السبت 20 ابريل 2024

حديث النفس.. آه يا قيودى!

مقالات14-4-2022 | 11:36

دفنت نفسى وصنعت قيودى.. قتلت طفلى ووأدت روحى.. سرت فى مواكب المجاملات والرياء والكذب.. عشقت صورتى فى مرآة غيرى ونسيت أن الناس تقيدنا بما نقدمه إليهم.. رفضت الاعتراف وخفت الانهيار.. خشيت السعادة وتمسكت بكبرياء زائف.. تحججت بالقدر.. حاولت أن أكون وحشًا لا ينكسر.. رفضت البكاء ورسمت الابتسام.. ارتديت ثوب الأوهام والتخاذل والتضحية والتفانى والتغابى.. فكانت قيودى وأغلالى.. نسيت نفسى داخلها ولكن لم تنسنى الكوابيس.. فعند نومى أغفو وأصحو على حقيقة واحدة أنى مازلت مقيدة وأنى من صنعت قيودى!

 

القيود ليست فقط شخصًا مرئيا ولا طريقا معروفا.. قد تكون غموضا وخوفا يخاطب أرواحنا ظننا أن فيها الخلاص لكنها ما تلبث أن تقطع علينا الطريق وتحرمنا من أن نرتقى مراتب الحياة.. قد تكون أشخاصا تعلقنا بهم وأساءوا إلينا أو تركونا فى وسط الطريق تائهين مملوءين بالحسرة والندم أو حتى كرهنا قربهم منا فكانوا لنا كالسجن، الذى نحلم أن نفر منه لنتصالح مع أنفسنا ونستدعى أرواحنا الغائبة بعدما أوشكنا على الانهيار فأصبح لزامًا علينا أن نهجرهم ونحطم قيودهم وسطوتهم علينا.

إذن هى كل المشاعر والأحاسيس التى نجحت فى أن تزرع بداخلنا الخوف والإحباط واليأس والكآبة وجعلت هويتنا مبهمة وتدفعنا لأن نتعايش مع تناقضاتنا فنحيا الوهم ونرفض البحث عن الحقيقة.. ونبعد عن منطقة الراحة النفسية ونعيش فى صراع دائم يحعلنا نحيا فى قوالب جامدة محرومين من كل فرص المتعة والبهجة..  نئن من ألم الوجع الغائر الذى يحرم قلوبنا أن تتنفس وعقولنا أن تحلق مع كل شىء حولها لتنعم بتنويعات الحياة.. ويصبح الشخص المقيد مثل من أغلق النوافذ والأبواب على نفسه محروما من نعمة الحياة.

ولا يختلف الأمر فى مسؤولية فرض القيود علي النفس أكان الشخص نفسه أو سمح لآخرين لضعف لديه أو رغبة فى الحصول على مكاسب مثل المال أو الشهرة وغيرها.. ولا أتصور أن يخلو أحد من قيود سواء شخصية أو مجتمعية، بل أكثر من ذلك تجدها مكررة لملايين المرات من السنين.. فنحن لا نملك الإرادة الحرة المطلقة فى غالب الأحوال وإلا تحولت الحياة إلى غابة لا ضابط ولا رابط لها.. لكن تداعيات القيود النفسية تفرض على صاحبها رحلة من الشقاء تصل لأن تكون أشبه بالمقبرة مهما حاول إقناع نفسه بالتناغم بحصوله على أية منافع لأنها ضد الفطرة الإنسانية الخالصة التى تمنعه من تحقيق سعادته.. يعيش يتحين الفرص للتخلص منها أو حتى يتمنى أن تزول بمرور الوقت بشكل قدرى لعدم قدرته على المواجهة.

وقد نمتلك من الشجاعة ما تجعلنا نقرر أن نتحرر من قيودنا التى غالبا تأتى بعد مرور الكثير من أعمارنا.. ومهما كانت الأسباب الدافعة فإنها لحظة صدق ترفض فيها النفس ما تكبلته من عناء ربما بسب أمنيات كانت وهما أو حبسنا أنفسنا داخل غيرنا ففقدناها أو حتى كنا أسرى أنفسنا المغلقة.. فصيرنا مصابين بحالة من الخوف والعجز والكآبة فوق طاقة تحملنا قد تدفعنا أن نتأمل ونتوقف لنرى ماذا فعلت بنا الأيام ونحن نسارع الخطى ونستبق الخطوات لنتجاوز الأيام فنتجاوز معها أعمارنا وعندها نكتشف أن كل هذا لم يكن يستحق وقد تمتلكنا السخرية على حجم معاناتنا لأمور واهية فقدنا فيها أنفسنا شيئا فشيئا!

غريبة هذه الحياة لا نفهمها أو نشعر بقيمتها إلا فى نهاية الطريق بعدما أرهقتنا الخسائر فنتمسك بها أكثر وأكثر، ولكننا قد نستمر كما كنا حتى ولو أقسمنا أننا ولدنا من جديد محاولين مستيقظين بقيود جديدة وكأننا خلقنا لأن نكون ضد أنفسنا.. نخلع رداء قيد لنرتدى غيره ربما لخوف من خوض الحياة وحدنا أو لأننا اعتدنا الاختباء وراء ضعفنا.. وننسى أنه لزاما علينا أن نخوض تجاربنا التى لابد أن يأتى يوما نغيرها ليصبح كل قيد نخلعه تجربة جديدة فى سلسلة حياتنا، لكننا لا نصل لهذه الحقيقة إلا فى نهاية أعمارنا بعدما تتعادل لدينا النتائج بين المكسب والخسارة.

