الأحد 12 مايو 2024

حوارات رمضانية.. ناصر عراق: الحياة الثقافية دوما محتشدة بالجديد والمتفرد

ناصر عراق

ثقافة8-4-2022 | 19:23

أبانوب أنور

- أظن أننا في حاجة إلى مجلة ثقافية مطبوعة تخاطب القارئ العام بذكاء

- القراءة عمل شاق رغم متعته يستلزم الصحو والحصافة

- يجب أن يطالع الشباب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والتفاسير الشارحة له

شهر رمضان له العديد من المميزات والسمات التي تزيد من أهميته في مصر والوطن العربي بل العالم كله، ومن بينها الذكريات التي تكمن في ذاكرة كل شخص عن رمضان في الماضي، ففي شهر رمضان تبدأ روح الصائم بالتعايش مع كل ما فيه تقوى، وتتحول المنازل في شهر رمضان إلى خلايا يصدر عنها السكينة، حيث يزداد الاهتمام فيه بالصلاة، وقراءة القرآن، أنعشت بوابة دار الهلال الذكريات مع الكاتب الصحفي والروائي ناصر عراق، عن ذكرياته مع شهر رمضان والحياة الثقافية في الشهر الكريم.

كيف يكون يومك في رمضان؟

بكل تأكيد، فإن يومي في رمضان الآن مختلف عن يومي الرمضاني في القرن الماضي، فقد تجاوزت الحادي والستين، ولظروف طارئة غدوت أعيش بمفردي منذ أربع سنوات تقريبًا، وهي أول مرة في حياتي أقيم فيها في بيت بلا ونيس، سواء كانت أسرتي القديمة المكونة من أبي وأمي وأشقائي (نحن سبعة وترتيبي السادس)، أو مع زوجتي وأبنائي الثلاثة بعد ذلك، وهكذا يهل عليّ الشهر الكريم وأنا أنادم الوحدة، وهو أمر غير مريح بالمرة، ومع ذلك، فأنا منشغل على الدوام، سواء في رمضان أو في شوال، حيث أذهب إلى عملي في الخامسة صباحًا، لأقرأ كثيرًا وأكتب رواياتي أو مقالاتي ودراساتي، ثم أغادر مكتبي في الواحدة ظهرًا، لأتناول طعام الغداء في أحد المطاعم بدبي، هذا في غير رمضان، لأعود إلى مكتبي مرة أخرى في الرابعة عصرًا، حتى التاسعة مساء، أما في رمضان فأتناول طعام الإفطار ثم أعود إلى مكتبي حتى الساعة 11 مساءً، باختصار... القراءة والكتابة هي زادي اليومي الذي لم يتوقف تقريبًا بامتداد أربعين سنة على الأقل، سواء كنا في حضرة الشهر الكريم حيث تظللنا نفحاته الطيبة، أو كنا في شهور القيظ أو البرد، فأنا أعمل جاهدًا لضبط إيقاعات أيامي على مؤشر القراءة والكتابة.

