الإثنين 29 ابريل 2024

العصاميان


أبوالحسن الجمال

مقالات12-5-2022 | 13:12

أبو الحسن الجمال

أحسنت مجلة الهلال صنعاً بأن خصصت هذا العدد عن العصاميين الذين تحدوا الصعاب ومن هؤلاء: د.جمال الدين الشيال، والذي عرف عنه الموسوعية والدقة والنزاهة والحيادية في حكمه على أحداث التاريخ، وهو من ألمع المؤرخين الأكاديميين في مصر، ومثالٌ للرجل العصامِيّ، الذي لم يستسلمْ للظروف التي تعرَّض لها، وجعلته لا يُكمِل تعليمه. فعمل بمصلحة البريد، وأثناء عمله بهذه المهنة التي لم ترضِ طموحه، انتسب إلى كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وحاز أعلى الدرجات، ولم يكنْ يتوقع أن يصل فيها إلى أعلى المناصب - وهو طالب منتسب - ليتولى منصب العمادة في كلية الآداب بالإسكندرية -فيما بعد- إنه مثالٌ رفيع للعالِم العصامي الذي نحت في الصخر، وقد تنوَّع إنتاجه بين التأليف والتحقيق، وكتابة المقالات في الدوريات والمجلات والصحف، والأحاديث الإذاعية التي كان يلقيها في إذاعة الإسكندرية. 

 

   ويعد الشيَّال من المؤسسين لمدرسة جامعة الإسكندرية التاريخية التي تخرَّج فيها الرموز الرُّواد، الذين وصل شعاعهم إلى كلِّ الجامعات العربية والعالمية، وقد شكلت هذه المدرسة علامة بارزة فى تاريخ حياتنا الثقافية المعاصرة منذ أن أنشئت جامعة فاروق الأول (الإسكندرية) سنة 1942، بل قبل هذا التاريخ عندما أنشئت كلية الآداب بالإسكندرية وكانت تتبع جامعة فؤاد الأول (القاهرة) سنة 1938، واهتمت بدراسة تاريخ المغرب الإسلامي والأندلس، وقد أسس هذه المدرسة الأستاذ عبدالحميد بك العبادي الذي تخرج في مدرسة المعلمين سنة 1914، وشارك مع نفر من زملائه فى تأسيس "لجنة التأليف والترجمة والنشر" التي أثرت المكتبة العربية بالكتب المؤلفة والمترجمة والمحققة، كما شارك العبادي نفسه في حركة الترجمة والتأليف والنشر؛ فألف كتابه المؤسس "مجمل تاريخ الأندلس"، وحقق مع طه حسين العديد من الكتب، كما ترجم العديد من الكتب مثل "المسألة المصرية"، و"علم التاريخ عند العرب" لهرنشو، ثم كان دور عالم الآثار الكبير الدكتور أحمد فكرى صاحب التصانيف الضخمة. وشارك المستعرب الفرنسي الكبير "ليفي بروفنسال" في تأسيس هذه المدرسة بمحاضراته (أدب الأندلس وتاريخها) ألقاها عامي 1947، 1948 التي طبعتها الجامعة سنة 1951، وترجمها الدكتور محمد عبدالهادي شعيرة، ومراجعة عبدالحميد بك العبادي، ثم جاء الجيل التالي ويمثله الأساتذة: جمال الدين الشيال، وعزيز سوريال عطية، ثم تبعهم جيل آخر يمثله الأساتذة: سعد زغلول عبدالحميد، وأحمد مختار العبادي، والسيد عبدالعزيز سالم، ودرويش النخيلي، وجوزيف نسيم، وحلمي سالم، وغيرهم.. وقد ذاعت شهرة القسم بما قدمه من إنتاج باهر وخصوصاً فيما يخص الأندلس، واحتل مكانة كبرى بين أقسام التاريخ الإسلامي والحضارة والآثار الإسلامية فى الجامعات المصرية بفضل هؤلاء الأعلام المخلصين الذين تشعب نشاطهم، وذاع فى مصر وخارجها، والخلاصة عندما تذكر الإسكندرية تذكر الأندلس. 

 

    وترك الدكتور جمال الدين الشيال إنتاجاً ضخماً في التاريخ والحضارة، تأليفاً وتحقيقا.               

