الجمعة 26 ابريل 2024

حديث النفس.. نتزاحم!

مقالات21-4-2022 | 12:29

نزاحم غيرنا ونزاحم أنفسنا.. نتزاحم بالأفكار والأجساد والأماكن.. نزاحم الحمقى والمجانين.. نظن النصر والظفر ونكتشف أننا ما كنا غير واحد منهم.. نعشق المقارنات وأثواب الإهمال والوهم.. تزاحمنا مشاعرنا وذكرياتنا وهمساتنا وأحلامنا.. نخاف أن نهزم فيزاحمنا الدمع واليأس.. نحاول أن نتجرد من هزائمنا فنلقى باللوم على القدر.. نسير مزاحمين للوهم اللذيذ.. نبحث عن ركن الأمان وننسى إنه لا أمان وسط زحام، فلا أحد يمر غير مصاب.. ليصبح الجرح والألم شرط المرور!

فى رحلة لا إرادة فيها ولا رغبة منها سوى مرور محمود العواقب، يحاول فيها الجميع أن يمر وسط آخرين متدافعين مصابين بأقل الخسائر.. الكل فيها يمتلك الحيلة وأسلحة الحروب التى تمكنه من المسير.. الكل يدافع ويتدافع ليحمى نفسه ويصل لبر الأمان.. باحثين عن كل فرص المتعة والبهجة.. قد يدفعنا الخوف لأن ننسى أسماءنا وصفاتنا فى زحام يعنينا أو لا يعنينا.. نقحم إلى داخله لكى نمر وقد يقحم غيرنا حتى يمر ولوكان فوق أجسادنا.. لا يهم!

 لتوهن أنفسنا وتتوه! فكيف لنا أن نسمع صوتها وأنينها أو نرى النور والجمال أو حتى نهرب للسكينة والدفء والراحة؟!.. بعدما فرض علينا أن نستيقظ على زحام يعز معه النوم؟! ومن أين تقر أعيننا وتنام وسط الزحام؟

 ليصبح حقيقة نعتاد عليه تغيب معه أنفسنا فنعيش فى غربة، نريد فيها أن نضع أصابعنا فى آذاننا أو حتى نصم هربا من إزعاجه أو نتمنى أن يكون مجرد كابوس نستيقظ بعده على نهاية له.. لكن لا مفر.. فمازالت أجسادنا محشورة تئن من الضغط عليها وما تتمناه مجرد أحلام يقظة ترتاح معها ولسان حالها أكملوا زحامكم واتركونى.. تعبت من احتجازى وسطكم.. كل يوم أحاول أن أخرج لأرى النور فأجد نفسى مدفوعة للمرور بينكم عاجزة أو مشوهة.. أرجوكم اسمحوا لى ولو بعبور عشوائى فى رحلة ذهاب وإياب أعود بها لنفسى مرة أخرى.. فقد أجهدتنى الحيل وفشلت محاولات القفز لأتفاداكم وأنتم تتخيلون أنى أزاحمكم.. وتنسون أنكم تزاحمون حتى الموتى.. أريد أن أتنفس وأقتات ما يحييني!! ماذا عساى أن أفعل.. جاهدت وأسندت ظهرى للحائط.. أخشى سقوطى.. وكأن الحائط سندى ودعمى وملاذى وأمانى الذى استعين به عليكم.

