نستكمل في هذا المقال عرض نتائج الدراسة المهمة التي أعدها الباحث د. أحمد شحاته عبد الفضيل عبيد المدرس بكلية الإعلام جامعة بني سويف للتحليل التداولي للخطاب السياسي الرئاسي في ظل ما شهدته مصر من تحولات مهمة فيما يتعلق بأجندة القضايا والأزمات المطروحة محليا ودوليا، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو، وفي ضوء ما يتمتع به الخطاب الرئاسي من آليات، اعتمدت الدراسة علي تحليل 21 خطابا للرئيس خلال عام 2021 والتي تم الحصول عليها من الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.
وقد تبين من خلال الرصد والتحليل تنوع القوي الفاعلة والجهات الواردة في خطب الرئيس، حيث ركز الرئيس في خطبه علي مجموعة من الشخصيات، وهي الشعب المصري، ووصفه بعدة سمات إيجابية، كالعظيم، والأبي، والكريم، والباسل، والعبقري، والصلب، ولعبه دورا هاما في دعم جهود الدولة المصرية، والوقوف بجانبها، وتحمل آثار عملية الإصلاح الاقتصادي، وأيضا المرأة المصرية، ووصفهن بالسند، وضمير الأمة، والحارس الأمين، وذلك بمساندتها للدولة ووقوفها ضد الإرهاب، ومشاركتها المستمرة في بناء الوطن، حيث أصبحت نموذجا يحتذى به في جميع المحافـــل الدوليـــة في شــتى المجــــــالات، أيضا ظهرت في أطروحات الخطاب أطباء مصر ووصفهم بالالتزام، والإخلاص، وملائكة الرحمة، لقيامهم بدورهم علي أكمل وجه في إنجاح المبادرات الرئاسية، والقضاء علي قوائم الانتظار، والتصدي لجائحة كورونا، كذلك ذوي الهمم، ووصفهم بأصحاب الإرادة والعزيمة، وذلك لما حققوه من إنجازات غير مسبوقة في مختلف المحافل والمناسبات، أيضا الشباب ووصفهم بالمخلص، والمتطلع لمستقبل وواقع أفضل.
أما المؤسسات والجهات التي ركز عليها في خطابه فتمثلت في الحكومة المصرية، من خلال الإشادة بدورها في رفع مستوي المواطن المصري في كافة المجالات، وقدرتها علي إدارة الأزمات بحكمة، كذلك مؤسسات الجيش والشرطة المصرية، وما يقدمونه من تضحيات لصون كرامة الوطن، وحماية مقدراته، وأخيرا نظام مبارك ووصفه بالمقصر، بسبب عدم الاهتمام بتطوير البنية التحتية، وتخصيص 900 مليار جنية فقط كقيمة استثمارية علي مدار 30 سنة، مقابل تريليون جنية للنظام الحالي خلال سبع سنوات فقط.
وفيما يتعلق بآليات التحليل التداولي للخطاب الرئاسي محل الدراسة، استطاع الباحث أن يرصد الآليات الآتية:
أنواع الأفعال الكلامية في الخطاب الرئاسي:
صنف أوستين –مؤسس نظرية الأفعال الكلامية المستخدمة في الدراسة- الأفعال الإنجازية إلي خمسة أصناف تبين وجودها في الخطابات الرئاسية كالتالي:
- الأفعال الإخبارية "التقريرية":
تبين من خلال الرصد والتحليل أن الخطاب الرئاسي خطاب إخباري في الأصل، لذا نلاحظ كثرة الأفعال الإخبارية الوصفية، وملفوظاته مصاغة أيضا بأسلوب تقريري، فمثلا نجد مجموعة من الأفعال التي تهدف إلي التأكيد علي إرادة وتحدي الشعب المصري، وتحمله لكافة الظروف ومساندته للدولة، علي سبيل المثال:" لم يخش من اقتحام التحديات، ولم ييأس بفعل آلات إعلامية تسعى لإحباط العزائم، ولم يثنها إرهاب غاشم عن أهدافها، وقد ساهم وعي هذا الشعب، ومخزونه الحضاري العريق في دعم جهود الدولة للمضي قدمًا نحو المسار الذي اخترناه معًا"، كذلك ظهر في الخطاب الرئاسي أفعال كلامية غرضها الإنجازي إظهار جهود الدولة في تحسين مستوي معيشة المواطن، وقدرتها علي إدارة الأزمات بكفاءة، فمثلا قال الرئيس: لا تأني الدولة المصرية جهدا في سبيل تحقيق التنمية لصالح المواطن... ملبية لطموحاته ومستجيبة لتطلعاته في العيش الكريم، والسكن اللائق، والعمل المناسب... وحشد الاستثمارات اللازمة لتحسين جودة الحياة للمواطنين، والقضاء على الفقر، وخفض معدلات البطالة"، أيضا:" إن مصر وإدارتها الحكيمة لا تتهاون ولا تدخر جهد للارتقاء بالطبيب المصري وبمجاله الطبي.. وتوفيرها كافة المستلزمات الطبية".
