الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

حديث النفس .. دمى!

  • 5-5-2022 | 18:13
طباعة

دمى وقطع سيف الغفلة أماننا.. بعدما أصبحنا دمى لنصوص أمليت علينا.. غرقنا ولا نعرف أي عمق نهوى إليه!.. نُصارع الموت ولا نعرف أي مجهول ينتظرنا! دمرتنا الحروب والأهوال والكوارث.. استأنسنا الموت وتآلفنا مع رائحة ترابه.. أصيبت أرواحنا بندوب وجروح لا تنتهى ولا تختفى.. الكل في حفل تنكري تحييه رقصة الموت على أوتار حزينة.. مسرحه عروش خاوية من أصحابها.. لحرب قاسية مصرة على البقاء وقودها الضحايا والمستضعفين.. الكل يحاول الفرار والهروب لكن أبوابه موصدة محكمة أقفالها.. عليها أصحاب شداد غلاظ يرفعون أيديهم ملوحين بعلامة نصر مزعوم لنص ممسوخ!!

على ما يبدو أننا أصبحنا لا نحيا إلا بإزاحة بعضنا لبعض.. فلا يرغب الكبير في وجود من أسماه صغيرًا بجواره أو حتى بأسفله.. لتجتاح العالم كوارث بيد بشر عامدين، تحركهم رغبات الهيمنة والسيطرة.. فينطفئ نور العالم فجأة ليحيا الجميع ظلمة سلاسل المصائب المدبرة.. الكل في حلبة صراع يقاتل فيها الكبير الصغير، وداخل هذه الحلبة مجموعات أخرى من الحلبات الصغيرة من صنع نفس الكبير ليقضى كل على الآخر.. لكن المثير للدهشة هو عدم التكافؤ، فجميع حلبات الصراع بين ملاكمين ومصارعين لا توازن بينهم في القدرات الجسدية أو حتى تعترف بضوابط أو قوانين اللعبة.. ولا توجد فترات للراحة علَّ اللاعبين يلتقطون أنفاسهم.. لعبة حرة من محترفي الشر قرروا أن يتخلصوا مما تبقى من العالم بعد أزمة كورونا التي تشير أصابع الاتهام القوية إلى تخليق هذا الفيروس للقضاء على مقدرات الشعوب.

فأصبح الكل متورطا في الصراع.. يتلقى ويُسدد في نفس الوقت ضربات قاضية وليست واحدة كما هو معتاد في سنن اللعبة.. فعدم الرحمة عنوانها، فلا أحد يستطيع أن يصد هذه الضربات، فوراءها قوى لا تتخفى تدعم الخصوم لإشباع رغبات سادية لاستمرار المعركة فى شراسة ودموية.. ولا أحد يستطيع الفرار ولا الهرولة خارج حلبة الصراع، فهي محكمة بصلابة شديدة، فالهدف استدامة المعركة وتحقيق الفوز مهما كانت الخسائر في الأرواح!

وأصبح الجميع يتابع الصراع الدموي المباشر، ويشعر بقسوة الحياة التي يعيش فيها سواء المتصارعين المباشرين أو حتى منْ هم في حلقات أخرى، كلٌّ حسب قدراته ونوع الصراع الذى أعد له خصيصا، فعلى قدر المغانم تدور رحي الحرب!

وتملأ الحسرة النفوس ونؤكد لأنفسنا أن وجه الحياة يتبدل.. لكن المعضلة أن ملامحه لم تسفر عن شيء سوى القسوة والخوف مما هو قادم؛ ليصبح الكل تائها مضطربا.. سقط العديد والعديد.. بشر ومدن ولا يزال ينتظر سقوط الكثير.. أصبحنا في ذروة المشهد المأساوي.. ضجيج المعارك والأزمات يعلو ويعلو معه أنين الشعوب في قصص إنسانية تتكرر كل يوم عبر شاشات التلفاز.. بدأنا نستأنسها، وهنا الأزمة فقد تعوّدت أنفسنا على رؤية الظلم.. على الرغم أننا رافضون لكل أشكال العنف والتدمير.. لكن قلة الحيلة تجعلك مقيدا كسير النفس مستسلما على الرغم أنك تستنكره.. فتشيخ القلوب وتهرم قبل أوانها؛ لنحمل بين أضلعنا قلبا عجوزا لنفوس أرهقها الألم بعدما سقط العالم في حفرة عميقة يصارع الموت فيها، فانحشرت أنفاسه وحلت حشرجة الموت فلا يهتم أحد سوى بأمره وحده بعدما تملكته حلاوة الروح التي أصبحت في منطقة وسطى بين الموت والتشبث بالحياة.