ياالله!.. تتزاحمون.. تتقاتلون.. لا يسمع أحدكم الآخر حتى يأخذ ما يريد ويرحل غير عابئ ماذا أصاب غيره.. عند حائطى أراكم من زاوية بعيدة.. أشاهد كيف تتقاتلون.. أراكم تحسدوننى حتى على هذه الزاوية التى احتميت بها بعدما خشيت الموت وسط زحامكم.. لم أعد أريد سوى النجاة حتى ولو هزمت.. تعبت وأنهكت قواى.. أعترف أنى مهزومة لكننى للأسف لم أفقد شغفى.. مازلت متعلقة بالحياة، ذلك الحبل الذى يتدلى من أعالى الأمل والوهم المغلف بالطموح.. راغبة فى تحقيق أحلامى على الرغم أنى تاركة مكانى إلا أننى مازلت متعلقة بأمل يجعلنى استطيع معاودة المسير وسطكم أو أن يقضى أحدكم على الآخر وسط الزحام لأمر أنا.. وأترقب وأتساءل هل على الدخول للمعركة أم سيحالفنى الحظ وأنفذ بعد هزيمة أحدكم للآخر لتكون لعبة القدر الذى يحارب لصالح أناس غائبين ربما ظلموا وربما أتوا ليظلموا آخرين ليستقيم ميزان العدل الكونى.. لا أعلم لكننى مازلت أتمسك بقدر من الحياة.. أريد أن أحقق أحلامى قبل نهاية أجلى.. أتصالح مع نفسى وأظفر لها فقد هزمت فى معركة الزحام لأننى لا أجيد التدافع وضرب اللكمات الطائشة.

الكل متورط ومجبر على التزاحم بعدما تحول لحلبة صراع وأرض معركة حتى المشاهد لا يبعد أو ينفصل عن هذا المشهد.. لتجده مشجعا أحد الفريقين يشعر بالهزيمة والنصر حتى ولو لم يشارك.. فقد اكتفى باستشعار الفرحة أو الحزن من خلال مقاتلين آخرين يخوضون المعركة بالإنابة عنه فى عملية الإحلال والتجديد، يمنى نفسه بأنه ربما يحل محل أحد الساقطين أو يكتفى بالشماتة والتشفى.. والسؤال لماذا لا يدخل وسط الزحام ويقاتل؟ يا عزيزى هذا الزحام كامل العدد وأغلق الحلبة على نفسه.. وبالكاد تتحصل على مكان أو زاوية تستطيع المشاهدة منها وسط زحام مماثل لأرض المشاهدة.. ونتساءل أليس للمشاهد طائل أو غنيمة؟! أقول لك إن كدابين الزفة هم المرتزقة الذين يتكسبون من نتائج المعارك التى يرون فيها أبطالهم يحققون أحلامهم.. وقد يدفعك زحام المشاهدة فيقذف بك لتجد نفسك داخل حلبة الصراع دون أن تشعر.. لا غرابة فى ذلك فلا حياة بدون زحام قد يصل للتكالب!.. ليصبح لسان حالك اللعنة على تلك العشوائية التى تتلاعب بنا فنتدافع حتى نبقى على قيد الحياة، ليتملك الخوف منا فى صراع البقاء ويحتدم ليكون للأقوى.. باحثا لك عن مكان وسط الأقوياء الذين يعلنون عن وجودهم فيحصلون على كل المزايا والمكاسب مالكين أصحاب العضلات المفتولة الذين يفسحون لهم الطريق.. ويفرض عليك التقاتل بوقود الحلم والأمل وربما لقمة العيش حتى الفتات لا تحصل عليها بغير زحام!!.. والغريب أن الزحام حول لقمة العيش المسكينة أشرس وأعنف من تلك التى تكون حول الولائم والغنائم والطعام الدسم فالذين يتصارعون ويتقاتلون حولها جوعى يحركهم ضجيج بطونهم وعطش نفوسهم التى أضناها الشقاء والقلق من عذاب الأيام.. والسؤال لماذا يتصارع الكبار على الطعام الدسم؟! الحقيقة أن صراع الكبار يشبههم.. شرس فى باطنه ناعم فى ظاهره.. على الرغم أنهم لا يخجلون من مزاحمتهم لبعضهم البعض.. لكن تميزه الحيلة والمكر الذى يلعب الدور الأعظم والأكبر.. فبطونهم هادئة وعقولهم تعمل أفضل ولا تعانى أجسامهم من فقر الدم الذى يخرجهم عن شعورهم.

