تعد تجربة فرقة “ولاد الأرض” من التجارب الإنسانية الفاعلة العميقة على قدر بساطتها وحيويتها.. ولا يمكن الولوج إلى أشعارها قبل الإشارة إلى خصوصية تجربتها.. فهي من التجارب الإنسانية القليلة التي تمتزج فيها الكلمة بالفعل مع الواقع المعاش بكل أبعاده وبلا افتعال، حتى تعجز المصطلحات فى التعبير الحقيقي عنها.
ماذا عن شباب العمال لمدينة صغيرة، قرروا البقاء على الأرض لحمايتها، بعد تهجير أهلها، وبقيت تلك المجموعة تحمل البندقية وتغني لتحمى مجموعة المنشآت الباقية في مواجهة عدو احتل سيناء ويهدد ملاذهم وموطن أرواحهم وأجسادهم (مدينة السويس). عاشوا تجربة وطنهم ومدينتهم بكل الصدق والانتماء، خلال فترة مريرة على نفس كل مقدام حر.. فإذا بزلزال يفور في صدور مجموعة منهم، ويلجأون إلى الغناء بآلة السمسمية الشاعة هناك وبكلمات وألحان وليدة المشاعر والتجربة الجديدة، لم يكن كتبها ملفا من قبل ولا كانت الألحان تعرفها وقتها، تحول البعض منهم إلى فنانين ومقاتلين معا.
شكلوا فرقة البطانية لإقرار شكلهم في الغناء فوق بطانية على الأرض، وما لبثوا أطلقوا على فرقتهم اسم "فرقة أولاد الأرض".
كان الكابتن "غزالي" مدرب المصارعة صاحب أغلب الأشعار التي تغنوا بها (لم ينشر ولم يعرفوا عنه الشعر من قبل).. يقود فرقتهم الوليدة وهو يحلم كما الشاعر، ويعيش بينهم كما المصارع. فخرجت الأشعار بقوة المصارع بسيطة وعميقة، تثير الأشجان وتحفز الهمم.
شاع خبر خصوصية كلمات وألحان تلك الفرقة التى تعتمد على آلة السمسمية أساسا، حتى ذهبت إليهم في السويس وسائل الإعلام وجموع من الشباب والمثقفين من كافة أطراف البلاد.
عرفت السويس بخصوصية الاحتفال بليلة من ليالي الأفراح.. ليلة الحنة، فيها يتجمع الأحباب والأصدقاء حول العروس والعريس يرددون الأغاني, كل آلاتهم الموسيقية بسيطة وشعبية: السمسمية، الطبلة، والملعقتين المقلوبتين التي لا توجد إلا في مدن منطقة القناة. فكانت سر النغم والسحر الخفى وهم يرددون أغانيهم، وإن كانت حول آلام النكسة وما استتبعها، فهي سلاحهم القادر على إنجاز مشاعرهم، سواء في ليلة الحنة والفرح, أو أيام النكسة والأمل في تجاوزها، وكانت أغانيهم ورحلتهم طوال تلك الفترة بكل مراحلها حتى تحررت سيناء.
مرحلة الصدمة و الصمود أغنية "مش حنسلم"
"مش ح نسلم.. لا /.لا/ رأى الشعب صاحب.. الحق/ رأيه قاله عالى. عالي
يوم 9, 10 يونيو/ و دفع تمنهم غالى "
..من أغنية "السلام": " آه يا سلام يا سلام يا سلام/ على السلام بكى الحمام..يا سلام
قبل العدوان/ كان الكلام/ عن السلام/ هو أملنا.. يا سلام
..من أغنية "حالفين لنجيب النصر لمصر": "حالفين لنجيب النصر لمصر
بقوة السلاح.
وكمان حالفين.. بترابك.
يا مصر أحلام.. ولادك.
عدوك لن .. يرتاح.
ولما رفع الشعار "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة"، كانت أغنية" صوت.. المعركة"
" ملعون.. أي.. صوت يعلى.. عن صوت.. المعركة/ ملعون.. أي.. كلمة
تسلبني.. الحركة/ يانارى../ يانارى.."
:مرحلة النقد الاجتماعي والسياسي..من أغنية "عايزين تغيير"
علشان بلدنا تسير.. تسير/ تتخطى النكسة.. تطير/ عايزين يا جمال.
عايزين يا جمال/ عايزين يا جمال .. تغيير.
من قصيدة "جلا..جلا": .."جلا..جلا./ جلا..جلا../ فتح.. عيونك.. يا ولا.
شايل شنطة.. مراته/ كلها تقول حاضن.. مراته/ كله حركات.. وحياته
كذب.. وتزوير.. وبهدلة..
يقعد يخطب بالساعة/ زي كداب الإذاعة/ في كل كلمة..اشاعه
زي الغراب.. في الحنجلا.
من أغنية "المسئولية": "أنت المسئول, أنت المسئول/أنت المسئول/ قرب والحق واسمع
دقق ناقش أسرع/ علشان أسباب النكسة تزول/قوم ناقش حاسب/
قول أنت المسئول
من أغنية "على فين المثقفين": "على فين, على فين, على فين/ يا جماعة يا مثقفين
علامكم صوته فين/ دى بلدنا طحنها البين
شايفين بعنيكو وخرستوا/ أقلامكم راحت فين
:مرحلة الصمود و التصدي..من أغنية "الصمود": "مهما كان الصبر../ مر .مر...
