الجمعة 19 ابريل 2024

ماذا يعنى التطرف الديني؟

مقالات28-4-2022 | 13:00

 تعتبر مهمة تحديد المصطلحات أول تحد يواجهه المفكرون ويتعرض له الباحثون فى مختلف دراساتهم وعلى تنوع واختلاف تخصصاتهم، وذلك لما تطرحه من إشكاليات تجعل من الصعب جدًا الاتفاق على تعريفات واضحة وشاملة وموحدة بين فرقاء المجتمع العلمى يمكن تعميمها على جميع الحقول المعرفية، ويعتبر مصطلح التطرف الدينى واحدا من هذه المصطلحات التى تعرف تعددا فى التعريفات المقدمة لها.

أ‌-التطرف الدينى لغة:

 التطرف لغة من الفعل تطرف بمعنى أتى الطرف، ويقال: تطرفت الشمس دنت إلى الغروب، ويقال تطرف فى كذا: جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط ، فالتطرف extremism فى اللغة العربية إذًا هو عكس الاعتدال والمعقولية.

ويعرف معجم اللغة العربية المعاصرة، فعل تطرف، يتطرف، تطرفا، فهو متطرف، ويقال أتى الطرف، أى منتهى الشيء... وتطرف فى إصدار أحكامه: أى جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط.

والتطرف: هو المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية، وهو أسلوب خطر مدمر للفرد أو الجماعة، وتبذل بعض الدول جهودا مضنية للقضاء على التطرف الارهابي.

وتطرفي؛ من أو ماهو بالغ حد التطرف فى آرائه "شخص تطرفى فى سلوكه"، والمتطرف: صاحب نزعة سياسية أو دينية تدعو إلى العنف ويشير الشيخ القرضاوى فى كتابه الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف أن التطرف لغة معناه" الوقوف فى الطرف بعيد عن الوسط، وأصله فى الحسيات كالتطرف فى الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم انتقل إلى المعنويات كالتطرف فى الدين أو الفكر، أو السلوك. ومن لوازم التطرف إنه أقرب إلى المهلكة والخطر وأبعد عن الحماية والأمان.

ب‌-     التطرف الدينى اصطلاځا:

 ما هو الدين؟ سؤال من أهم الأسئلة التى علق وكتب وتحدث عنها الكثير. لا يوجد تعريف واضح ودقيق للدين، فالجواب نسبى لأنه يعتمد على الفرد والوسط البيئي، والثقافة.. فحسب الدكتور John C. Lentz فإنه لا يمكن النظر إلى الدين فى فراغ، إنه جزء من شيء آخر، جزء من شيء أكبر، فهو مرتبط بالبيئة الثقافية والداخلية للفرد وبأخلاقياته وانتماءه الإثني.

بالنسبة لآراء الملايين من البشر فى العالم، فإن الدين هو جوهر وجودهم، وهو الموجه إلى الحقيقة حسب Clayton Crockett ، فى حين عرفه بعض الكتاب بأنه كل ما يستمد من وحى القوى الغيبية من نظم وتعاليم لتدبير شؤون الناس فى الدنيا والآخرة، وهو ينصرف إلى القواعد والأحكام التى ينزلها الله تعالی بوحى من عنده على الناس، وهى تنظم العبادات: أى علاقة المرء بربه، والأخلاقيات: أى علاقة المرء بنفسه، أو هو نظام من عقائد وأعمال متعلقة بشؤون مقدسة، أى مميزة محرمة تؤلف من كل من يعتنقونها أمة ذات وحدة معنوية.

أما التطرف فهو ظاهرة معقدة يعتبرها العديد من علماء النفس مرضًا وأسلوب حياة، ويقصد به أى أيديولوجية أو قانون سياسى يكون خارج مركز السياسية المتصورة للمجتمع، ويهدف إلى انتهاك المعايير الأخلاقية المشتركة.

فى حين أن التطرف الدينى هو الغلو والتقصير، وفى هذا يقول الإمام القرطبى فى تفسير قول الله عز وجل: ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، أى هذه الأمة لم تتم غلو النصارى فى أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود فى أنبيائهم.