فتتولد لدينا رغبة قوية للتخلص من حالة السأم التى شوهت أنفسنا ومزقت أرواحنا.. فيقول كل منا لنفسه.. لقد أحال القيد بينى وبين الحياة والآن بينى وبين الموت.. كم أحتاح أن أتحرر من قيودى حتى تصعد روحى منطلقة بسلام إلى السماء.. كم أشقيتها وقسوت عليها فحرمتها من الحرية.. فأصبحت لست بحى أنعم بسر الحياة ولست بميت يغيب عنه تأنيب الضمير.. سئمت الكوابيس التى جعلتنى أختنق وربما أغرق.. حتى يداى مغلولة لم تستطع أن تنتزع روحى لتريحها عسى أن تجد في الموت راحتها.. ماذا حل بى هل هانت على الحياة؟!.. هل تصالحت مع فكرة الموت؟! أم أنها سكرات الموت التى تجعل الحياة أغلى من استقباله!!..  وتخاطب نفسك قائلا لم يعد للانتظار معنى.. حانت اللحظة لتحلق متحررا من كل قيد فرضته على نفسك بحجج قدرية زائفة هربت بها وتخاذلت من مسؤولية نفسك الكريمة.. أو حتى فرضها عليك آخرون!! وتنسى انك انت الذى ذهبت إليهم بإرادتك أو حتى بإرادة مسلوبة جعلت منها قيدا عليك!! تسير مع السائرين وتتوقف وحدك لأنهم لم يعودوا يعبأوا بك.. فمتى نظرت حولك وجدتهم رحلوا ولم يعد أحد يكترث بك.. توقف عن اللوم وعن العتاب فهى قيود تحاول أن تفرضها على غيرك تستحلفهم بها أن يتوقفوا لأجلك وتنسى أن الكل يسير وحده فى هذه الحياة ونحن من نتوهم أن أيدينا فى أيدى بعضنا البعض!! وأننا نعيش ونموت من أجل بعضنا البعض!! إن عشت من أجل غيرك فلن يموت أحد من أجلك.. وما إن تستفيق وتبدأ بفك قيودك حتى تحاول أن تستعيد ما سلب من إرادتك وسر روحك.. لكن لا محالة فما سلب لن يعود فالماضى لن يعود.. وحقك الضائع أصبح ضائعا ومنذ متى ما فات يعود؟

ولم يعد هناك مبررا فى أن تتمسك بأشخاص وأشياء من أجلهم فقدت نفسك قطعة قطعة! وحينها تتوقف عن البحث عن قيود فيمن أحببتهم ومنحتهم فرصة لأن تكون مملوكا لديهم ولسان حالك أنت يا من أحببتك.. صنعت منك قيدا.. فكم جئت إليك لأجد ما لا أجده داخل نفسى.. سمحت لك أن تخدرنى فأصبحت لى القيد والغلل.. علقت بك سعادتى ومستقبلى وذاب وجودى فى وجودك.. أنا المخطئ وأنت البرىء لأنى نسيت أن أعلمك أن تحبنى أو تعلمنى أن أكرهك بعدما رحلت عنى.. لكن لا بأس فأنا لن أعلم حقيقتى وحجمى إلا عندما أسير وحدى.

كم أجلت صرخة ألم انتزاع القيود من معصمى.. لكنى الآن أرحب بها فهى ما تجعلنى هنيئا باختيارى وإجبارى على قرار واحد ينقذنى من الانهيار به أختار القوة بعدما استسلمت للضعف.. لأخلع رداء المشاعر والأحاسيس وأحتكم لعقلى وأثأر لنفسى بعدما خدعت وقبلت على نفسى أن أكون الأقبح أمامها لأكون الأجمل أمام من يستغلنى ونسيت أن أقترن بمن يستحقنى.. لكننى الآن أمتلك القوة الواجبة فى لحظة ثقة لأتخلص من قيد خداع كان فى لحظة حب واهمة.

 وتتجدد الحياة وتمنحك فرصة لأن تتمسك بما تبقى لك.. لأن تعانق نفسك وفكرك وروحك لتشعر بالدفء بعدما خلعت قيودك وأصبت بالبرودة والصقيع وتنسى أن شعورك هذا لم يكن إلا بسبب الدفأ المزيف من القيود!

لتحلق فى سماء كونك منطلقا ولسان حالك تحررت من قيودى ولم أعد أعبأ أن أكون فى نظركم حرا أم غريبا.. فأنا باحث عن حقيقتى التى ولدت بها.. وعن فطرتى السليمة.. كسرت قيودى الشكلية التى حبست روحى ونفسى داخل جسد ممزق وجعلتنى أهاب الضياع فى متاهات التغيير معتقدا أن كل ما أعرفه صحيحا وما لا أعرفه خطأ.. فقررت أن أسير وحيدا حتى ولو لم يسمعنى أو يرانى الآخرون.. يكفينى أن أشعر بالسعادة حتى ولو رأوها سرابا.. كففت عن إطلاق التساؤلات حتى البسيطة فقد تحتاج لإجابات معقدة تقيدنى.. تعلقت بأحلامى وشغفى.. مازالت أحارب وأجاهد خوفا من أصبح يائسا.. أردت كرامتى وتسلحت بمدافعى ودروعى ليفز قلبي بالحياة حتى ولوكان الوداع لى حياة أصبحت نفسي لنفسى لأرى النور الذى لا يراه المقيدون المثقلون.