وأخيرا تم توظيف الأفعال الإخبارية الوصفية لغرض إنجازي هو عرض وتوصيف الحقائق والوقائع المختلفة، كقضية التعليم والزيادة السكانية، كما جاء في الخطاب: "أن النمو السكاني إذا استمر على هذا الشكل لن يحدث تغير في أحوال المصريين المعيشية،.. الأهم توعية المواطن بالمفهوم الشامل لمسألة النمو السكاني، لدينا مشكلة بقالنا 50 سنة مغيرناش واقع التعليم، وأصبحنا أسرى لواقع لا يتغير، وعند تغييره نخاف، رغم أنه للمصلحة العامة، وأطمئن كل الناس أن تطوير التعليم يهدف إلى تحسين العملية وليس هدم مستقبل أبنائنا".
من خلال ما سبق يمكن استنتاج الجانب التأثيري للأفعال الكلامية الإخبارية، من خلال الأفعال نفسها، فالأفعال تنوعت حسب سياقاتها بين صيغة الماضي والتي تفيد الاكتمال والتمام، وبين صيغة المضارع الذي يشير إلي الاستمرارية والتجديد، مما يناسب مقاصد المتحدث "الرئيس" وزمن الخطاب، ويعزز أيضا قدرة المتلقي علي فهم المضامين الواردة في سياقات الأفعال وتراكيبها.
- الأفعال الطلبية "التوجيهية":
اعتمد الخطاب الرئاسي علي الأفعال الطلبية والتوجيهية، ما بين أفعال غرضها الإنجازي لوم وعتاب المصريين من الزيادة السكانية وتأثيراتها السلبية، فمثلا": "يا ترى محتاجين نستمر بالنمو السكاني بالطريقة دي"، "طالما هناك نموًا سكانيًا بهذا الشكل الكبير لن نشعر بالتطوير والتنمية"، "يا ترى العدد المهم ولا رعاية الأطفال ومتابعتهم بشكل جيد.. هل طفل واحد جيد ولا 3 – 4 أطفال بظروف صعبة"، أو اللوم والعتاب من ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية:"لو كان من سنين فاتت انتبهنا وبنينا مساكنا، في مناطق الظهير الصحراوي وحافظنا وخفنا على الأراضي الزراعية المتاحة بداخل الريف .. أتصور كنا حافظنا على 2 مليون فدان، ومكناش هنحتاج عمل ترع ولا مصارف ولا أي بنية زراعية للرى"، كذلك وجود أفعال غرضها الإنجازي الأمر والتوجيه بدعوة المصريين إلي التكاتف والعمل باستمرار للارتقاء بالبلاد، كما قال:" فلنخلص أحلامنا لمصر ولنعمل من أجلها على الدوام دائمًا وأبدًا،" تلك المعركة تلزمنا أن نصطف جميعا حول الوطن نحمى مقدراته، ونصون مقدساته، من أجل تغيير الواقع الحالي، ولمستقبل أفضل للأبناء وللأحفاد".