كما يقصد به التمسك الشديد بالآراء والمعتقدات والأفكار الدينية، دون نقد أو تحليل أو منطق، وهذا التمسك مشحون انفعاليًا بالكره والحقد ومشاعر الرفض، ويعبر عنه من خلال التحفظ المتزمت بالرأى والعداء والنبذ، وقد يصل إلى حد القتل وبحسب ليبسيت Lipset وراب Raab التطرف هو الموقف الأحادى المعادى للتعددية. إنه قمع الاختلاف والانحراف وإغلاق سوق الأفكار وعد الفرق والازدواجية والفجوات أمورا غير شرعية...أما المتطرف فهو ذلك الذى يرفض التسويات التى تمكن من العيش المشترك، والذى يعلم أن رفضه هذا قد يؤدى إلى حرب أهلية.

غير أن تحديد من هو المتطرف قد يصطدم فى كثير من الأحيان باستخدام معايير غير موضوعية، وهذا ما أشار إليه السيناتور بارى جولدووتر الذى صنف متطرفا فى السياسة الأميركية فى ستينيات القرن الماضي، فقال فى مؤتمر الحزب الجمهورى يوليو 1964 إن التطرف فى الدفاع عن الحرية ليس رذيلة.. والاعتدال فى السعى للعدالة ليس فضيلة ورغم شيوع استخدام مصطلح التطرف إلا إنه يعتبر من المفاهيم التى من الصعب تحديدها أو إطلاق تعميمات بشأنها، وهو ما يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

 - يتمثل السبب الأول، فى نسبية المعنى اللغوى للتطرف واختلافه بين المجتمعات، فما يعد تطرفة فى مجتمع ما، قد لا يكون كذلك فى آخر، ويرجع ذلك إلى ارتهان التطرف بالمتغيرات السياسية والدينية والحضارية داخل كل مجتمع كذلك فإنه يرتبط بالعامل الزمني، حيث يتفاوت التطرف فى المجتمع نفسه من زمن لآخر.

- وينصرف السبب الثاني، إلى ارتباط ظاهرة التطرف بالكثير من العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع، بما يؤدى فى النهاية إلى اختلاف الاتجاهات بين العلماء فى وضع معايير تحدد ماهية التطرف.

-  ويتعلق السبب الثالث، بالخطأ الذى يقع فيه البعض باستخدام مفاهيم أخرى كمرادفات لمصطلح التطرف، مثل الإرهاب terrorisme والعنف violence والتعصب Fanaticism

ج- التطرف الدينى وبعض المفاهيم المشابهة:

 أدى الخلط فى توظيف واستخدام مصطلح التطرف الدينى كمرادف لبعض المصطلحات الأخرى نتيجة الارتباط الوثيق بينها إلى ضرورة تناول هذه الأخيرة، وذلك كما يلي:

 الغلو الديني:

 كلمة التطرف دخيلة على المصطلحات الشرعية، فلم ترد كلمة التطرف فى نصوص الشريعة الإسلامية، ولكن ورد لفظ يعبر عنها "الغلو فى الدين"، وقد عرفه ابن تيمية بأنه مجاوزة الحد بأن يزاد فى الشيء فى حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك. كما يعرف بأنه التصلب والتشدد فى الدين حتى مجاوزة الحد.

والغلو أخص من التطرف إذ أن التطرف هو مجاوزة الحد، والبعد عن التوسط والاعتدال إفراطا أو تفريطا، سلبا أو إيجابا، زيادة أو نقصا، سواء كان غلوا أم لا، إذ العبرة ببلوغ طرفى الأمر، وهو الغلو فى قول القائل:

لا تغل فى شيء من الأمر واقتصد كلا طرفى قصد الأمور ذميم فالغلو أخص من التطرف باعتباره مجاوزة الحد الطبيعى فى الزيادة والنقص.. والتطرف الانحياز إلى طرفى الأمر فيشمل الغلو لكن الغلو أخص منه فى الزيادة والمجاوزة، ليس فقط بمجرد البعد عن الوسط إلى الأطراف. وبمعنى آخر: كل غلو فهو تطرف، ولكن ليس كل تطرف غلو

التشدد:

