الأحد 24 نوفمبر 2024

ثقافة

الشاعر سليم العبدلي: العلاقة بين أوروبا والعالم العربي علاقة متحفظة

  • 25-5-2022 | 18:48

الشاعر سليم العبدلي: العلاقة بين أوروبا والعالم العربي في جميع المجالات هي علاقة متحفظة

طباعة
  • محمد الحمامصي

منذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين واصل العالم والشاعر والمترجم الدينماركي العراقي الأصل البروفسور سليم العبدلي، اتخاذ القاهرة ومشهدها الشعري خاصة والثقافي عامة، مرتكزًا للانطلاق وإلقاء الضوء على تجربته الشعرية المتيزة في فرادة رؤاها وأفكارها، كونها ـ أقصد تجربته الشعرية ـ تجمع ما بين رؤى العالم الباحث في الفيزياء النووية وبين جماليات المخيلة الشعرية، وقد احتفت به القاهرة فقدمته له الأمسية الشعرية والمتابعة النقدية، حيث أصدر عبر دور نشرها أعماله الشعرية أو المترجمة.. وفي هذا الحوار نتعرف على رؤيته وأفكاره وما يطمح لتحقيقه.  

** لماذا اخترت القاهرة لنشر أعمالك الشعرية والمترجمة؟

اختيار القاهرة كان طبيعيًا، فمنذ تسعينات القرن الماضي وأنا في المهجر، كان تواصلي مع الوسط الثقافي العربي من خلال القاهرة، منذ أن أتينا مع مجلتي «السنونو» و«ديوان» اللتان كانتا تعنيان تباعًا بالادب الاسكندنافي للعرب والأدب العربي للاسكندنافيين.

وقد تأسست منذ ذلك الحين علاقة وثيقة مع الوسط الثقافي في مصر، بما في ذلك الصحف والمجلات والأدباء والصحفيين. لذلك عندما تحتم عليّ النشر، مثّلت القاهرة المكان الطبيعي للنشر، وفي هذه الأثناء ساعدني في ذلك بعض الزملاء من الشعراء المصريين، حيث قدموني لدور النشر، وأصدرت الديوان الأول والثاني عند دار الأدهم. وبعد ذلك جاءت الدواوين اللاحقة ثم تبعتها اعمال الترجمة التي نشرت أيضاً في القاهرة. ولكن هذا لا يعني أن النشر يقتصر على مصر فقط، فلي تعاون مع دور نشر أخرى في بلدان عربية، وسيصدر قريباً لي ترجمة لرواية دنماركية في الأردن.  
  
** حدثنا عن تجربة ديوانك الجديد والذي تزور القاهرة لدفعه إلى الناشر؟ وما مدى الاختلاف في الرؤية بينه وبين دواوينك السابقة؟


** ديواني الجديد سيصدر قريباً بالتعاون مع دار ميريت، هنا أيضاً في القاهرة، ويحمل عنوان «لا لغة للحب ولا صوت»، وهذا ليس أول عمل مشترك مع دار ميريت، وإنما سبقه العام الماضي ترجمة لرواية «شتاء عند الفجر» إلى العربية، وقبلها ترجمة رواية «أن تكون عباس العبد» للكاتب أحمد العايدي إلى الدنماركية.

أما عن تجربتي مع ديواني هذا، فقد نضج في تكوينه أثناء جائحة الكوفيد-19، التي اجتاحت العالم خلال العامين المنصرمين. وأود أن أشير، أن القارئ العربي لن يجد أية كلمة تدل على الوباء، وإنما فترة العزل والتباعد الاجتماعي وفرض القيود والشروط.. الخ، جعلتني أهرب من كل ذلك إلى الكتابة عن العلاقة الأزلية والأسمى التي تتصف بها الإنسانية، ألا وهي علاقة الحب.. الحب بين الذات الإنسانية والآخر، وما تعنيه هذه العلاقة.