ماذا تقرأ في رمضان؟

لا توجد لديّ قراءات خاصة برمضان، وإنما قراءاتي في السنوات الأخيرة مرهونة دومًا بما يخدم مشروعي الروائي، بمعنى أنني ممكن أنغمس في قراءة كتاب عن حقبة تاريخية أود التعرف إلى تفاصيلها جيدًا لأنني أعكف على فكرة روائية تدور وقائعها في تلك الحقبة، أو لعلني أطالع كتابًا في الفلسفة لأنه سيخدم عملي، أو كتابًا في علوم الفلك أو الحيوان أو الجغرافيا، وهكذا، فعندما كنت أكتب (تاج الهدهد)، على سبيل المثال، قرأت كثيرًا عن عالم الحيوان، وأذكر جيدًا الكتاب المدهش (العدالة في عالم الحيوان) للكاتب الأمريكي مارك بيكوف، فضلا عن مئات البرامج التلفزيونية التي شاهدتها عن هذا العالم الثري العجيب كي أتزود بالمعارف الواجبة غن الحيوانات والطيور، والتي تحتاجها روايتي، وقبل أن أشرع في كتابة (نساء القاهرة. دبي) طالعت العديد من الكتب عن الديانة المسيحية وتعاليمها وطقوسها لأن الرواية تتناول حياة عائلة مسيحية وما جرى لها خلال نصف قرن، وحين طرأت في ذهني فكرة رواية (الأزبكية) طالعت نحو 50 كتابًا ومرجعًا عن أحوال الحملة الفرنسية في مصر وبدايات عصر محمد علي، وحين كنت منكبًا على كتابة (اللوكاندة) قرأت كثيرًا عن تاريخ الطب في القرن التاسع عشر، لأن أحد أبطال الرواية طبيب إنجليزي، وحين كنت عاكفا على روايتي (أيام هستيرية) طالعت كثيرًا عن عالم النباتيين، وختمت قراءاتي بكتاب بالغ الأهمية اسمه (قدحة النار... دور الطهي في تطور الإنسان) للمفكر وعالم الحيوانات البريطاني ريتشارد رانجهام، أما روايتي الجديدة (الأنتكخانة) التي ستصدر عقب العيد مباشرة عن دار الشروق، فقد قذفت بي إلى مصر السحيقة، فقرأت الكثير عن تاريخ مصر القديمة مبحرًا في الأسرات الحاكمة وإنجازاتها، ثم صعدت إلى فترة الخديو إسماعيل أيضًا، وبحثت كذلك في تاريح المتحف المصري تحديدًا، وهكذا. أي أن قراءاتي حاليًا يجب أن تخدم مشروعي الروائي، علمًا بأن هذا لا يمنع أن أستمتع بالاطلاع على روايات جديدة أو مجموعات قصصية وشعرية صدرت حديثا، كما أن هناك بعض الكتب يجب أن تكون في متناول يدي في أي وقت مثل القرآن الكريم والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد و(فجر الضمير) و(شخصية مصر) و(تاريخ الفلسفة الغربية)، و(أصل الأنواع) وغيرها. علاوة على ما يرسله لي بعض الشباب من إنتاجهم إنتاجهم الأدبي لأبدي آرائي حوله.

حدثني كيف ترى الحياة الثقافية في رمضان؟

رغم أنني أقيم وأعمل في دبي منذ يناير 1999، إلا أنني لم أغب عن مصر أكثر من أربعة أشهر متواصلة، سوى مرة واحدة فقط بسبب فيروس كورونا الوغد الذي عبث بكوكبنا في 2020، لذا أزعم أنني متابع جيد لحياتنا الثقافية، وهذا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل الحدث أمامي في التو واللحظة رغم أن بيني وبينه آلاف الكيلومترات. من هنا يمكن القول إن الحياة الثقافية في مصر دومًا محتشدة بالجديد والمتفرد، وكما يقولون (مصر ولادة)، ولكني أظن أننا في حاجة إلى تنظيم العمل الثقافي أكثر، وفي حاجة إلى تشجيع الموهوبين من خلال إطلاق الجوائز السخية في المجالات كافة. جوائز تليق بتاريخنا، وتشعل المنافسة الحقيقية، فلا يصح أن نسمع عن جائزة قيمتها ألف جنيه أو حتى خمسة أو عشرة، فأي جائزة الآن تقل عن 100 ألف جنيه لن تكون ذات تأثير فعال، فالأسعار في ارتفاع متزايد كما تعلم. وأظن أيضًا أننا في حاجة إلى مجلة ثقافية مطبوعة تخاطب القارئ العام بذكاء. مجلة شاملة يقوم على تحريرها وإخراجها صحفيون ومصممون متخصصون ومبدعون محترمون، وتنفق عليها الدولة من سعة، من حيث الطباعة والورق وتخصيص المكافآت المجزية للمحررين والكًتّاب وهكذا. مجلة ثقافية شاملة يسعى إلى اقتنائها كل قارئ مصري وعربي. كما أتخيل أننا في حاجة إلى تخصيص ميزانيات ضخمة للإنفاق على الحركة الثقافية والإبداعية في الأقاليم، فنعيد افتتاح قصور الثقافة المعطلة، ونطور ما هو قائم، ونشيّد قصورًا أخرى، فالثقافة هي التي تحمي البلد من طوفان الأفكار المتشددة الكارهه للناس والفنون والآداب، والتي يظن أصحابها أنهم وكلاء الله على الأرض، يقتلون من يخالفهم، أما أهم الأمور التي ينبغي أن تعمل على تنفيذها وزارة الثقافة بالتنسيق مع الوزارات الأخرى فهي إعادة الأنشطة الفنية إلى المدارس والجامعات، مثل الرسم والمسرح والموسيقى، حتى تخرج لنا أجيال جديدة أكثر سموًا وأكثر تسامحًا وأكثر فهمًا لطبيعة الحياة، فبدون الفنون لا يمكن أن نضمن ولاء الإنسان لإنسانيته التي قوامها الرحمة، وبدون  الفنون سيظل العنف لصيقا ببني البشر.