 التشدد أحد صور الغلو والتطرف، أو السمة التى يمكن اكتشافها لمعرفة درجة الغلو أو التطرف لدى شخص ما. ويشير مفهوم التشدد من المنظور الدينى التشديد على النفس أن يكلفها من العبادة فوق طاقتها. وهو أخص من الغلو. لأنه يتعلق بالعبادة العملية، بخلاف الغلو، فإنه يتعلق بالعبادات والعقائد. كما أن المتشدد نفسه قد لا يتعدى ما حده الله كما فى الغلو، وعلى ذلك فإن معنى التشدد الدينى هو ما يرتبط بممارسات الفرد فى عباداته العملية، ويحرم نفسه من أمور أباحها الشرع، لكنه اتبع ما لم يتفق عليه بالإجماع فمارسه، وفى ضوء ما سبق يمكن فهم التشدد بأنه سلوك تعبدى يميل فيه المتشدد للأخذ بالأصعب أو الأحوط فى ممارساته التعبدية. وهو بهذا لا يبيح لنفسه أخذ ما يتفق عليه بالإجماع. وكأنه بهذا المعنى يرى فى ممارساته زيادة وزهدًا عما يمارسه غیره. إلا إنه فى نظرته لمن يخالف لا يصل لما يصل إليه المغالى أو المتطرف.

التعصب الديني:

 حالة من التزمت والغلو فى الحماس والتمسك الضيق الأفق بعقيدة أو فكرة دينية، مما يؤدى إلى الاستخفاف بآراء ومعتقدات الآخرين، ومحاربتها والصراع ضدها وضد الذين يحملونها، فى حالة مرضية على المستوى الفردى والجماعى تدفع إلى سلوكيات تتصف بالرعونة والتطرف والبعد عن العقل والاستهانة بالآخرين ومعتقداتهم، وكثيرا ما يؤدى التعصب الدينى إلى شق وحدة الأمة وإنكار الحقوق الاجتماعية والسياسية للفئات الأخرى، وهدم البنية الاجتماعية... وقد اتجهت جميع التيارات التحررية فى العصر الحديث إلى إدانة التعصب الدينى ومحاربته

 الراديكالية:

فلسفة سياسية تؤكد الحاجة للبحث عن مظاهر الجور والظلم فى المجتمع واجتثاثها ومصدر كلمة الراديكالية، ينبع من الكلمة اللاتينية Radis، وتعنى الجذر أو الأصل. فالراديكاليون يبحثون عما يعتبرونه جذور الأخطاء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى المجتمع ويطالبون بالتغييرات الفورية لإزالتها.

الإرهاب:

من الصعب جدا تحديد تعريف دقيق لمصطلح الإرهاب فى زمن اختلطت فيه المفاهيم بعد أن صارت أداة فى أيدى المتحكمين فيها، يصوغونها وفق مصالحهم وتصوراتهم وينشرونها عبر شبكاتهم وأدواتهم من أجل تكوين رأى مساند ومدعم لسياساتهم، لدرجة أصبح فيها عامة الناس بل من خاصتهم من لا يفرق بين المقاومة وبين الإرهاب، بين الإرهاب المرفوض الذى يهدف إلى قتل النفس التى حرم الله، وإزهاق أرواح الأبرياء ونشر الخوف والذعر بين الناس، وبين الإرهاب المفروض الذى عناه الحق جل وعلا فى كتابه العزيز حينما قال: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال: 60.

ولم يقتصر لفظ الإرهاب باشتقاقاته المختلفة على هذه الآية فحسب بل ورد فى عدة آيات من القرآن الكريم والقصد منها فى عمومها هو الخوف والرهبة. أما فى الفكر الغربى فإن مصطلح الإرهاب terrorisme ظهر سنة 1798 فى ملحق الأكاديمية الفرنسية لوصف حكومة الثورة الفرنسية التى كانت ترهب الشعب باسم الحرية والثورة، فكان الإرهاب وصفا لنظام حكم، ومع نهاية القرن الثامن عشر أصبح المصطلح يتعلق بالعنف أو التهديد الصادر عن بعض الأفراد أو الجماعات المنظمة الخارجة عن القانون، والتى تهدف إلى خلق جو من الرعب والخوف والذعر والفزع بين الناس.

 وعموما فإن مفهوم التطرف الدينى يحمل فى معانيه الغلو والتشدد والتنطع والتزمت والتصلب وغير ذلك من الألفاظ المنبوذة التى تعبر عن تجاوز حد الاعتدال والخروج عن المنهج الوسطى الذى دعت إليه شريعة الاسلام فى قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة: 143.