الجمعة 17 مايو 2024

مفكرون:التطرف والإرهاب نتيجة وئد حركة النهضة الفكرية في القرن العشرين

8-2-2017 | 16:09

 

أكد الدكتور محمد سعيد الجليند، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، أن المفكر الراحل أحمد أمين، أحد رموز النهضة المعاصرة، وكانت قضيته الأولى التي كانت تشغله دائمًا هي نقل العلم الصحيح إلى الأجيال اللاحقة، لأنه وفي وجهة نظر أمين أنه لا يمكن لأي أمة أن تنهض إذا عزلت نفسها عن منابع العلم.

وأوضح "الجليند"، خلال ندوة "شخصيات لها تاريخ"، التي أقيمت ظهر يوم الأربعاء 8 فبراير، بالقاعة الرئيسية بمعرض الكتاب، أن الراحل أحمد أمين كان دقيقًا لدرجة أنه قبل أن يحط كلمة واحدة في ثلاثيته الشهيرة "فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام"، نظر في البيئة التي يتكلم عنها، وهي مكة والمدينة، ومجموعة القوانين التي يمكن أن تمسى دستورًا لحاضر الإسلام حينها، ومستقبله فيما بعد، مشيرًا إلى أن هذه التسميات لها دلالات أساسية فيما قصده أحمد أمين، في القرنين الأول والثاني الهجري، حيث وجد  أمين أن هناك مدرستين، الأولى مدرسة المحافظين، التي مثلها علماء الحديث وسلف الأمة الذين قصروا مواجهتهم في الحوار مع الآخر على النص القرآني والأحاديث النبوية، أما المدرسة الأخرى فهي مدرسة الحرية أو التجديد، وهي المعتزلة.

وأكد سعيد الجليند، أن هاتان المدرسان كانتا حائط الصد، أمام الغزو الثقافي والفكري، الوافد على الأمة الإسلامية، من الترجمات الهندية إلى العربية، والحضارة الرومانية إلى العربية فيما نُقل عن سقراط وأرسطو،حيث كانت هاتان المدرستان، تمثلان فتح باب الحوار مع كل الحضارات الوافدة، تأخذ ما يفيد وترفض ما لا يفيد وتحذر منه.

وأشار "الجليند"، إلى انحياز أحمد أمين إلى مدرسة التجديد، وحاول أن ينقل هذه التجربة إلى القرن العشرين، تلك الفترة الزمنية التي كانت تمثل أخطر مرحة تاريخية تعيشها المنطقة، حيث كان الاستعمار يقنن لتثقيف المنطقة كما يريد هو، ويملأ الفراغ الثقافي للشباب كما يريد هو.

وأوضح "الجليند"، أن مطلع القرن العشرين شهد معركة شرسة ضد نمطين من التفكير، الأول هجوم على اللغة العربية، وسلب احتضانها والولاء لها تحت دعاوى أنها أصبحت غير ملائمة للعصر، ولا تواكب لغة العلم ولا ثقافة العصر، وانتدب الاستعمار من تبنى هذه القضية في وقتها، ومازالت هذه الأكذوبة تروق للبعض إلى الآن.

يرد أحمد أمين على هذه الافتراءات، ويدحضها، عاش أمين هذه المعركة.

وتابع: أما القضية الثانية فهي الهجوم على القرآن والإسلام بدعوى أنهما يناهضان العقل العلمي، والثقافة المعاصرة، وهنا استحضر أمين المعركة التي عاشتها الأمة الإسلامية واستوعبها في ثلاثيته الشهيرة، ونقل المنهج الذي واجه به المحافظون والمجددون هذه الحركة، واستحضر منهجها ليرد بها على الذين اتهموا الإسلام بأنه ضد العلم، والقرآن ضد العقل، ووضع كتابا مهمًا وهو كتاب "الأخلاق" عبر فيه أن القرآن والسنة ليست نصوصًا تحفظ، وإنما أسس ومبادئ يعيش بها الإنسان في واقعنا المعاصر، معتبرًا أن أي مجتمع يعزل نفسه عن المبادئ الإنسانية فهو يتحول إلى قطيع من اللصوص. 

وهنا يؤكد الجليند، أننا في حاجة إلى عقيدة بلا مذاهب، معتبرًا أن العصبية المذهبية تضع واقعنا فوهة بركان، موضحًا أن هذه قضية حاول أمين أن يضع أيدينا على بدايتها في القرن العشرين، حول ما يجوز  التجديد فيه ولا ما لا يجوز، من خلال كتاب "الهوامل والشوامل"، لأبي حيان التوحيد.

أما في قضية اللغة العربية، أوضح "الجليند"، أن أحمد أمين كتب في مجلة المجمع اللغوي بحثًا بعد الحرب العاليمة الثانية بعنوان "قياس اللغة"، ليرد من خلاله على الذين قالوا أن اللغة العربية جامدة، واستحضر فيه كلمتين مهمتين، وهو الاشتقاق اللغوي، والفروق اللغوية بين الحرف والكلمة، فخاطب هؤلاء الذين يرمون العربية بالجمود، بالنظر فقط في دلالة الحرف في نهاية الكلمة.

من جانبه تحدث الدكتور حيدر إبراهيم، عن فضل الدكتور أحمد أمين في التعليم، موضحًا أنه أسس لشكل من أشكال ديموغرافية التعليم، أي أن يكون التعليم متاح لأكبر قدر من الناس، وأشار أيضًا إلى أحد الجوانب المهمة في عصر أحمد أمين، وهي علميات القمع والتخويف التي مورست على المفكرين آنذاك، مثل محاكمة طه حسين بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي"، وعلى عبد الرازق بسب كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مؤكدًا أن التيار المحافظ تعامل بعنف مع تيار التجديد.

وتساءل "حيدر"، لماذا وئدت النهضة التي حاول طه حسين، وأحمد أمين، وعلى عبد الرازق القيام بها في منتصف القرن العشرين، مجيبًا أن المجتمع حينذاك لم يكن لديه رد فعل شعبي قوي يمكنه أن يقف إلى جوار حركة التجديد، مؤكدًا أن ما نعيشه الآن من التطرف والتكفير، هو نتيجة لعدم استمرارية فكر النهضة الذي بدءوه هؤلاء المفكرون في منتصف القرن العشرين.

وأشار "حيدر" إلى أن أحمد أمين، يمثل أحد الأعلام النهضة العربية التي بدأت في عشرينيات القرن الماضي، وهو رائد في كتابة التاريخ الاجتماعي الإسلامي، معتبرًا أن الكتابات التي سبقته كانت تكتب تاريخ الإسلام كأنه تاريخ للأفراد والأسرة الحاكمة، إنما هو كتبه وهو يضع في باله الإنسان المسلم داخل التاريخ الإسلامي.