حماية الإسلام للمكونات البيئية - الأرض
جاءت كلمة الأرض في القرآن الكريم والسنة النبوية لمعاني كثيرة منها:
- الكوكب الذي نحيا عليه، قال تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ"، وقال الله عز وجل : "أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً".
وبمعنى التراب "لا ذلول تثير الأرض"، وبمعنى الممهدة "الذي جعل لكم الأرض فراشًا"، وما يتصل بموضوعنا لفظ الأرض بمعنى "التربة" أي : الطبقة العلوية والسطحية من القشرة الأرضية التي جعل الله عز وجل تفتت الصخور المكونة لها وعوامل القوية من أمطار ورياح ، وعوامل أخرى مثل التغير في درجات الحرارة ، وغير ذلك أسبابًا لحدوثها .
والتربة من العناصر الأساسية اللازمة لكي تؤدي النظم الحيوية الأرضية ووظائفها، فالتربة مصدر أساسي للموارد الضرورية للنباتات، الكائنات العضوية الأرضية وغير ذلك، قال الله سبحانه: "فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض"، " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" .
وعلم مما سلف أن القشرة الخارجية لسطح الأرض يطلق عليها اسم التربة وهي التي فيها النبات وتمتد جذوره .
حماية التربة من التلوث
لتلوث التربة أسباب عديدة تعود إلى تراكم النفايات الصلب، والفضلات المعيشية الآدمية، واستعمال المواد الكيميائية؛ كالأسمدة والمبيدات الحشرية وعوادم أسلحة الحروب الفتاكة، وغير ذلك .
وقد أوجبت الشريعة الإسلامية تجنب تلوث التربة قدر الإمكان وردت نصوص شرعية وقواعد فقهية يمكن استنباط الأحكام الشرعية
فمن ذلك :
1- من القرآن الكريم: قوله تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ".
وجه الدلالة: بيّن المفسرون أن من صور الفساد في الأرض قطع الأشجار وتغوير الأنهار لما يسبب من إزهاق الأرواح، وتلويث التربة يؤدي إلى نفس العاقبة، فكان فعله حراما، وتجنبه واجبا .
قوله سبحانه: "اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض".
وجه الدلالة: أن ما يخرج من الأرض من أرزاقهم، والنعم تقابل بالشكر، ومن أهم صوره المحافظة عليه حاضرا ومستقبلا .
من السنة النبوية : خبر (لا ضرر ولا ضرار)، ووجه الدلالة أن تلويث التربة ضرر بالنفس وإضرار بالغير فيتجنب.
من القواعد الفقهية: جملة قواعد فقهية أهمها :
الضرر يزال بدفع الضرر العام بتحميل الضرر الخاص .
من دليل المعقول: أن حماية التربة من أجل إنتاج زراعي خال من أسباب الإهلاك والإضعاف للإنسان والحيوان والطير من المصالح التحسينية، ففي جانب المعاملات يسوغ لولاة الأمور سن عقوبات تعزيرية لملوثي التربة، وكذلك مكملات المصالح التحسينية التي تندب إلى اختيار أفضل السبل وأقومها للحفاظ على التربة .
ومن الممكن أن تكون حماية التربة من المصالح الضرورية، إذا أدى الإخلال بالتربة تلويثا وإهلاكا إلى إلحاق الأذى بالزرع والضرع، لأن المصالح الضرورية يتوقف على وجودها نظام الحياة ، ويترتب على فقده اختلال نظام الحياة .
مقاومة التصحر (إحياء الموات)
جاءت الشريعة الإسلامية بكل خير لما فيه خير الناس وصلاح أحوالهم وتحقيق منفعتهم، ومن صور ذلك إحياء الأرض الموات أو ما يعرف باستصلاح الأراضي الذي جابه التصحر .
واتفق الفقهاء علي أن الأرض الميتة يجوز إحياؤها، والأصل فيه:
- أخبار صحيحة منها: من أحيا أرضاً ميتة فهي له"، من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها".
وقد فصل الفقهاء في مصنفاتهم كيفية الإحياء، وإذن الدولة بالإحياء، وسببه للملك، وأثره في تقييد ملكية الجوار، ومدة الإحياء وغير ذلك من الأحكام الفقهية .
ومما يتصل هذا الأمر دعوة الإسلام إلي الزراعة التي وردت في القرآن الكريم كدليل علي وحدانية الله تعالي وقدرته، وأنها من أعظم النعم ومن مظاهر جمال هذا الكون، ودعت السنة النبوية إلي العناية بها، ومن ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"، وقوله: "إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
هذا بجانب مظاهر الجمال والبهاء والنضرة في النباتات الذي يعجب خبراء الزراعة خاصة والناظرين عامة، قال الله تعالي: "وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضراً تخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلي ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون "، وجانب أن الزراعة التي تذخر بها الأرض نعمة عظمى ومنة كبرى لا غني للإنسان أو الحيوان عنها، إذ عليها قوام الحياة وبها تزدهر ومن خيرها تكون التنمية الشاملة.
يقول الله، عز وجل: " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)، سورة عبس.
وهكذا فالإسلام بأصوله وقواعده ومقاصده يجابه التصحر، ويدعو إلى استصلاح الأراضي، ويرغب في الزراعة، ويحافظ علي الرقعة الزراعية، وكل هذا بدوره يحمي البيئة لما في الزراعة من آثار بيئية طيبة لا تخفى على أحد .