أما الموضوعة الثانية في هذا الديوان، فتتعلق باستمرارية التواجد خارج المنتمي، والتي تضاعفت مع الجائحة، أي في الاغتراب والغربة، وهنا سيجدها القارئ قد انعكست هذه المرة في علاقتي مع لغتي الأم «العربية»، وكيف لحروفها أن تطارد الذات في كل النواحي الحياتية في الغربة، من اليوميات العادية وصولاً الى الحلم، حيث تتصارع هذه اللغة مع اللغات المكتسبة الأخرى. أما إن كان لي أن أحدد مدى الاختلاف في الرؤية، فيصعب عليّ تحديد اختلاف الرؤية الشعرية بين الديوان الجديد وما سبقه، وذلك لأن ذلك من مهام النقاد، كما أظن، أو الباحثين في شؤون الأدب من الأكاديميين. ولكني أتمنى أن أكون قد توصلت إلى رؤية جديدة واستطعت أن أعبر عن الحالة الوجودية النادرة التي جمعت العالم في بودقة واحدة. وبشكل عام، إن التعمق في حس العلاقة الانسانية مع الذات ومع الآخر قد طغى على سياق النص في هذا الديوان، وأظن أن هذا ما يميّز هذا الديوان عن الدواوين السابقة.

** هل ترى أن هناك تماسا بين رؤيتك الشعرية ورؤية الشعراء في مصر ممن يكتبون قصيدة النثر؟ 

مرة ثانية، هذا أمر يستطيع النقاد الإجابة عليه، ولكن بما أنني أكتب قصيدة النثر، فإن من دواعي قوة وديمومة هذا النوع من الشعر، برأي الخاص، هو أن قصيدة النثر لا تفرض أي إطارًا أو قوالبًا أو أشكالًا لكي تنتمي أو يطلق عليها «قصيدة نثر»، بل أن خصوصيتها تكمن في مدى إمكانية الكاتب الشعرية للنهوض بها كقصيدة، والتي بالضرورة تعكس بصماته الشعرية، لغةً وموضوعاً وشكلاً، وبالتالي رؤيةً.

وبما أن الرؤية الشعرية هي التفاعل بين الأدوات الشعرية والرؤية الذاتية للشاعر الذي يحمل رسالة ما، إن كانت أدبية أو اجتماعية أو سياسية..الخ، فذلك يفرض اختلاف الرؤية بين شاعر وآخر، خاصة إن تواجدا الشاعران في بلدين مختلفين، مثلا في مصر وفي أوروبا. كذلك من الصعب المقارنة بين شاعر في وطنه والآخر في المنفى، بغض النظر إن كان هذا المنفى اختيارياً أو مفروضاً عليه، حيث للمكان تأثيره الخاص، بما يحتويه من عوامل اجتماعية وأدبية، والتي في النهاية تختلف، ولذا فللمكان تأثيرًا على الشاعر، خاصة وإن كان الشاعر على تماس يومي مع هذه البيئة أو المحيط، ناهيك عن اللغة التي يكتب بها الشاعر، إن كانت تنتمي إلى المكان أو هي من بلد الأم، لغة نُفيَت أو هاجرت مع الشاعر إلى البلد الغريب. والمفارقة هنا، إن مثل هذه الحالة سيجدها القارئ في الديوان الجديد لما لها من تأثير في الرؤية الشعرية حالياً.   
   