وعلى الرغم أن معاناة الشعوب لم تكن بعيدة عن أي عصر من العصور.. فدارت حروب عالمية، وانقسم العالم لأحلاف، وامتلأت حياة الناس بالأحداث الدموية.. إلا أن الأمر استقر بعد الحرب العالمية الثانية في سيناريو الحرب الباردة بين قطبي العالم الأمريكان والسوفيت، وانشغل الآخرون في حركات تحرر واستقلال وإعادة بناء.. فكانت الصراعات بمثابة بؤر متباعدة لا تؤثر على مفاصل العالم.. يمكن أن نسميها مناوشات ارتفع مداها في الشرق الأوسط في صراعات للمصالح، فيزرع كل قطب للآخر فخاخا لإنهاك قواه في وجود وكلاء يخوضون المعارك بالإنابة عنه وفرصة في نفس الوقت لبيع السلاح.. لكن العالم الآن كله يواجه مطامعهم!!.

لتتبدل فجأة البديهيات وتنهدم ونحيا حياة من التناقض والخسائر لا نعلم من أين تأتى إلينا بعدما كان العالم في غفلة من أمره في مواجهة خطط أبالسة تنعم وتلذذ بذهاب الجميع للجحيم؛ لندفع مجبرين إلى طرق وعرة تحتار معها كل كتالوجات المواجهة والتأقلم، وتضطرب سيناريوهات الأمل واليأس لتتآمر الأحداث على شيء واحد تنهدم معه كل الصور المستقبلية، ومعها تفقد القدرة على التخطيط ليمتلك جانب واحد مقدرات هذه الصورة في معادلة مستحيلة.. ولا أعلم كيف يعيش حياته وحده دون آخرين في وقت خلق الله الحياة لجميع البشر؛ ليفرض هو شروطه وحده عليهم.

 ألهذه الدرجة صارت حياتنا عبثية يتحكم فيها الأقوياء لنصبح فريسة لهم سهلة المنال.. في واقع شديد السواد تحتار معه كل ألوان التعايش والتآلف تحارب فيه فطرة الإنسان في الاستقرار والسلام.. بعدما دمروا العديد من الشعوب على مدار أكثر من عقد من الزمن تحت دعاوى زائفة للديمقراطية وحقوق الإنسان!

أصم ضجيج العولمة آذاننا.. خدعت أبصارنا ببراءة وجهها التقنى البرىء.. فأصبحنا دمى في أيدي غيرنا في القرية الكونية الصغيرة! فخيوط اللعبة لا نملكها والأسلحة في أيدي أعداء لنا يتلذذون بالألم.. ولا تشفع معهم صرخات أطفال أو نساء، جمعتهم حفلات الدمار الشامل التي اجتاحت كل جميل في مشهد الكل يقارن فيه ويتباهى بحجم خسائر ودمار خصمه!

تملكت الحيرة الجميع وأصبح مهددا حتى داخل بيته.. لا يطلب غير العبور الآمن.. ينتظر كلمة فاصلة تخرجه من هذه المأساة.. ليخرجوا من أشعلوها مؤكدين أنها مستمرة لوقت غير معلوم ليتسابق الجميع نحو الهاوية!