 

وُلد جمال الدين محمد شطا إبراهيم الشيَّال بمدينة دمياط في 26 يونيو 1911م، ودرس بها خلال المرحلة الابتدائية وبعضًا من المرحلة الثانوية، ثم انتقل إلى مدينة القاهرة، وعمل في مصلحة البريد أثناء دراسته بالثانوية، ولم يتوقفْ طُموحه عند هذا الحدِّ، بل اجتهد وواصل كفاحه حتَّى حصل على ليسانس التاريخ من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) عام 1936، وكان يبدأ يومه مع الفجر، ولا يأوي للراحة إلا بعد منتصف الليل بساعات، وعلى ذلك قضى سنوات طويلة حتَّى تحقق حلمه وحصل على الليسانس، وكان يعد نفسه للتدريس، فالتحق بمعهد التربية العالي لدراسة علم النفس والتربية، ثم انتقل إلى سلك التدريس، الذي أكمل فيه حياته كلها؛ حيث عُيِّن مدرسًا في مدارس العريش، فعباس الابتدائية بالقاهرة، فقنا الثانوية، فالحلمية الثانوية حتى عام 1943م، وذلك أسهم في صقل تجرِبته الحياتية، وأكسبه مهارات تربوية عديدة.

 

وحصل جمال الدين الشيال على درجة الماجستير سنة 1945 في رسالة بعنوان: "تاريخ الترجمة في عصر محمد علي" بإشراف محمد شفيق غربال، ثم حصل على درجة الدكتوراه سنة 1948م في رسالة بعنوان: "جمال الدين بن وَاصِل وكتابه مُفرِّج الكُروب في أخبار بَني أيوب"، ثم عُيِّن مدرسًا لتاريخ العصور الوسطى في الكلية نفسها، فأستاذًا مساعدًا، ثم أستاذ كرسي التاريخ الإسلامي في 4 يونيو سنة 1956 خلفاً لأستاذه عبدالحميد العبادي (ت1956)، ثم تولى عمادة كلية الآداب بالإسكندرية سنة 1965، واستمر في منصبه حتى رحيله المفاجئ في الثاني نوفمبر 1967م.

    ومن مؤلفاته: "تاريخ مصر الإسلامية" جزءان، و"تاريخ مدينة الإسكندرية في العصر الإسلامي"، وكتب عن "رفاعة الطهطاوي" كتابين: أولهما صدر ضمن سلسلة أعلام الإسلام سنة 1945، وثانيهما فى سلسلة نوابغ الفكر العربي التي كانت تصدرها دار المعارف سنة 1958، وله أيضًا: "تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي"، و"مجمل تاريخ دمياط"، و"تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية"، و"أبو بكر الطُرطُوشِيّ" في سلسلة أعلام العرب، و"مصر والشام بين دولتين"، و"أعلام الإسكندرية في العصر الإسلامي"، و"التاريخ والمؤرخون في مصر في القرن التاسع عشر"، و"مجموعة الوثائق الفاطمية"، و"تاريخ الدولة العباسية"، و"تاريخ المغول"، و"جمال الدين بن وَاصِل" وكتابه "مُفرِّج الكُروب" -وهو رسالته للدكتوراه التي نحن بصددها-، و"الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث" جزءان، و"معجم السفن العربية"، و"علم التاريخ عند العرب"، و"أثر الحضارة العربية في تطور علم التاريخ"، وهو فصل من كتاب "الحضارة العربية والإسلامية، وأثرها في نهضة أوربا".

  

وفى الثاني من نوفمبر سنة 1967م، ودَّع طلاب وأساتذة كلية الآداب جامعة الإسكندرية أستاذَهم وعميدهم الدكتور جمال الدين الشيال -رحمه الله- في جنازةٍ مهيبة.

   

 

    

      والشخصية الثانية التي أشرف بالحديث عنها: الأستاذ فؤاد سيد، من رواد التحقيق والفهرسة وعلم المخطوطات في مصر والدول العربية بما له من جهود ملموسة وجبارة في هذا المجال، وسوف تدهش -عزيزي القارئ- عندما تطالع سيرة هذا الرجل وتعرف أنه بدأ حياته من الصفر، -ساعيا في دار الكتب- فقد تعرض لظروف لو تعرض لها غيره لأثنته عن العمل ولكن الرجل الذي رزق الإصرار والتحدي.. فقد تحدى هذه الصعاب بجلد وقدرة جبّارة على التحمل حتى احتل مكانة عليا بين رواد التحقيق وعلماء المخطوطات في مصر والعالم العربي.. لم يتعلم تعليماً نظامياً ومع ذلك واصل طريق النضال في طلب العلم بعد أن تحسنت أحواله شيئاً ما، وتحول من عامل بدار الكتب المصرية إلى خبير المخطوطات عندما حصل على الشهادة الابتدائية وهو في سن 27 عاماً، وقد اضطر للحصول على الشهادة لينتقل من طبقة العمال والسعاة إلى طبقة الموظفين، ولم يقف طموحه عند هذا الحد، بل التحق بمدرسة "برليتس" لتعلم اللغة الفرنسية لتساعده في الاطلاع على آثار المستشرقين الفرنسيين، وفهم مقدمات طبعاتهم التي كانت غالباً ما تكون بالفرنسية، واستيعاب تعليقاتهم في هوامش متن الكتب التي نشروها، إضافة إلى روح المثابرة التي سيطرت على كيانه، وعشق التراث العربي ونفائسه وأسراره، وكانت تأتيه الرسائل من كل أنحاء الأرض سائلين مستفسرين عن قضايا التراث وهمومه وأماكن المخطوطات.. 

