كعادتى، كنت أجادل مسؤولا صديقا في جهاز ما، حول المكاسب الإسرائيلية الأخيرة من الحرب الروسية الأوكرانية، وكان هو من فريق أن تل أبيب ليست مستفيدة بشكل كبير، ومثلها مثل غيرها، وأنا من معسكر أن إسرائيل استفادت وتستفيد كثيرا، من هذه الحرب، وحجزت لنفسها مكانا ما في النظام العالمى الأجدد المرتقب.
إسرائيل، التى ترتكب انتهاكات لا إنسانية كالعادة في حق الفلسطينيين، وتقتل بلا هوادة، وتعتقل بلا مبرر، وتجوع وتعطش وتحاصر وتصادر وتنهب، وصل بها الحال إلى أن تجاوزت حدود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، التى دخلتها من البوابة اليهودية الصهيونية، إلى الهجوم على روسيا بل واتهامها بارتكاب المجازر في حق الأوكران، رغم الدفاع الروسي المعتمد على كون هذه الروايات والفيديوهات ملفقة على أيدى النازيين الجدد الأوكران.
لكن إسرائيل اختارت المعسكر الأمريكى الأوربي، لتصوت ضد روسيا لتعلق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان الأممى، وطالبت بالتحقيق في هذه المجازر المروجة.
هذه القوة الإسرائيلية التى جعلتها لا تتأرجح كما كانت في الفترة الأولى من الحرب، بين المعسكرين الروسي والأمريكي، حتى هاجمها الرئيس اليهودى الأوكراني زيلنسكى في عقر برلمانها، سببها الأكبر هو الدعم الروسي الكامل للبرنامج النووى الإيرانى، والانتهاء باتفاق لصالح الملالى، أو هكذا يبدو على الأقل حتى الآن، فالمتغيرات كثيرة وسريعة.
أغلب العرب اختاروا طريقهم، اختاروا الدعم النوعى لروسيا، في موقف مناهض بشكل ما للأمريكان، وهذا أيضا في الغالب بسبب إيران وأذرعتها، لكن من زاوية أخرى، حيث لا تظهر أمريكا مساندة حاسمة للسعوديين والإماراتيين في حربهم ضد الأذرع الإيرانية، لكنها أيضا لم تعلق بشكل حاسم على الهجوم الإيرانى على قواعد إسرائيل السرية في أربيل العراقية.
الوضع بالطبع في غاية التشابك، لكن معلوماتيًا إسرائيل تربحت كثيرا منه، فهى أثبتت من جديد إنها قبلة اليهود والصهاينة حول العالم، حتى إنها استقبلت أعداد كبيرة من الأوكران والروس اليهود وغير اليهود، بحجة مخاوف الحرب، وكل هؤلاء سيتحولون لمستوطنين في المستوطنات الكثيرة التى خصصت لها الحكومة الإسرائيلية ميزانيات كبيرة، ولم نسمع صوتا لأحد حول العالم، من كل القوى، بحجة الانشغال بالحرب، لكنهم في المقابل يثيرون جدلا كبيرا في الداخل الإسرائيلي حول تأثير ذلك على الهوية الحقيقية المزعومة للدولة العبرية اليهودية!
إسرائيل التى تلعب دور المناصر للضحية الأوكرانية ضد المحتل الروسي، حتى إنها أقامت مستشفى ميداني على الحدود الرومانية الأوكرانية، ولا تتوقف عن تقديم ما أسمته بالمساعدات الإنسانية للأوكران، هى نفسها كيان محتل وترتكب كل أنواع الجرائم اللإنسانية ضد الفلسطينيين والسوريين وحتى اللبنانيين والأردنيين، ولا أحد يستطيع قول ذلك في ازدواجية اعتيادية!
ومن ضمن المكاسب الإسرائيلية من الحرب الروسية الأوكرانية، هى التقاربات الغازية بين تل أبيب وأنقرة، حيث يقدم أردوغان للأوربيين الغاز الإسرائيلي على إنه أحد بدائل الغاز الروسي لأوربا، ولم تعلق روسيا على ذلك، كما لم تعلق أيضا على الاتفاقات الجزائرية الإيطالية في إطار زيادة نسب الغاز الجزائرى لأوربا، خاصة إن المواقف الجزائرية داعمة للغاية للروس.
والأكثر وضوحا بين المكاسب الإسرائيلية من الحرب الروسية الأوكرانية، هو الزيادة الكبيرة جدا في المبيعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لأوربا، وبالذات للدول القلقة من روسيا، حيث الصفقات العسكرية تتدفق على وزارة الدفاع الاسرائيلية من السويد وفنلندا وبولندا ورومانيا والتشيك وسلوفاكيا وسويسرا وغيرها.
وأخيرا، إسرائيل التى تدرك أكثر من أى أحد أن الأوضاع الدولية تغيرت، والقوة الأمريكية على المحك، حتى إن تجارب رفع يد أمريكا عن أصدقائها تكررت من العراق لأفغانستان وحتى أوكرانيا، تقلقها بكل تأكيد مع خصوصية التجربة الإسرائيلية بالطبع، لكنها تميل أكثر الآن إلى نوع من أنواع الاستقلال بمواقفها عن أمريكا، في عدة ملفات رغم الضغط الأمريكى، بالذات في القضايا الروسية والصينية، ولعل هذا المحور يحتاج وحده مقالا خاصا.
فهل من رأيكم، كنت مبالغا في رأيي عن المكاسب الإسرائيلية من هذه الحرب التى تغير العالم كله عن بكرة أبيه، حتى لو كان عنوانها استنزاف روسيا وأوربا لصالح أمريكا، ففي الغالب ستخرج منها روسيا منتصرة وأقوى من الاتحاد السوڤيتى القديم نفسه، والدعم الدولى المتعاظم يوميا للروس، مؤشر واضح على ذلك، وهذا يجعل الإسرائيليين يميلون للاستعداد لعالم متعدد الأقطاب، والخوف كل الخوف أنها نفسها تكون قطب ما من هذه الأقطاب، ولو ما فوق الإقليمى، لأنها بالفعل قطب إقليمي الآن.
الأمر متروك لكم....