ووسط هذا المشهد يحاول الجميع أن يفك طلاسمه في محاولات بائسة للتحليل والتوقع.. لكن يفاجئنا شدة تعقيده، فتصبح كل التصورات عاجزة عن إيجاد توقعات تفيد بمحاولات للعلاج أو أخرى لتفادى الآثار الناجمة عن الصراع العالمي.. وكأننا استيقظنا فجأة على قواعد جديدة مخالفة تطالب الجميع بعقول جديدة ومنطق جديد أو أشخاص مسلوبة العقول حتى تتحمل ما تلاقيه.. لتسفر عن حقيقة صادمة أن الأمر لم يعد بأيدينا مهما بلغنا من الذكاء والبراعة.. سحب البساط من تحت أرجلنا بحجة العولمة فانخرطنا دون تفكير واستعدادات كافية، وما كنا غير مقلدين منقادين لا نمتلك أمرنا.. وما يتم مجرد محاولات لأمر جلل فوق قدرات الجميع.. مجرد ترقيع لثوب مهلهل فلا زال نزيف الخسائر والكوارث مستمرا وغرق الجميع ولا يعلم إلى أي عمق ذاهب إليه.

تاهت الحقائق وأصبح الارتباك والفوضى يعم المشهد العالمي.. الكل يعاني ويتمنى نهاية لهذه البداية المفاجئة.. لكن ما الجديد فكل الكوارث عنوانها المفاجأة وطبعها التدهور السريع.. تأتى إلينا فتفقدنا توازننا فنحاول أن نتجاوزها ونعيد التوازن مرة أخرى بأقل الخسائر.. محاولين رأب الصدع لنواصل التعايش في مكابدة لأهوال الحياة.. لكننا لسنا سواء، كلٌّ حسب قدراته على المواجهة والتحمل.. فمنا من يستطيع وآخر من ينهار.. لتفرض علينا مشقة الحياة أن نواجهها بحيل مختلفة حتى ولو من صنع أوهامنا.. ولا تتعجب ففي وسط هذه الأزمات الطاحنة نحاول أن نتعايش وأن نسعد بأعيادنا لكن تبقى في القلب غصة.. في حياة نطارد فيها أنفسنا ونطارد غيرنا ويطاردنا الحاضر بقسوته والماضي بحنيننا إليه.. في واقع ننكر فيه هذا التقاتل والتطاحن العبثي الذى لا يعبأ بآلام البشر!!.

 وأصبح الكل في ترقب وخوف من مجهول لا يعلم مداه، ولكن رحلة التغيير حادثة لا محالة.. فسنة الحياة أنها لا تعود بعد انتهاء الأزمات لنفس ما كانت عليه قبلها.. فمع الأزمات يتغير شكل الحياة ونتغير معها أيضا.. فالمؤكد أن وجه العالم يتغير ويطحن معه ملايين البشر الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا تابعين مجبرين لقوى تتحكم في مقدرات حيواتهم.. وعلى ما يبدو أن شكل الحياة سيزداد قسوة.. فالنظام العالمي يُعاد تشكيله على الرغم أن العلاقات التي تجمع أركانه مجرد علاقات شكلية تزداد حدتها، ومعها يعاد تشكيل حياتنا من جديد ولا أحد يعلم حدود هذا التغيير، لكنه يتجه لمزيد من التطرف والعصبية.. فالتغيير دراماتيكي سريع الوتيرة.. مع ترجيح لمزيد من حركات التطرف التي خرجت من رحم الكوارث والحروب على مر العصور.. سنخرج جميعا من هذه الأحداث أناسا جددا لا نشبه سابقينا.. وكلما طال أمد الأحداث الدامية تزداد معه قسوة المتوقع.

وكلما خيم الخوف والرهبة على نفوسنا يحدونا الأمل وطلب العون لينقذنا مما نحن فيه.. لكن بعدما اجتاحت العالم الأطماع وفقد ضميره الإنساني واستهوته رقصة الموت على جثث الأبرياء، وأصبحنا جميعا عالقين في رحى حروب تطوى أرواحنا طيا.. تنحبس فيها أنفاسنا وتدفعنا نحو مصير مجهول إما البقاء أو الفناء.. فلا مفر إذن أن يكون كل إنسان وكل شعب وكل دولة صانعة أملها بأيديها.. فلن يهديك أحد أملا أو حلا.. كفانا غفلة!

أخبار الساعة

الاكثر قراءة