآخر تجاهه؟، فكم ملأت مشاعر الزيف أنفسنا وحملناها بأمور أثقلتها وقضت على براءتها لكسب زائف حملها بما لا يطيق فيدفع بها إلى فراغ ليس له نهاية.. من منا لم يجمل نفسه ليرضى عنه حتى من يكرهه لينال المحبة والرضا من الجميع.. ليحافظ على صورته ذات المواصفات الملائكية المزيفة.. كى يرضى عنه الآخرون فى محاولات للنجاة من شرورهم أو للتكيف حسب معيقات المعيشة.. لتقسو وتقسو على نفسك.. ليكون مع كل خداع لمشاعرك عزلة وابتعاد عن حقيقة ذاتك وبمرور الوقت تفقد قيمتك فى عبودية الآخرين.. فتعيش حالة من الركض وراء نجاحات زائفة لا تمنحك غير القلق والكآبة التى تعانق فيها ظلك المشوه بعدما تاهت نفسك فى رحلات التشويه.

 فيخلق الزيف داخلنا صراعا أبديا فنحيا بين الخير والشر.. بين طريقى النور والنار.. الجمال الإنسانى والقبح.. بين الضمير المتطلع للخير والتخبط فى فواجع الأمور وأردءها وأحطها.. رحلة بين الراحة والأمان والسقوط فى الهوة.. فنهرب من أنفسنا أو حتى نشغلها بملاحقة الآخرين فى رحلة التيه التى نتخبط فيها باحثين عن خارطة طريق لها ومفتاح لأحلامنا الضائعة.. فنبحث ونفتش ونسعى وندور وننسى أننا كلنا نفس البشر قد يغيب عنا السير فى الطريق الصحيح.. نتعثر.. نبعد وكلما ابتعدنا ارتاحت أنفسنا للزيف الذي يريحها.

وفى رحلتنا قد نعانق المجهول.. وقد تدفعنا استمرارية الحياة لطرق لم تكن محسوبة أو حتى معلومة قد نندفع لها وقد ندفع إليها.. وفى طريقنا قد نتسلح بالمقاومة والصبر وتحمل الألم.. وقد نسقط في براثن الزيف والوهن ونخوض مراحل من التيهان.

وقد نهرب من ذاكرتنا ونتعلق بالغد لضعف فى أنفسنا عن مواجهة الواقع الحاضر فنتعلق بالوهم اللذيذ فنتخيل أننا قاربنا على السعادة غير مدركين أنها السعادة الزائفة المليئة بأدوات وشخوص وأشياء مماثلة.

لنصبح جميعا فى أمس الحاجة للحظة صدق بعدما أصبحنا عالقين بين وبين!!.. باحثين عن العنوان بعدما تاهت أنفسنا فى مجهولات زائفة.. فنحتاج أن نتحرك بخطوات ثابتة لنخلع ثوب أوهامنا فى لحظة شجاعة تكون بمثابة النور للنفس البشرية لمواجهة التشوهات التى سيطرت على أرواحنا لنخرج لطريق الخلاص.. تصعد سلالمه حتى ولو كنت وحيدا لا تسمع ما يسمعه الآخرون ولا ترى ما يراه الآخرون هاربا من سراب نفسك.

فتتجرد من كل المخاوف والقيود.. تصعد وتحلق فى سماء نفسك المتجردة من تشوهات لرغبات شهوانية لاهثة أصابتها بالكآبة والحزن.. حتى إن عانيت أو أخطأت المسير يكفيك أنك فى رحلة من التطهر تستطيع أن تعاود النزول مرة أخرى، لكن عليك أن تتفحص موطئ قدمك حتى لا تنزلق.. فلا تستطيع أن تعاود الصعود إلا بسقوط آمن يحميك من هبوط فى مغالق الزيف المهلكة.. فتستطيع أن تكرر رحلاتك التطهرية مرات ومرات.

 وتزداد سعادتك عندما تحلق باحثا عن الجمال ففى كل مرة ترتقى وتسمو بنفسك وتجاهدها بمواجهة قوى التشويه تتنامى قدراتك على التحليق طالما تمسكت بعشقك لكل صادق وجميل.. تتطلع للتخلص من كل هفوات وأخطاء دفعت بك لأماكن خاطئة ونفوس خاطئة كنت واحدا منها لكنك كنت من القوة أن تغادرها جميعا.. تبحث عن الحياة فى طريق النور لا تنخدع ببريق النار الحارقة حتى ولو عشت وحيدا.. فالوحدة علة وجودنا أنقياء إلا بأنفسنا فى ثوب الطهر والبراءة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة