إن التساؤل عن موعد انتهاء الحرب المستعرة بين القوى الغربية وروسيا على الأرض الأوكرانية يبقى تساؤلا محيرا خاصة بعد التداعيات التي مازالت تضرب بعنف الاقتصاد العالمي الذي بلغ تصورات مؤلمة لم ينج منها حتى أعتى الاقتصادات العالمية.
وتنطلق محاولات إجابة هذا التساؤل الصعب من بدء الأزمة ومدى تحقيق كل الأطراف لأهدافه منها فبداية مازالت روسيا التي تبدو الطرف الأقرب إلى تحقيق أهدافه من تلك الحرب على الرغم من كل تلك العقوبات التي تجاوزت السبعة آلاف عقوبة متنوعة التي كانت الولايات المتحدة تسعى من خلالها لهدفين الأول استنزاف روسيا ورفع كلفتها من الاستمرار في تلك الحرب بشن حرب اقتصادية خاطفة ضدها وهو ما ثبت فشله بعد أن انقلبت العقوبات إلى مزيد من الحصيلة في جيب الروس بعد تضاعف أسعار الطاقة التي تبيعها جراء الحظر الأمريكي أما الهدف الثاني فكان السعي إلى تأليب الرأي العام الروسي الداخلي في محاولة لخلع الرئيس الروسي وانهيار الدولة داخليا وهو ما ثبت أيضا فشله بعد أن أظهر الروس تماسكا خلف أهداف بوتين التي هي أصلا جزء من الحلم الروسي الأكبر في استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي وإصلاح الأسباب التي أدت إلى انهياره سابقا.
إذن فإن ما سعى إليه الطرف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بات ورقة محروقة كان يأمل الامريكان أن يوفقوا بها الحرب ومن ثم إيقاف انهيار النظام العالمي القائم على القطب الأوحد الذي تدافع عنه الولايات المتحدة اليوم دفاعا مريرا عبر حرب بالوكالة تشترك فيها كل من أوروبا ودول كرومانيا وبولندا وحديثا السويد وفنلندا.
بالإضافة إلى كل ما سبق فإن أوكرانيا مقر الصراع على الهيمنة اليوم تعاني كثيرا مما يجرى ولا ينتظر أن يضمد جراحها تلك المعونات التي تبعث بها أمريكا وأتباعها بغرض إبقاء قدرتها على المقاومة ولو شكليا حيث بدأت أزمة طاحنة للوقود، توقف فيها 45% من الشركات عن العمل، ويعمل 31% منها جزئيا ومن المتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 30-40% ومن شأن ذلك تخفيص احتمالات قدرة أوكرانيا على تحمل إطالة أمد الحرب التي ترغب فيه أمريكا.
أما الولايات المتحدة قائدة تحالف إشعال الأمور والراغبين في إذلال روسيا ومحاولة هزيمتها فحالها ليس بأفضل من أوكرانيا حيث يشعل التضخم الأحوال المعيشية للمواطن الأمريكي الذي يحمل أدنى درجات الثقة في الإدارة الحالية التي تسجل أسوأ نسب الرضاء الشعبي في تاريخ الولايات المتحدة وأكد ذلك ورسخه ذلك التورط في أزمة يرى المواطن الأمريكي اليوم انه يدفع ثمنها دون مقابل.
أما روسيا التي يبدو أنها قد حسبت خطواتها جيدا يتعجب الكل مما يسمونه تباطؤا في التقدم العملياتي على الأرض ولا أعرف من أين أتوا بهذا المصطلح وكأنهم كانوا شركاء في وضع خطط العملية العسكرية في أوكرانيا أو على علم بأبعادها على أي حال قد تلجأ روسيا إلى ما يمكن أن نسميه تجميد الموقف على الأرض خاصة بعد الانتهاء من ضم أراضي روسيا التاريخية التي تضم الشريط من خاركوف إلى أوديسا وترانسنيستريا فروسيا تدرك جيدا أنها اليوم لا تواجه أوكرانيا منفردة بل تواجه تحالفا تقوده أمريكا عن بعد يجب هزيمته أولا ومن ثم فلن يكون استكمال الأهداف على أرض أوكرانيا معضلة أمام قدرة الجيش الروسي.
إذن ومن كل ما سبق يبدو أن انطلاق حل الأزمة الأوكرانية سيكون من البيت الأبيض ..نعم لا تتعجب سيكون ذلك من البيت الأبيض لكن قد يتم ذلك مع إدارة غير التي تتولى الأمور حاليا فالإدارة الحالية تبدو كالعالق على شجرة عالية ينتظر من يساعده على العودة إلى الأرض ونفدت كل أوراق التأثير المتاحة بيدها على أطراف النزاع الأوكراني إذ بدت اليوم أوروبا على قدر أكبر من إدراك أنها يجب أن تخرج سريعا من الفخ الذي نصبه لهم الأمريكان وأن الاحتفاظ بعلاقات اكثر ودا أهم بكثير من انتصار اوكرانيا إذ تبدو اليوم الضغوط الاقتصادية على أوروبا تحديات وجودية لا يجب أن تستمر.
لكن من أين يبدأ التغيير والحل ؟!.. أظنه يبدأ من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المرتقبة حيث بات من المؤكد وليس من باب التكهنات أن يمنى الحزب الديمقراطي ونظام بايدن بأكبر هزيمة يتلقاها الحزب الديمقراطي منذ انطلاقه كتصويت عقابي سيمارسه الأمريكان تجاه الإدارة التي أفرغت جيوبهم بتضخم غير مسبوق وأسعار سلع تلامس عنان السماء.
وقد تفتح سيطرة الحزب الجمهوري باب الحديث عن عزل محتمل للرئيس بايدن الذي يدرك غالب الأمريكيين اليوم أنه الأضعف وأن ما يثار حول حالته الصحية الذهنية ليس حديثا يفترى بل هو واقع رآه الأمريكيين بعيونهم ولن يكون عزله هدفا للحزب الجمهوري فحسب بل سيكون مطلبا قوميا في محاولة لإنقاذ البلاد من موجة تضخمية وركود اقتصادي اعترف بايدن ذاته بأنه خرج عن السيطرة.
إذن سيأتي الحل من صانع الأزمة نفسه فإن الفخ الذي تصور بايدن ومن معه أنهم قادرون على نصبه لاستدراج الدب الروسي بات قبرا تحفره الإدراة الأمريكية بنفسها لنفسها بعد أن استهلكت آخر رصيد شعبي لبقائها وبعد أن أدركت أوروبا أنها تضحي بمكتسباتها في سبيل معركة تصفية حسابات بين الروس والأمريكان على أراضيها وإن تحقق ذلك فمن حق معسكر روسيا والصين أن يعلنوا وبقوة تدشين نظام عالمي جديد ينتهي فيه عصر القوى العظمى الواحدة لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بالتأكيد سيكون أكثر عدلا من القائم حاليا.. فلنترقب تفاصيل المشهد العظيم الذي تجرى فصوله حاليا.