نولد معلقين بطاحونة الحياة.. تسرقنا دوامة السنين.. نتسابق لنحتل مواقعنا.. نطمع فى الخير.. يزداد الشوق.. تمتد دائرة الحلم.. يداعبنا الأمل.. نتعب من اللهاث وفرط المسير.. فنأوى لركن الراحة.. تهفو أنفسنا للحنان.. نصبو لفرح مخبأ يفاجئنا نتغلب به على غدر نفس الأيام.. يأتى أو لا يأتى.. مازلت أنتظر.. طال الانتظار.. توقفت وطال التوقف.. عاودت المسير.. عيناى على نهاية الطريق.. تغلبت على كل قسوة رغبة فى معرفة الطريق.. فقدت الكثير من نفسى مع كل ألم.. كابرت وتظاهرت بالقوة.. لكننى مازلت أسير.. الآن فقط أدركت أنى أشرفت على النهاية بعدما ضاع العمر فى انتظار تحقيق الأمل.
نسير فى طريقنا وأعيننا دائما على النهاية راجين تحقيق ما نصبو إليه.. فيكون لدى البعض منا الرغبة فى الوصول والآخر مضطر للمسير بقوة الرغبة فى البقاء مهما كانت العقبات.. قد تكون رغبتك فى تحقيق نهاية مختلفة عن مقدمات وبدايات لأمور وأحداث تعايشها ربما تصل إليها فتتسلح بالصبر.. فنسير نحو طرق مجهولة لا نعرف عنها الكثير عنوانها كلمة «ربما» بما تحويه من آمال فى تحقيق الأفضل قد تكون بلا عنوان أو بلا مكان.. قد تطرق ابواب سير وربما هرولة نحو سراب فى تآلف مع مصير محتوم تعقد على كلمة «ربما» آمال تجعلك ترفع يدك يوما معلنا النصر.
وقد نسير معلقين فى الهواء لا تستطيع أقدامنا ملامسة الطريق.. ومنا من يعافر ويكافح ويمتلك الطريق وآخر يضل عنه.. ومع ذلك الكل يعيش مع سنة الحياة لا تبديل لها فى تقلب بين عسر ويسر.
وفى رحلتنا مع الأيام دائما ما ينظر كل منا للحياة بحسرة وندم على إخفاقاته فى عدم تحقيق أحلامه.. فنقسو على أنفسنا ونحملها فوق طاقتها.. وقد نشجع أنفسنا إذا ما حكمنا عليها فى مجمل الأحداث والأمور لنقول لأنفسنا ليس بالإمكان أبدع مما كان فى ظل المعيقات والابتلاءات التى نمر بها، فنرسم الأمل لتستمر الحياة.
ونتشابك معها فى تجارب وحكايات.. قد تستدرجنا فى أحداثها ما بين فرح عمره قصير ودموع وآهات وخوف من عدم مقدرتنا على خوضها فى كفاح طويل فى تجاذب واختبار لمواطئ القوة والضعف معها.. فنسأل أنفسنا باستمرار أكنا ضعفاء أم أقوياء فى حكايتنا مع الأيام؟!.. هى حكاية كل فرد منا ارتبط بطاحونتها التى تعلق بها فى دوائر الطمع واللهف مع أمانيه فى تحقيق المكاسب.. قد تكون رحلة اللاشىء التى تزيد فيها على نفسك من أعباء لتحقيق المزيد من المكاسب.. تجذبك الطاحونة وتدفعك رغبتك فى اللهث واللهف لمزيد من الحزن بأن تحكم على تجربتك بما حققته من ماديات الأشياء من مال وشهرة ومنصب وغيرها وتنسى ما حملته لروحك من أعباء قد تدفعها للهاوية بعدما بعدت عن الشبع والقناعة.
فكل يرى الحياة من منطلق أن العمر يمر والأحلام لا يتحقق منها الكثير وأن الأيام لا تمنحنا سوى اليسير أو حتى تعاندنا، على الرغم من أننا نستحق الأكثر.. وفى طريقنا نعبر أو نسقط من فوق جسر الامتحان والابتلاء من مرض وعلة وفقر وعوز ورغبة فى تحقيق الكثير والجميل.. نراقب غيرنا.. نتتبع خطوات بعضنا البعض.. نحسد.. نغار.. ربما نسعى لشماتة من شدة ما حملت أنفسنا من غل.. نبحث عن مقام يرضى ضعفنا ويشعرنا بالتفوق على من هم خير منا وأفضل.. ولا نتوقف عن المسير ولا تشبع أنفسنا!!.
وتستمر الحياة فى مشاهد لأناس مختلفة منهم من يتحرك بطيئا وآخر يعاند النوم.. وثالث يستسلم للراحة.. صور وأحداث نراها نلاحظها أو حتى نغفلها.. قد نتوقف للتأمل.. لتكون حكاية كل واحد منا فى الحياة بصراعها الظاهر والمستتر بكل ما حملت أنفسنا من حب وكره أو حتى مشاعر محايدة لعدم تكليف أنفسنا عناء المشاركة الوجدانية لتمر ولا تتوقف عند أحد فى صور لا ينشغل فيها أحد إلا بغيره.. يشاهد ويقارن بين نفسه وبين غيره فيخشى مصيره أو حتى يحسده لينال منه مما عجز أن يصل إليه.