** ترجمت أدونيس وغيره إلى الدنماركية.. كيف كانت أصداء ما ترجمته؟
أود أن أذكر، أنه من الصعب أن نجد مثقفاً دنماركياً لم يقرأ «ألف ليلة وليلة»، ولكن كم منهم قرأ «نجيب محفوظ؟» فقط القليل! كذلك لن تجد مثقفاً لا يعرف «أدونيس»، ولكن كم منهم قد قرأه؟ الكل يعترف بأن للثقافة الأندلسية تأثيراً كبيراً على الثقافة الأوروبية في مطلع الألفية الأولى وحتى منتصفها، ولكن أهناك من المثقفين الدنماركيين من قرأ لابن رشد أو إبن العربي أو ابن خلدون أو ابن بطوطة أو ابن سينا…الخ؟ صعب أن تجد ذلك. ورغم أن جميع ما ترجمته لأدونيس قد تناولته الصحافة اليومية والأسبوعية بمجملها والإذاعة أيضاً، وأشاد الجميع بالكاتب وكتاباته وبالترجمة التي استطاعت أن توصل المحتوى الشعري والجمالي للقاء الدنماركي، والتي اعتبروها إنجازاً، إلا أن ذلك لم ينعكس على المنابر الثقافية بالشكل الذي كان متوقعاً، علماً أن ترجمتي لأدونيس كانت الأولى، حيث لم يسبق أن تُرجم له من العربية ولم يسبق أن تُرجم له كتاباً، وإنما قصائد هنا وهناك إلى الدنماركية، وكان القارئ، خاصة المثقف والأكاديمي الدنماركي، متعطشاً لقراءة هذا الكاتب الذائع الصيت «أدونيس» بالدنماركية، كما كان يظن الناشر. للأسف، بعد هذه السنين في أوربا، أجد أن الغرب بشكل عام، والدنمارك بشكل خاص، يستخدم الأدب العربي كقطعة تكمل ديكوره الأدبي وتساعد الوسط الثقافي على الظهور بمظهر الشامل أو المرحب بالأدب العربي، ولكن الحقيقة أن الثقافة الأوروبية تتبع مواقع القوى، وتتأثر بالمد الاعلامي لهذه الثقافة أو تلك، أو بالأحرى لهذا الكاتب أو ذاك، وبذا فهي كباقي المتطلبات الحياتية ”موضة“. فاليوم تجد الجميع يتحدث عن ”ماركيز“ ثم ينسوه ليتحدثوا غداً عن ”موراكامي“ أو ”كونديرا“ أو "باموك"، ولكنني وعلى مدى الأربعون عاماً التي قضيتها في أوروبا، لم أشاهد موضة ”نجيب محفوظ“ أو ”أدونيس“ رغم أن الجميع يعرفهما جيداً. على ما أظن، وقد كتبت عن ذلك سابقاً، أن أوروبا بشكل عام، لا زالت تعاني من النظرة الاستعلائية اتجاه الثقافة العربية، وما يسوقه الغرب تقتنيه الدول الاسكندنافية. ولكن هذا لا يعني أن ترجمتي لكتابي أدونيس لم تلقي رواجاً في المبيعات، واصداء الكتابين كانت جيدة، ولكنني لا أجد تأثيرها في الادب الاسكندنافي! فهل يعود ذلك الى خصوصية الأدب العربي، أم لبعد الأدب العربي في معاناته عن معاناة الاسكندنافي؟ لا أدري، ولكن ما نعلمه أن البعد الوجودي المنعكس في الرؤية الجمالية لأدونيس قد لفت انتباه الناقد الادبي.

** كيف ترى لعلاقة الثقافة الغربية بالثقافة العربية والمثقفين العرب في الفترة الراهنة؟
باختصار، أن كل ما تتسم به العلاقة بين أوروبا والعالم العربي في جميع المجالات هي علاقة متحفظة، يسودها ”تخلف“ المدنية للدول العربية عن مسيرة العالم ”المتقدم“ من وجهة نظر الأوروبي، الذي في النهاية نجده لا يستوعب الموسيقى العربية، وحضور الفيلم العربي محدود جداً، ويقتصر في كثير من الأحيان على المهرجانات السينمائية فقط، أما المسرح والفن التشكيلي فيكادا يكونا معدومان تماماً… والادب تجده منعكساً في بعض الترجمات التي تنحسر مع الوقت لتدني الدعم للمترجم ولنشر المُتَـرجَم، ولذا ترى أن معظم الكتاب العرب في الغرب يلجأون للكتابة في اللغات الأجنبية، كما هو حال بن جلون وأمين معلوف، على سبيل المثال. أما العلاقة بالمثقف العربي، فهي الأخرى محدودة، ويشوبها الوضع السياسي للكاتب وللبلد الذي ينتمي إليه، مما يلزم المثقف العربي بان يحمل هوية سياسية تسبق هويته الثقافية. وقد اشتد هذا الشكل من العلاقة بتاثيره بعد فترة ما أطلق عليها ”الربيع العربي“. ولنا أن نذكر هنا أن الاهتمام بالثقافة العربية قد ازداد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن ذلك الاهتمام اقتصر على دراسة الإسلام والتعريف به من وجهة نظر أوروبية طبعًا، وأهملت جميع الجوانب الثقافية الأخرى. إنه لأمر مؤسف حقاً. وهناك العديد من المثقفين يعمل بحزم لتغيير الوضع الحالي، إلا أن مصادر الدعم، من الجانبين الأوروبي والعربي، تكاد أن تكون معدومة. وقد اتضح ذلك عندما شاركت في إصدار مجلة دنماركية فصلية تعني بالثقافة العربية، ولكننا اضطررنا إلى التوقف بعد أربعة أعداد فقط لضعف الإقبال عليها، ولعدم توفر الدعم المادي والإعلامي لها! كذلك من المؤسف أن ترى دولاً عديدة تعمل بجدية لترويج ثقافتها من خلال الأدب والموسيقى والفنون الأخرى، ولكن ذلك لا يشمل الدول العربية!       