أي الكتب ترشحها للجمهور للقراءة في رمضان؟

المهم أن نقرأ، في رمضان أو في غير رمضان، كما من المهم أن نقرأ بتركيز، فعلينا أن نخاصم القارئ الكسول الذي يسطو على أعصابنا ووقتنا، فالقراءة عمل شاق رغم متعته، يستلزم الصحو والحصافة، ومع ذلك أتمنى أن يطالع الشباب بعض الكتب المهمة عن مصرنا الحبيبة مثل (فجر الضمير) الذي كتبه المفكر وعالم الآثار الأمريكي جيمس هنري بريستد، وكذلك موسوعة (شخصية مصر... قراءة في عبقرية المكان) للعلامة الفذ الدكتور جمال حمدان، وأرجو أن يقرأ الناس موجزا لتاريخ الفلسفة، وروايات نجيب محفوظ وأخص بالذكر (الحرافيش)، وديوان شوقي، فضلا عن أهمية قراءة الكتب الدينية المقدسة وأعني القرآن الكريم وتفاسيره، فلا فائدة للقراءة بدون فهم السور والآيات ومعناها وأسباب نزولها، كذلك يجب أن يطالع الشباب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والتفاسير الشارحة له.   

كيف ترى شهر رمضان في ظل الكورونا ومع الحرب؟

أظن أننا الآن نودع كورونا ومصائبه، فالعلم أثبت أنه قادر على سحق هذا الفيروس السفاح، فالمجد للعلم والعلماء والأطباء، أما الحرب في أوكرانيا، فتؤكد أن الوحش مازال يرعى داخل الإنسان رغم أننا في القرن الحادي والعشرين، كما تشير هذه الحرب إلى أنه من الممكن أن يقود حاكم بائس التفكير شعبه إلى التهلكة، ويبقى الأمل في أنفس الذين يحلمون بعالم خال من أسلحة الدمار الشامل... عالم ينهض على منظومة العدالة الاجتماعية. عالم يقدس الحرية وحق الإنسان في أن يعيش حياة لائقة كريمة.  

حدثني عن تأثير الحرب على المشهد الثقافي.

لم يحدث أن اندلعت حرب في جهة، إلا وكانت حرائقها تشتعل في حدائق الجهة الأخرى، لذا من المؤسف أن هذه الحرب أثرت على اقتصاديات العالم كله، فشهدنا ارتفاع الأسعار في مصر بشكل مريع، لأن الدخل الشهري عند غالبية المصريين أقل من المأمول، ومن ثم سينعكس ذلك على المشهد الثقافي بتنوعاته المختلفة، وكلي أمل أن نحافظ على كرامة الناس وحقهم في الحياة المحترمة، وكذلك حقهم في التزود بالمعارف المختلفة. ليتنا لا نحرمهم من الرغيف، ولا نبخل عليهم بالكتاب!.

Dr.Radwa
Egypt Air