كذلك تبين وجود أفعال توجيهية غرضها الإنجازي مدح ثبات وصمود الشعب المصري في سبيل بناء الجمهورية الجديدة، كما جاء:"أعبر عن عظيم امتناني للشعب المصري العظيم على كل ما بذله من جهود وما قدمه من تضحيات لنقف اليوم آمنين مطمئنين، سعيًا للبناء والتطوير والتنمية"، أخيرا تبين وجود جمل في الخطاب الرئاسي غرضها الإنجازي الطلب والتوجيه والنصح، وتحديدا عند الحديث عن جائحة كورونا، وضرورة التزام المصريين بالإجراءات الاحترازية، وتعاونهم مع الدولة للحد من انتشاره، كما جاء:"إحنا على أعتاب الموجة الرابعة... من فضلكم ننتبه أكثر للإجراءات الاحترازية نخلي بالنا، حملة التطعيم اللي بتقوم بها وزارة الصحة ... وبقول للمصريين من فضلكم تجاوبوا معانا.
من خلال ما سبق يمكن استنتاج الجانب التأثيري للأفعال الكلامية الطلبية، من خلال الأفعال نفسها، فتنوع صيغ الأفعال بين الأمر والماضي والمضارع، يحدث لدي المتلقي القدرة علي الاستيعاب، وفهم الاغراض التوجيهية والتأثير فيه، والتنبؤ مستقبلا بتنفيذ تلك المطالب حسب مضامينها.
تبين وجود أفعال في الخطاب الرئاسي تدل علي الوعد والتعهد والقسم من الرئيس بشكل صريح، حيث تكررت مجموعة من الجمل المختلفة والتي تعبر عن وعد الرئيس بعودة البلاد إلي سابق عهدها قوية وعظيمة، من خلال تدشين الجمهورية الجديدة، وتحقيق التنمية الشاملة في البلاد، فقال الرئيس:" إنني أجدد معكم العهد وأصدقكم الوعد بأن نبدأ جمهوريتنا الجديدة.... عازمين على المضي قدمًا نحو المزيد من العمل والبناء، ممتلكين القدرة الشاملة مستمرين في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، داعمين المزيد من المساحات المشتركة بين أبناء الوطن، موفرين كافة السبل لشبابنا لتحقيق مستقبل يليق بهم في وطنهم العظيم، "إنني معكم على عهد ووعد أجددهما بين حين وآخر... "، "فقد عقدنا العزم وعاهدنا الله وعاهدناكم.. على أن نفعل ما هو في مصلحة وطننا وشعبنا..".
من خلال ما سبق يبرز الجانب التأثيري للأفعال الكلامية الوعدية، من خلال قدرتها علي إيصال غرض وأهداف الرئيس للمتلقي بشكل واضح، وهي بناء الإنسان في كافة المجالات، وتدشين الجمهورية الجديدة، مما يؤدي في النهاية إلي قناعة المتلقي وتفاعله.
تبين من خلال التحليل وجود مجموعة من الأفعال التي تعبر عن الشعور النفسي للرئيس عند توجيه خطابه للشعب، حيث تنوعت هذه الأفعال ما بين أفعال شكر وثناء علي مؤسسات الدولة، وفئات الشعب المختلفة، علي ما بذلوه من جهد للنهوض بالبلد، كما جاء:" أشكر كل عامل بنى لمصر المجد، وكل فلاح زرع لها الأمل، وكل عالم أضاء لها النور، كما أتوجه بتحية خاصة للمرأة المصرية العظيمة التي كانت دومًا في طليعة المسيرة الوطنية وفى صدارة التحدي، "أود أن اعرب عن شكري وتقديري لصندوق تحيا مصر والوزارات المعنية ورجال الأعمال وكل من ساهم في أعمال الخير"،" أود أن أعبر عن عظيم امتناني للشعب المصري العظيم على كل ما بذله من جهود.."، أيضا وجود أفعال تعبر عن إظهار القوة والإرادة سواء من الدولة أو الشعب المصري في مواجهة الأزمات المختلفة، فيقول الرئيس:" واجهنا موجة إرهاب ... اقتحمنا مشكلات، وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود ببرنامج للإصلاح الاقتصادي كان بطله هو المواطن المصري"،" لقد أثبتنا.. أن التحديات التي فرضتها الجائحة لن تثنينا عن النهوض بأجندتنا، بل هي تزيد من إصرارنا على المضي قدمًا في تنفيذ خططنا وإعادة البناء بشكل أفضل..".