 

    فقد كان "فهرساً ناطقاً" كما وصفه الأستاذ محمد عبدالجواد صاحب "تقويم دار العلوم"، وساهم بنصيب وافر في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية وقت ازدهاره زمن إدارة الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد "سندباد المخطوطات"، وقد عمل الفهارس اللازمة للمصورات التي صورتها البعثات التي أرسلها المعهد إلى مكتبات الغرب والشرق. وسافر في رحلات علمية منها إلى الحجاز وإلى اليمن الذي تخصص فى تاريخه وجغرافيته وأعلامه، إضافة إلى نشر النفائس من كتب التراث وكتابة الأبحاث في المجلات العلمية المتخصصة التي تدور حول التراث والكتاب المخطوط وتاريخه وفهرسته. 

     

 ولد فؤاد سيد عمارة في 20 من أكتوبر سنة 1916، هكذا ذكر كل من ترجم له إلا أن نجله الدكتور أيمن أخبرني بأنه ولد فى 15 أكتوبر سنة 1916، ولد بـ"درب الأغوات" في حي الدرب الأحمر بالقاهرة لأب رقيق الحال، توفى عنه سنة 1932، تاركاً ابنه الوحيد ولم يكن له عم أو خال يأخذ بيده إلا أمه التي أعياها الترمل وأعباء الحياة.. في مثل هذه الظروف قرّر الصبى أن يكون على قدر المسئولية التي أوكلت له في سن مبكرة، لذا لم ينل من التعليم إلا مرحلة الكتاب، والتحق بمدرسة عبدالباقي الشوربجي الأولية بشارع جامع البنات، ثم انقطع عن الدراسة دون أن يحصل على الشهادة الابتدائية بعد أن أمضى بها أربع سنوات لضيق ذات اليد، ثم يطرق سوق العمل حتى ينفق على أمه، فعمل فى مطبعة أهلية بجوار دار الكتب المصرية في باب الخلق، في هذا المكان الذى يعج بالمكتبات، وتشم منه رائحة المطبوعات وكان له الأثر في تشكيل وجدان فؤاد سيد، وتغيير مجرى حياته في ظروف بالغة السوء أكثر من الظروف التي واجهت الأستاذ عباس محمود العقاد الذي يضرب به المثل في العصامية، فالأستاذ العقاد حصل على الشهادة الابتدائية ثم عمل بالصحافة التي شجعته على المطالعة ويسرت له السبيل في عيشة كريمة، أما الأستاذ فؤاد سيد فعلى العكس من ذلك قد بدأ سلم الكفاح من أوله وعانى مشاقه بالغة، حتى صار الخبير الأول فى الفهرسة والمخطوطات... 

 

في سنة 1929 التحق الصبى بدار الكتب عاملاً بمطبعتها في صف الحروف، وفي سنة 1930 نقل إلى مخازن المكتبة التيمورية، وأعجب به الدكتور منصور بك فهمى رئيس دار الكتب لما قرأ له مقالاً نشره في جريدة الأهرام عن المكتبات الإسلامية فنقله سنة 1937 إلى قسم الفهارس العربية، وقد دفعه الفضول للولوج إلى دهاليز الدار في مخازنها، فيشم رائحة المخطوطات فوقع في عشقها، وهام بها حباً، وصمم أن يأتي بمهرها وهو تعلم هذا الفن الذي لا يلجه إلا من رزق الصبر والعزيمة، وتعلم الأستاذ فؤاد من الأعلام الذين كانت تعج بهم دار الكتب في هذا التوقيت ونذروا حياتهم لخدمة التراث العربي، حيث قدموا النفائس في منهج علمي رائع، ومن هذه النفائس: "تفسير القرطبي"، و"الأغاني" للأصفهاني، و"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغري بردي، و"نهاية الأرب في فنون العرب" للنويري على أدق ما يكون الإخراج ضبطاً وتحقيقاً، ومن هؤلاء الأعلام نذكر: عبدالرحيم محمود، وزكي العدوي، وحسن حسين، وعبدالمجيد الأقدمي، ومحمود إمام، ومحمود عبد الرسول شيخ مفهرسي دار الكتب والذي كان حجة في علم المخطوطات، وقد أغرم به فؤاد سيد وتوثقت الصلة بينه، وتعلم منه الكثير. 

