الأربعاء 15 مايو 2024

بالفهم نتجاوز الأزمات

مقالات8-5-2022 | 13:57

تتفاقم التداعيات الاجتماعية للصراع على الهيمنة الدائر على الأراضي الأوكرانية بين روسيا من ناحية والغرب من ناحية أخرى حيث بدت الحياة في أوروبا تمتلئ أكثر بالشكوك حول استمرار مظاهر الرفاهية التي استطاعت الوصول إليها عقب سنوات من الحربين العالميتين وسط قلق واستياء شعبي من خطورة ومدعاة التورط في الصراع الأمريكي بالوكالة مع روسيا.

وتعود بنا أجواء هذه الأيام إلى ما عاشته أوروبا من تداعيات اجتماعية خلال تلك الفترة حيث التشابه بين  طول الصراع الآلي ونقص الغذاء المتزايد على الجبهة الداخلية بالإضافة إلى توتر العلاقات بين الأفراد وبين الفئات الاجتماعية الذي نتج عن فقدان ملايين لوظائفهم وبالتالي دخولهم التي تمكنهم من الحياة ففي تلك الفترة حدثت موجة من الاحتجاجات من أجل توزيع أكثر عدالة في جميع أنحاء العالم ، وخاصة في المدن وتعالت الأصوات للاعتراف بالتضحيات التي قدمها المدنيون في الحرب، في العديد من البلدان ، حتى المنتصرة منها.

وتتكرر المشاهد ذاتها اليوم في أوروبا وإن كان الإعلام الغربي يخفي ذلك أو يتجاهله فطول الحرب أضعف التأييد العام لكثير من الأنظمة الغربية ومنها أخيرا حزب رئيس الوزراء البريطاني الذي مني بهزيمة كاسحة في الانتخابات المحلية الأخيرة وهو نوع من احتجاجات تختلف عن نظيرها في الشوارع ولكنه يعكس السمات المتشابهة للصراع الاجتماعي أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة في مواقع مختلفة حيث بدأت العائلات العادية على الجبهة الداخلية تعاني بشكل متزايد من ندرة السلع العامة خاصة مع زيادة التضخم وانخفاض مستويات المعيشة حيث أدت الظروف المادية المتدهورة إلى زيادة حدة الانقسامات الاجتماعية القديمة وخلق انقسامات جديدة.

وعرفت أوروبا طوابير الطعام في شتاء عام 1917 و 1918 وتضرر أفراد الطبقة الوسطى والموظفون ذوو الدخل الثابت بشكل خاص من الظروف الاقتصادية المتغيرة وتحولت الطوابير الطويلة للحصول على الطعام بسهولة إلى أعمال شغب في كل دولة محاربة خلال الحرب العالمية الأولى وحتى في الدول المحايدة حتى نيويورك وملبورن ولشبونة استجابة لارتفاع أسعار المواد الغذائية في عام 1917و شهدت اليابان في صيف عام 1918 العديد من أعمال الشغب بسبب الأرز ، وهي سلسلة من المظاهرات الجماهيرية التي لم يسبق لها مثيل في البلاد. وشملت الحوادث الاعتصامات غير العنيفة ، والهجمات على سماسرة الحبوب والتجار ، وإجبار تجار التجزئة على البيع بسعر عادل .

من هنا تطرح الأزمة العالمية الحالية واستدعاء اضطرابات الحرب العالمية الأولى تساؤل عن الافتراضات الراسخة حول تطور الصراع الاجتماعي في العصر الحديث حيث تنبئ رسائل الإجهاد من الحرب ، والاستياء المتزايد من حرب بلا نهاية متصورة كالصراع الحالي بين الغرب وروسيا  باختلالات هيكلية اقتصادية واجتماعية لاشك ستغير شكل وطبيعة أوروبا حيث أصبحت "المساعدة الذاتية" شعارًا في نهاية الحرب العالمية وهو ما يتكرر الآن في الدعوات إلى الاكتفاء الذاتي وبدء موجة جديدة من الاستغناء عن التعاون الإقليمي والقاري وهو ما يظهر في رغبة الأوروبيين في الاستغناء عن روسيا كمصدر رخيص وآمن لتوفير الطاقة .

إن العالم يستعد لدفع ثمن باهظ للصراع على قيادة العالم بين روسيا والغرب وليس من المنتظر أمام الحشد الضخم للغرب لدعم أوكرانيا بالسلاح في محاولة لاستنزاف الروس الذين من جانبهم يخوضون معركة بقاء لا مجرد نصرة لشعبهم في دونباسك كما هو معلن ويفرض علينا هذا الصراع أن نعيد ترتيب أولوياتنا المجتمعية كشعوب وأن نتحرك في مسار حذر يخلو من محاولات البعض التربح من الأزمة فالجميع خاسر إن لم ننتبه وما حففناه من مكاسب في الفترة الماضية عرضة للضياع لو تجاهلنا وبسرعة ضرورة التعامل بمنظور جديد للتداعيات الاقتصادية المترتبة على الأزمة العالمية ومن هنا كانت الدولة أسرع استجابة باتخاذ كافة التدابير التي من شأنها الخروج بأقل الخسائر من الأزمة كما جرى في أزمة كورونا التي استطعنا خلالها تحقيق نمو اقتصادي عجز عن تحقيقه اقتصادات كبرى وهنا ليس هناك مجال عن الحديث عن غلاء أسعار أو غياب سلع مستوردة ليس في هذا الوقت مكان للحديث عن رفاهية فنحن مقبلون علي اقتصاد أزمة يجب أن نكون كمواطنين مستعدين لفهم متطلباته حتى نخرج من هذا المأزق العالمي الكبير الذي لا يعلم أحد سوى الله إلى أين يمضي فليحفظ الله مصر وشعبها.

Dr.Radwa
Egypt Air