أيضا ظهر في الخطاب الرئاسي المضمون العاطفي والأفعال التي يغلب عليها جانب الفرح من الرئيس في تنفيذ المشروعات القومية لصالح المواطن، علي سبيل المثال: "أقف متحدثًا إليكم اليوم في لحظة يمتزج في نفسي مزيج من السعادة والفخر.. بما حققناه معا من انتصارات متتالية وإنجازات عظيمة..."، عملنا قفزة في مشروع هيخلص في 3 سنوات بدلا من 10 سنوات"،" منظومة التأمين الصحي الشامل تثبت أقدامها كل يوم وتؤكد لنا كفاءة النظام الذي نسير فيه"، كذلك تضمن الخطاب الرئاسي أفعال تعبر عن المواساة للشعب المصري من رجال الجيش، والشرطة، والأطباء، والمتوفين من فيروس كورونا، حيث قال الرئيس:" ونحن نحتفل بيوم الشهيد.. أتقدم بخالص التعازي والمواساة لشعب مصر العظيم، على صبركم وتحملكم، واحتسابكم فقيدكم عند الله سبحانه وتعالى، ورضاكم على قضاء الله وقدره".
أخيرًا تضمن الخطاب الرئيسي أفعال تعبيرية بجمل صريحة خاصة بتهنئة الشعب المصري بمناسبات مختلفة، وهي" أتقدم بخالص التهنئة للشعب المصري العظيم بمناسبة ......وكل عام وانتم بخير"
من خلال ما سبق يبرز الجانب التأثيري للأفعال الكلامية التعبيرية، من خلال قدرتها علي التعبير عن الموقف النفسي، بنقل المشاعر والعواطف الإيجابية، وتحقيق استجابة المتلقي، وجذب انتباهه وتوجيهه لمضمون محتوي الخطاب.
- الأفعال الإعلانية "التصريحية":
ظهر في الخطاب الرئاسي مجموعة من الأفعال التصريحية والتي تدل علي إعلان الرئيس لقرار ما أو إنجاز مشروع ما، فعلي سبيل المثال قال:"إذ قمنا على مدار الأعوام الماضية بإطلاق سلسلة متكاملة من المشروعات القوميـــة في كافـة المجالات والقطاعات.."،"فقد عملت أجهزة الدولة المعنية على تطويع سبل التحول الرقمي للخدمات الطبية والعلاجية"، "واستكمالا لمسيرة دعم وتمكين المرأة المصرية، أوجه الحكومة بما يلــــي.."،""إنني إذ أعلن اليوم، انطلاق هذا المشروع الطموح "حياة كريمة.. تدشينا للجمهورية الجديدة".
من خلال ما سبق يبرز الجانب التأثيري للأفعال الكلامية التصريحية، من خلال قدرتها علي نقل مقاصد المتكلم من حالة الغموض إلي الوضوح، وتمكين المتلقي من فهم معاني الكلام، وإقناعه بالرسالة المراد توصيلها.
بناء علي ما سبق، يمكن تفسير تنوع الأفعال الكلامية في الخطب الرئاسية محل الدراسة للأسباب التالية:
- تتطلب بعض القضايا الاجتماعية التي يعالجها الخطاب استدعاء الأفعال الإخبارية، لطرح فكرة أو تحديد القضايا المتعلقة بقصد الخطاب.
- قيام الأفعال التوجيهية بوظيفة لغوية تتمثل في توجيه المتلقي واستمالته نحو الغايات التي يقصدها المتكلم "الرئيس" في خطاباته.
- تتضمن الأفعال الوعدية مبدأ الالتزام وموضوعها الصدق والوضوح، وهو ما يتناسب مع سياق الخطاب، وحرص الرئيس علي شفافية ومصارحة الشعب في خطبه.
- قدرة الأفعال التعبيرية "الافصاحية" علي التعبير بوضوح عن المواقف النفسية للرئيس.
- تتميز الأفعال التصريحية بقدرتها علي إقناع المتلقي وإثاره فضوله، لاستمالته نحو الفكرة التي يريد الخطاب إيصالها.
ونستكمل استعراض نتائج الدراسة الأسبوع المقبل بإذن الله.