 

 في تلك الأثناء اضطر إلى الكسب من نسخ الكتب لكبار المحققين والمستشرقين، وقد أصيب من جراء هذا العمل برعشة في يديه، وهو في هذا يشبه العلامة شهاب الدين النويري (ت733هـ) صاحب موسوعة "نهاية الأرب"، الذي أصيب هو الآخر برعشة في يديه من كثرة نسخه للمخطوطات، وأيضاً ياقوت الرومي "الحموي" (ت626هـ) صاحب معجم البلدان، وياقوت المستعصمي (ت696هـ) صاحب الخط البديع الذي شاع ذكره شرقاً وغرباً كما وصفه ابن تغري بردي، وغيرهم.. وبفضل هذا النسخ عرف تمييز الخطوط في العصور المختلفة استنادا إلى نوع الحبر وكثافة الورق وطريقة الكتابة بل كان يميز بين كاتبيها.. فيقول هذا الخط للصفدي، وهذا لابن حجر، وهذا للمقريزي، وعلق بذهنه الكثير من المعارف الجمة وعدد لا يحصى من أسماء الكتب.

 

جهوده فى خدمة التراث:

    عنى الأستاذ فؤاد سيد بفهرسة المخطوطات في دار الكتب ومعهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية وخصوصاً في الفترة الذى تولى فيها الدكتور صلاح الدين المنجد "سندباد المخطوطات" الذي اعتمد عليه بصفة أساسية، ودرب المبعوثين الذين أرسلهم المعهد لتصوير المخطوطات من مكتبات العالم في لينينغراد، وموسكو، وطشقند، وبُخارى، وسمرقند، ومكتبات طهران ومَشْهد، ومكتبات باكستان، والهند. كما تم تصوير مخطوطات من تونس والمغرب، ومكتبات الفاتيكان، و"الأمبروزيانا" في ميلانو. ومكتبات "توبنجن" وغيرها في ألمانيا. كما تم فهرسة مخطوطات دير سانت كاترين، وشارك في تنظيم وعناية مكتبة بلدية أسيوط، والقسم العربي من مكتبة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، والمعهد الإيطالي للدراسات الشرقية، ومعهد الدراسات الشرقية للآباء "الدومينيكان" بالقاهرة، ويسر له ذلك لقائه بكبار المهتمين بالمخطوطات من جميع أرجاء العالم ومصادقة بعضهم، ومنهم المستشرق الكبير "لويس ماسينيون"، وعلامة الجزيرة العربية حمد الجسر، وأغلب المحققين المصريين، إضافة إلى رحلاته المتعددة ومنها إلى اليمن التي صور منها نفائس المخطوطات ونشر بعضها، وتخصصه فى نشر تراث المعتزلة.

وقد أسفر نشاطه هذا على عمل عدد من الفهارس منها:

1- إخراج فهرست مخطوطات مصطلح الحديث، على منهج علمي مفصل للمرة الأولى في تاريخ دار الكتب وقد صدر سنة 1956.

2- فهرس ما يرد للدار تباعاً من المخطوطات والمصورات.

3- إعداد فهرست لجميع ما أضيف لمخازن الدار من الكتب الخطية من سنة 1936 إلى سنة 1955، ويحوى ما يقرب من ثمانية آلاف كتاب ورسالة وقد ظهر في ثلاثة أقسام: القسم الأول (أ- س) وصدر سنة 1961، والقسم الثاني (ش – ل) وصدر سنة 1962، والقسم الثالث (م – ى) وصدر سنة 1963.

4- نشرة عن مؤلفات ابن سينا وشروحها الموجودة بالدار صدرت سنة 1950. بمناسبة العيد الألفي لابن سينا.

5- عمل فهارس بمعهد المخطوطات عندما انتدب خبيراً به سنة 1953، وعمل فهرس عام لمقتنيات المعهد صدر 1954، والفهرس الثاني الخاص بعلم التاريخ وصدر فى مجلدين ظهر الأول 1957، والثاني 1959.

