السبت 11 مايو 2024

السياق المفقود في «الجماعة 2»

14-7-2017 | 22:29

بقلم: أحمد إبراهيم أحمد

تناول مسلسل الجماعة 2 (جزء ثان من مسلسل الجماعة الذي عُرض عام 2010م) نشأة جماعة الإخوان المسلمين وتطور نموها عبر السنين كحركة من حركات الإسلام السياسي، وشارك في بطولة الجزء الثاني نخبة من الفنانين أبرزهم عبد العزيز مخيون في دور مرشد الإخوان حسن الهضيبي، ومحمد فهيم في دور سيد قطب، وياسر المصري في دور الزعيم جمال عبد الناصر، وصابرين في دور زينب الغزالي مع نخبة كبيرة من المبدعين.

وأثار الجزء الثاني من المسلسل الكثير من الجدل حول مصداقية بعض الأحداث وبناء شخصيات درامية تاريخية (كشخصية النحاس باشا) بشكل استفز بعض الشخصيات الوفدية على وجه الخصوص، وطرح المسلسل علاقات شخصيات بعضها ببعض (مثل علاقة الزعيم جمال عبد الناصر بسيد قطب) مما أثار غضب تيار كبير من الوطنيين خاصة الناصرين.

ورغم ما في هذه القضايا المثارة من تفاوت وجهات النظر حيث تناولتها أقلام عدة، وناقشتها شخصيات ذات أفكار مختلفة، أدلت بدلوها غير معجبة بهذا التناول، فسوف نتجاوز عنها لأن المسلسل حاول أن يؤرخ لمرحلة ما زالت فاعلة، وتأثيرات سياسية وفكرية باقية، تؤثر في واقعنا رغم أن الفن يقدم وجهة نظر حين يتناول التاريخ ولا يؤرخ.

ورغم الجهد الواضح في البحث التاريخي إلا أن العمل الدرامي تجاهل بعض الحقائق المتعلقة بالبيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة للأحداث، وساهم تهميش بعض الشخصيات التي لا يمكن تجاهلها في تشويش القراءة الدرامية والتاريخية التي يقدمها المسلسل مثل شخصيات: حسن إبراهيم، وعبد الحكيم عامر، وكمال الدين حسين، وعبد اللطيف بغدادي، وخالد محيي الدين، وزكريا محيي الدين، وحسين الشافعي، وعبد المنعم أمين، وإبراهيم الطحاوي، والأخوين جمال، وصلاح سالم، وأنور السادات، وتغييب قيادات أخرى -أبرزها يوسف صديق رغم دوره الحاسم في نجاح حركة الضباط الأحرار- حيث عُزلت هذه الشخصيات التاريخية عن الفعل الدرامي الذي فُصل هو الآخر عن السياقين الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري الذي نشأت في أحضانه حركة الضباط الأحرار وجماعة الإخوان.

وتأتي أهمية السياق Context من كون السياق الثقافي Cultural Context الذي يمثل منظومة المعتقدات، والقيم، وقواعد السلوك التي يعيش بها المجتمع، وتتم من خلاله التهيئة الاجتماعية التي تعكس قيم ثقافة مجتمع معين، ومن ثم تؤدي التغييرات في السياق الثقافي إلى تغيرات هامة في تكوين الأفراد والجماعات في إطار السياق الاجتماعي Social Context حيث يستحيل أن تتم العلاقات الإنسانية المختلفة بدون سياق أياً كانت أطراف، أو مكان، أو طبيعة هذه العلاقات؛ حيث يوجد على الدوام (سياق) يتم التواصل من خلاله فمن غير الممكن حدوث تواصل بشري دون (سياق) تتم فيه العلاقات التي تولد المعاني الكامنة في التواصل عبر هذا السياق.