أنا صامد/ ومهما طال الوقت
مر...مر ../ ح أفضل صامد
مش راح أكل/ ولا أمل
لجل بلادي
"من أغنية "لالا..يا أمريكا": "لا لا يا أمريكا لا لا/ قالها زعيمنا جمال
اللى اتاخد بالقوة/ لازم يرجع بالقوة
آدى كلام الرجالة
فلما كانت العمليات العسكرية, وارتسم الشهيد في كل دار في البلاد وفي السويس. مجد شاعر ولاد الأرض "الشهيد" في العديد من الأعمال وغنتها السمسمية.
"من أغنية الشهيد "مصطفى أبوهاشم"
" جرى إيه ياموت جرى إيه/ أنت عميت ولا إيه/ من سكات مات مصطفى / كيف شمعة تقيد نفسها للناس/ وعمرها بينطفى../ أيوه كان يعشق الموت..."
من أغنية "مرثية: الشهداء"/ وجانى./ وجانى../ من/ الموت/ غضبان الموت/ غضبان..وبيعاتب
ياقلبكم./ وعرفت اسمه/ من قلب قايمة أسامى/ كدبكم.
كله ده./ وكأنه ماكانش..يوم/ منكم/ مع .أنكم/ قاتلينه..انتو..بصمتكم
سلطان /يانجمتين.ن يانجمتين. ..ضى/ من قلب السويس.
يافرج../ ياكلس./ ياكل الشهدا../ ياولاد..بلدى/ ياناقشين.. سعادتى
بدمكم../ اكمنكم../ أصدق و أشرف..مننا/ طول عمركم../ سلطان./ سلطان
سلطان/ سير يا نسيم الصبح/ نار./ متهدى/ واعصر جراح قلبنا/ لفلف ودور
في البوادي/ واحكى حكاية..عمرنا. "
نظرة من نافذة النقد..
.. وضعت فرقة ولاد الأرض "الشعار" وتعلقت به مثل كل التوجهات الأيديولوجية، وهو ما عبر عنه الكابتن غزالي في "الحرب هي الحرب يا خلق":
" الحرب هي الحرب يا خلق/ م هياش بكا وقواله/ الحرب نسف وحرق
وبحور دما سياله/ لموا الحكاوى ياخلق/ والوا لسان الكلام /
الحرب حرب ياخلق/ م لهاش في السلام/ م لهاش في السلام..."
.. البعد العربي هو البعد الاستراتيجي الفكري والفعلي للمعركة، فكانت الأعمال التي تحث العرب وتمجد الحق الفلسطيني باعتباره نفس الهم والهدف.
من أغنية "اشتد يافتح": " اشتد يا فتح..اضرب واشتد/ هد عدو عروبتك ..هد/ حول الزيتون
..قنابل/ وازرع بيارتك..خناجر/ بقد الغل في قلوبنا/ بقد العار
وأولادنا/ سجل بالدم..سطر المجد/ فلسطين..يا حياتنا.
الموقف من القوي المساعدة للمحتل، وخاصة "أمريكا": التي ساندت العدو إلى آخر مدى.
فكانت الأعمال التي منها قصيدة "لا لا يا أمريكا" :
"لا لا يا أمرجمالا ... لا لا يا أرشانة لا لا
قالها زعيمنا جمال ... اللي اتاخد بالقوة
لازم يرجع بالقوة ... آدى كلام الرجاله
.. تمجيد القوى الذاتية والبطولات التي تتحقق على أرض الواقع، مع التغني بالأمل، فكانت العديد من الأعمال المغناة..منها: "يا دفعة ياعسكرى"
" تسلم ايديك.. ياواد يادفعة..
يا عسكري
تسلم عينيك.. يا واد يادفعة..
يا عنترى
يا بوقلب مصري
ميت فل .. أصلي
تسلم.. ايديك.. يا عسكري
من خصائص أغاني فرقة أولاد الأرض الجمالية والفنية.. بساطة الكلمة ودلالاتها الموحية، البناء الواعي بذاته وهدفه، التناول المباشر بلا افتعال، والروح المقاومية، نبرة النقد الذاتي المنتمى، فضلا عن بساطة اللحن.. كما كان لتوظيف التراث الشعبي دوره:
..من أغنية "الفاتحة للعسكري". ..
"الفاتحة للعسكرى.. الفاتحة/ الفاتحة للعسكرى..الفللى/ واقف وحاضن.. مدفعه /
بطل وحارس.. موقعه/ الفاتحة ..."
من أغنية "حلانجة بلانجة" ..
"حلانجة..بلانجة.. وأى كلام/ بنضيع وقت.. واهى.. أيام/ مدام الحالة البادية.قاضية/
لا فيها بسمة ولا دخان/ تبقى العيشة جلاانجة.. بلانجة "
أهم ملامح "أغاني أولاد الأرض" :
• رصدت الجانب التاريخي المقاومي لفترة النكسة وما بعدها.
• اتسمت تلك الأعمال بالبساطة إلى جانب وصفها ب"الشعبية".
• لا تخلو الأعمال من الجانب الفكري, والنقد الاجتماعي البناء من أجل الأهداف العليا.
• تحمل البعد الأيديولوجي الراسخ في يقين العامة من الناس .
• ربطت بين العام و الخاص.. ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
• تحمل نغمة جديدة، مؤثرة لصدقها وبساطتها.
• الطريف، ليس من بين أفراد الفرقة من مارس الغناء قبل النكسة!