 

آثاره: 

    أثرى الأستاذ فؤاد سيد المكتبة العربية بالعديد من الآثار التي وضعته جنباً إلى جنب مع كبار المحققين وعلماء المخطوطات وعلوم التراث العربي الذي كان الخبير الأول فيه، وقد تنوعت هذه الآثار بين البحوث الطويلة في المجالات المتخصصة والثقافية، منها مجلة معهد المخطوطات العربية التي نشر فيها العديد من البحوث منها: "شروط المؤرخ في كتابة التاريخ (مجموعة فتاوى لبعض العلماء يشترط في المؤرخ لكتابة التاريخ من الجرح والتعديل) سنة 1957، و"نوادر المخطوطات في مكتبة طلعت" نوفمبر سنة 1957، وبحث "إعارة الكتب عند الأقدمين" نصان قديمان "لليزيدي والسيوطي" مايو 1958، كما نشر العديد من المقالات بمجلة "المكتبة" العراقية للكتبي الشهير قاسم الرجب.

 

  وحقق العديد من الأعمال التراثية النفيسة والنادرة منها: "طبقات الأطباء والحكماء" لابن جُلجُل، أبي سليمان بن حسان الأندلسي، وهذا الكتاب وثيقة نادرة ومهمة لتاريخ العلوم وتطور حركة التأليف والترجمة في القرن الرابع الهجري، وهو العصر الذي ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وبلغت غايتها من الإنتاج في شتى ميادين العلوم والآداب، وترجع أهمية هذا الكتاب إلى اعتماد مؤلفه فيما رجع إليه من مصادر على ترجمات عربية لأصول لاتينية تاريخية، وقد عهدنا أن أكثر الكتب التي نقلها العرب أو غيرهم من المترجمين كانت عن أصول يونانية والقليل منها عن اللغات الفارسية والسريانية والهندية، ولكننا لم نظفر بكتاب نقل عن أصول لاتينية وربما يكون هذا الكتاب من أوائل الكتب التي نقلت نقولاً لاتينية مترجمة. 

 

كما أن كتاب "طبقات ابن جُلجُل" أقدم كتاب في الأندلس، وتتمة للفائدة حقق فؤاد سيد أقدم كتاب في المشرق الإسلامي هو "تاريخ الأطباء والفلاسفة" لإسحاق بن حنين المتوفى سنة 298هـ، وألحقه بطبعة كتب "طبقات الأطباء والحكماء"، وكتاب ابن حنين اعتمد عليه كل من أرخ للعلم بعد ذلك من أمثال: ابن النديم، والقفطي، وابن أبى أصيبعة، والسجزي.

 

 وحقق كتاب "طبقات فقهاء اليمن" لابن سمرة الجعدي (ت بعد 586هـ)، وهو من النفائس التي أحضرها من اليمن خلال زيارته الأولى له سنة 1951، وهو من أقدم المصنفات اليمنية في هذا الموضوع، فقد استوعب صاحبه التراجم اليمنية منذ الفتح الإسلامي لليمن وحتى عصره، وكان مرجع من بعده في كتب الطبقات والتراجم. كما حقق كتب أخرى مثل: "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" لأحمد بن الأمين الشنقيطي (ت1331هـ)، و"العبر في خبر من عبر" للحافظ الذهبي (ت748هـ)؛ وهو اختصار لموسوعته الكبرى "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، وقد حقق منه الجزأين الثاني والثالث وطبعا بالكويت عام 1961، كما حقق "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين" لتقي الدين الفاسي المتوفي سنة 832هـ؛ وهو أكبر موسوعة في تاريخ مكة؛ كتبها مؤلفها على غرار "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر، تعرض فيها الفاسي لتاريخ مكة وأعلامها من عاش فيها أو دخلها أو سكنها من العلماء والفقهاء والشعراء وغيرهم.. حقق منه الثاني إلى السابع ووافته عن إتمام الجزء الثامن، وكان ينوي تحقيق "ذيل العقد" لابن فهد الفاسي تلميذ الفاسي.

      وبعد عمر حافل بالإنجازات استغل فيه كل دقيقة من حياته في العمل والعطاء رحل فؤاد سيد في صباح يوم الأحد الثاني من رمضان 1387هـ (الثالث من ديسمبر1967م)، وكان من فضل الله عليه أن يرحل في هذا الشهر الكريم، وخسرت مصر والعالم العربي بوفاته عالماً فرداً ظل يعمل في دنيا المخطوطات قرابة الأربعين عاماً، درساً وتمثيلاً وتصنيفاً.

Dr.Randa
Dr.Radwa