الكل يزاحم الكل ولا يعدم الوسيلة فى إزاحته عن طريقه.. وكأن الأرض ضاقت علينا بما رحبت.. من أراد أن يفر من طاحونة الزحام عليه أن يستسلم فتدوسه الأقدام.. وقد يستخدمه غيره جسرا ليمر من فوقه.. ولا يعبأ به أحد.. فلا سقطة يتبعها حزن.. الكل مشغول يحركه الخوف من السقوط.. والتزاحم لا يمنح لأحد فرصة للتباكى على أحد بل قد يكون عبرة لغيره.

 ولا يعلم أحد وجهة المسير.. وأين سيلقى به الزحام الذى يمتلك قوة الدفع.. فقد يقذف بك لمجهول غير محسوب العواقب.. وقد تحلق فوق النار وقد تسقط فيها.. لا يهم!! لم نختر الطريق فضراوة الزحام هى الحاكمة.. قد يدفعك لأن ترتكب هفوات وأخطاء تدفعك لأماكن خطأ.. وقد تكون محظوظا فيسمح لك أن تلملم شتاتك سريعا قبل أن تدوسك الأقدام لتقاد لمكان آخر وسط زحام آخر يلعب الحظ دورا فى طبيعته وقوة تحملك وقدراتك على الظفر على من حولك.

لكن لا شك أن وجودك داخل الزحام يجعلك تتألم وقد يبلغ الألم شدته فتفقد الأمان بعدما فقدت خصوصيتك، لكنك مجبر على الاستمرار مما يجعلك تتمسك بالحلم والهدف الذى قد يصل لأن يكون خديعة مما يدفعنا للتسلح بخطوات ثابتة تجعلنا نمر سالمين.. لكن السائر عرضة أن يضل الطريق أو أن ينتهى به الأمر لسراب.. أوقد يدفعنا لواقع نمحو فيه ثوب أوهامنا لنقترب من تحقيق السعادة التى قد تكون فى نفس الوقت وهما لذيذا!!

ولسنا أحرارًا فى الفرار أو حتى التحرك وسط الطرقات فجميعها مشغولة بزحامات أخرى.. الكل يجوب الشوارع والحارات والأزقة باحثا عن نفس ما تبحث عنه.. عن مفتاح لحلمه أو حتى حلمه الضائع.. نتوه وسط الزحام.. مقيدين غير أحرار فى الحركة أو الثبات حولنا أناس مثلنا تحركهم الحاجة التى تتراوح بين معتدلة وماسة مستعدين أن يفعلوا الكثير لإشباعها أو حتى مملوءين بزحام خفى لا يسمح لهم أن يغمض لهم جفن، فيدفعنا لتزاحم خارجنا فى هروب وربما رغبة فى الراحة بعدما أوشكنا على انهيار لم تعد أنفسنا تتحمله.. ونتساءل ما هذا الذى تحويه أنفسنا ويتآمر علينا؟! إنها المشاعر والأحاسيس المتناقضة والذكريات والهمسات والأحلام التى اتخذت ضدنا عهداً ألا نرتاح لنصبح عالقين وسط زحام لا يهدأ ولا ننتهى منه إلا بنهاية حياتنا لنسكن ونهدأ.. ويكمل آخرون مشواره بلا قوانين أو ضوابط.. ونسير ونسير يقطع كل منا أشواطا فى مشواره ليصل لنقطة يمر فيها وسط آخرين يظن إنه قارب على النهاية التى يرتاح فيها من الألم ويحصل على ركنا هادئا.. لكنه يكتشف أنها نقطة جديدة لزحام جديد بأناس جدد.

لتضيع أعمارنا فى زحامات عبثية عشوائية نلعنها، زيفت بالوهم اللذيذ لنتحمل مشقتها.

Dr.Randa
Dr.Radwa