** ما الدور الذي يمكن أن تلعبه كشاعر ومترجم وعالم أيضا في خلق جسر من التواصل بين الثقافتين؟

كما ذكرت سابقاً، لقد دأبت مع بعض المثقفين العرب في الدنمارك على العمل على نقل الثقافة العربية، بمفهومها الواسع، إلى الدنماركية، وقد ساهمنا في مد جسر بين هاتين الثقافتين، وهذا ما يمكن للمثقف، وخاصة ذلك الذي يجيد اللغة الأجنبية عمله، ولا زلت مستمراً في ذلك، رغم الصعوبات التي ذكرتها، على العمل في دعم هذا الجسر ونقل ما يمكن لي نقله إلى الدنماركية وبالعكس ما يمكنني نقله إلى العربية. هذا من ناحية الترجمة، أما في الكتابة، فلي إصدارات باللغة الدنماركية، والتي تعكس الحالة الوجودية للمغترب أو اللامنتمي. وفي المجال العلمي، فللأسف علينا الاعتراف بأن العلوم الطبيعية متأخرة جداً في البلدان العربية، لما تعانيه المؤسسات العلمية، وخاصة الجامعات من تردي مستوى التعليم والبحث العلمي. وقد زرت بعض الجامعات العربية وشاهدت مدى التأخر في المناهج التعليمية والمعامل ومستوى التعليم قياساً بالغرب، ومدى القصور في دعم البحوث العلمية. وللأسف نجد أن معظم الجامعات العربية لا تهتم، للأسباب المذكورة، بتخريج باحثين أخصائيين، وإنما تخرج حملة شهادات فقط، لا يجدون مجالات عمل في اختصاصهم، والأمثلة على ذلك دامغة في البلدان العربية، حيث تجد أخصائيين يعملون في مجالات ليست من اختصاصهم. وبشكل عام، فان التعليم في البلدان العربية يحتاج الى تخطيط مدروس، يبدأ من مراحل التدريس الأولى لينتهي في الجامعات ومراكز البحث العلمي. وهذا يحتاج الى مصادر مادية وتخصصية كبيرة، لا أجدها متوفرة اليوم في هذه البلدان. ولذا فان الدول العربية تحتاج الى نهضة تعليمية وعلمية تشمل كافة مراحل التعليم، وتتبعها في اتاحة الفرص المناسبة للخريجين واعداد الباحثين. وإن لم يحصل ذلك، فستظل الدول العربية متأخرة في هذه المجالات عن الدول الأخرى. وأبسط مثال على ذلك هو أن خريج الجامعات العربية عموماً يبحث عن وظيفة تظمن له العيش، بينما في المقابل نجد خريج الجامعات الأوروبية يبحث عن مجال عمل ليبدع فيه، ولذا بات من الطبيعي لموقع العمل أن يسأل المتقدم للوظيفة ”ما الذي تستطيع أن تقدمه لنا؟“، وذلك لأن تعليمه يؤهله أن يكون مستقلاً، ويجلب معه من الجامعة أحدث ما توصل اليه العلم، بدلاِ من أن يتدرب في موقع العمل على آليات وطرق هذا الموقع، والتي في معظم الاحيان تكون قديمة وغير مؤهلة لان يجد الخريج فسحة للابداع فيها. في النهاية أود القول أن الطالب العربي لا يقل عقلاً أو موهبة أو طموحاً عن الطالب الأوروبي، ولكن مسيرة التعليم في البلدان العربية وحالة سوق العمل فيها تجعل الطالب العربي يفقد هذه المواهب خلال تعليمه، إلا ما ندر، والأمثلة كثيرة في أوروبا أو أمريكا، حيث العقول من الأصول العربية كثيرة، وتجد الاهتمام من الغرب بها مثله مثل أي مواطن غربي، مما يدعو هذه العقول على البقاء في الغرب بدلاً من الرجوع الى الوطن الأم.. تبقى هناك يستفيد منها الغرب فقط!..

الاكثر قراءة