ويوضح سلوك أطراف التواصل كيف تتشكل المعاني، ورغم أن الأفراد لديهم إحساس ما بأهمية السياق إلا أن الوعي به ليس متطوراً لدى الكثيرين حيث يهتم البعض بأنفسهم لدرجة لا يدركون معها كثيرا من السياقات المهمة، ولا يدركون ماهية السلوك المناسب الذي يتمثل في الدراية بالسياق والانتباه لما ينتجه من معان، وهذا هو الخطأ القاتل الذي وقعت فيه دراما (الجماعة 2) فقد قدم المسلسل أعضاء الجماعة كتكوين ذى قيم وأعراف تختلف عن الثقافة المجتمعية السائدة دون أن يقدم لنا ثقافة السياق المجتمعي التي هي الأصل، أو يقدم عرضاً موازياً لتأثير أفكار الجماعة على الكيانات الاجتماعية الاقتصادية والطبقية والسياسية السائدة في السياق المجتمعي بمصر.

لقد أغفل النص الدرامي تكوين المجتمع المصري باعتباره البيئة الحاضنة التي نشأت فيها الجماعة، ومدى تفاعل هذه البيئة/المجتمع - مع أو ضد- منظومة الأفكار التي تتبناها الجماعة سواء كانت هذه القيم متعارضة مع قيم الثقافة السائدة، أو متوافقة معها، وناتج تفاعل أفكار الجماعة مع البيئة الاجتماعية الطبيعية خارج إطار الجماعة.

ويبدو واضحاً ارتباك العلاقة الدرامية بين الجماعة (فاعل/عامل درامي) وحركة الضباط الأحرار (فاعل/عامل درامي آخر) وبين المجتمع (السياق Context) حيث لا تتضح العلاقة بين الجماعة والمجتمع، وأيضاً بين الضباط الأحرار والمجتمع، فلم يقدم المسلسل أي تصور لردود فعل المجتمع لأفعال الطرفين، يضاف لذلك أن المسلسل قدم صراع مشوشاً وغير منطقي بين ضدين (الجماعة/جمال عبد الناصر) أي أن الصراع كان بين فرد (جمال عبد الناصر) وجماعة سياسية دينية مركبة (الإخوان المسلمين) حتى أصبح الخط الفاصل بين البطل Hero وضد البطل Hero Anti (Protagonist And Antagonist) مربكاً للمتلقي، وساهم في ذلك تقديم العلاقة بين سيد قطب وجمال عبد الناصر كعلاقة ندية غير منطقية (تاريخياً ودرامياً).

وتأتي أهمية وخطورة هذا اللبس من كون الدراما التليفزيونية أحد أهم عناصر صنع الوعي الجمعي في المجتمع؛ حيث يتلقى المشاهد الرسالة الإعلامية التي تتضمن المؤثر الفكري في منزله وهو مسترخ ذهنياً، جاهز لتبني أفكار الرسالة الإعلامية والدرامية حيث يلج تأثيرها المباشر وغير المباشر لعقله... التربة الخصبة الممهدة لتلقيها.

فلصالح من هدم رموز الوطنية الكبرى في زمن نفتقد فيه القدوة والمثال؟

ومن هو المستفيد من تقديم النماذج السلبية كنماذج مغرية للإعجاب بها؟

ولأي غرض يتم تهميش دور المجتمع في وقت نشكو فيه من سلبية الأفراد وتراجع دور المجتمع؟

إن تغييب دور المجتمع المصري خطأ قاتل سواء من الناحية الدرامية أو من حيث تأثير الدراما في المجتمع باعتبار أن المجتمع هو (السياق) والبيئة الحاضنة التي نمت فيها حركة الضباط الأحرار، وتكونت فيها جماعة الأخوان المسلمين، والامتداد الطبيعي لأفكار الجماعة، والمخزن البشري الهائل الذي أمدها بأعضاء سواء عن قناعات عقائدية أو بغسل الأدمغة.

فمن هو المسئول عن هذه السقطة الخطيرة؟

الكاتب؟

فريق البحث؟

أو نحن من نتلقى!

    Dr.Radwa
    Egypt Air