وقد يدفعنا المسير أن نتوقف نحاور الأيام، سواء عن قناعة بأننا غير مقصرين أو حتى لاستئناسها لتحنو علينا وتعطينا ما عجزت أيدينا عن الوصول إليه، لأننا فى الغالب لا نحمل أنفسنا بأية أخطاء فيغيب عنا الحساب والمراجعة.. لكننا دائمو العتاب للأيام وللأقدار على الرغم من أن الحياة نعيشها فى أمسيات وصباحات تمر بنا وبغيرنا يتساوى معها الحضور والغياب.. الفرح والحزن.. تمتلك الحقيقة الصادمة بأنها السيف المسلط علينا جميعا فى امتلاكها لمواعيد المقادير التى لا ينفع معها أجندة تنظمها فكله يمر مهما بلغت قسوته.. فتستمر فى سيرها رغم آلامها وأفراحها علينا جميعا وأنت لا تملك سوى التسليم بالتحول المفاجئ أو حتى المتدرج لكل شىء حتى يصبح عاديا بمرور الوقت.
وماذا نمتلك لنواجه هذا التغيير؟! فى البداية علينا تقبل تقلب الأيام حتى ولو كان صادما وقد تستعين على التقبل بقرار الفرار إلى نفسك لاستعادة السكينة أو الهدوء حتى ولو كان لركن الذكريات الجميلة داخلنا ولو لبعض الوقت.. وبعدها تخرج من سكينتك محاولا أن تحاورها لكنها لا تنتظرك، فما كان حاضرا أصبح بالنسبة لها ماضيا فى تعاقب الدقائق والثوانى والأيام والليالى.. وإياك أن تجادلها لأنها ستهزمك.. فتحاول أن تعاود النهوض.. وتتصور أنها تطلبك لنزهة أو استراحة، ولكنها قد تكون خدعة تصيبك بالدموع أو حتى تأليب للذكريات.. فلا تأمن لها فالتغيير طبعها ولا تعرف طول الراحة!!
وفى مسيرنا تتوالى الضربات.. ومن شدة الضرب نصاب بالضعف والوهن حتى ولو تجاوزناه فكل ألم وجرح يترك الأثر الذى يرفض أن يغادر نفوسنا مهما تظاهرنا بالجلد والصمت والكبرياء، لأنه يختبئ ينتظر لحظة الظهور مع ضربات مماثلة ليخرج علينا بألم مضاعف.. وعندئذ يحلو لك مخاطبتها ولسان حالك آه لو تعلمين كم أريدك أن تحتوينى فى صمتى ومواساتى حتى ولو كنت متدربة على الكبرياء الذى أصابنى من طول الكفاح والشقاء دون أن أرتاح.. فأصبحت أخشى أن تحاصرينى بالاقتراب والاحتكاك.. أعلم أنه لابد لكى أن تمرى وعلىّ أن أفسح لكى الطريق لتذهبى لغيرى.. أو تمرى دوننا حتى ولو لم أقترب منك.. أعلم أن سيفك ينال منى ومن غيرى.. موهومة أنا متصورة أنك تعانديننى مخلوقة لأجلى وحدى تعشقين التفاصيل معى ونسيت أنى ما كنت سوى مجموع داخل مجموع سيفك يمر علينا اختبارا وابتلاء للحياة.. فإذا كان خطرا نحذر ونحتاط وإذا كان أذى نصبر ونحتسب فندعو لبعضنا البعض أن يكفينا الله شر الأيام.. أى شر وأنت قاطعة طريقك لا تلتفتين لأحد ولا تعادين أحدا.. وننسى أن ندعو أن يكفينا شر أنفسنا التى تتحد مع الأيام لتمر علينا فتحرك جروحنا.. والآن هل أقول لك اتركينى وحدى أو حتى تتناسى وجودى.. فكم أخشى جنونك وهبوب ريحك !!.. فتسخرين منى وتقولين لابد وأن أمر أنت من وقفت فى طريقى.. أنت من توهمت أنى جئت لأحيل حياتك لضعف ووهن وشيخوخة.. أنا أمر وأنت الذى تغتر وتضعف وتشيخ.. وماذا إن غبت أنت ورحلت هل ستتوقف رحلة الأيام؟! لا شىء سيحدث سأمر كما أنا قاطعة طريقى.. تحاول أن تستوقفنى وتطلب منى أن آتى بأحلامك وأحقق لك السعادة.. أنت تخشانى دائما.. حقا هذا جيد لكنك اكتفيت بدور المراقب ولم تفر من طريقى لإعلاء شأنك وتحقيق سعادتك.. فأصابك سهمى.. يا عزيزى الأيام دول لا ينفع معها أن تراقبها من وراء نافذة أو تنتظر أو حتى تتوقع.. سر مع الآخرين وإلا اصطدمت بى وحينها ترجونى ولسان حالك لا تخاصمينى أو مازحينى أو حتى ترفقى بى!!
الحياة صراع ومعركة بقاء نتشارك فيها سعيا وراء خزائن الأرزاق.. نأخذ بالأسباب وتمر مهما اشتدت واستحكمت حلقاتها.. ولكنها حتما تسير بنا كما اختارنا لأنفسنا أن تكون.. فما فعلته اليوم تحصده غدا.
وأعلم أنه كلما تقدم بك الزمن فإن رحلة الأيام هى رحلة فقد للأشياء والأشخاص.. فتمر عليك أحداثها تتخطى بعضها وتمرر أخرى.. وأحيانا تصبر نفسك بأنك الأقوى فى هزائم ومآس كثيرة نزداد معها زهدا فى نعيم الحياة.
فى حكايات الألم والفرح كلنا متشابهون.. عنوانها النسيان وطرقها مختلفة ونهاياتها سريعة مهما طال الزمن، فسرعان ما تطوى الأيام صفحاتنا.. فتنتهى أعمارنا ونخرج جميعا من اللقاء بلا عودة بعد رحلة من التيه والبحث عن مفتاح الحياة وخارطة الطريق.