الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

خيانة المثقفين

  • 26-5-2022 | 02:35
طباعة
خيانة المثقفين للأوطان أشد ألما ووطأة، من دنس الاحتلال ربما تحصل على أرفع الجوائز والأوسمة، لكن حتما سوف تفقد إنسانيتك، عندما تهرول لقاتل محتل لأجل مجدا زائف أكتب كلمتك وامضي، غدا كلنا ماضون ولن يبقي إلا مواقف يسجلها التاريخ لنا وعلينا تجعل من يطالعه يدعوا لنا بالرحمة أو يصب علينا اللعنات. غابت عن ناظريه كل مشاهد قتل الأطفال، وترويع النساء، وانتهاك مقدستنا، سقط "علاء الأسواني"، في براثن أثير إذاعة تابعة لجيش الاحتلال، معتبرا أن الحوار عبر وسيط قد يغسل الضمير الوطني ويعفيه من المسئولية الإنسانية، كأن ما يحدث على أرضينا المحتلة أمر ليس لنا علاقة به كأن دماء أهلنا بلا ثمن، حتى التعبير عن الغضب بمقاطعة المحتل أصبح ترافا لديه. لكي العتبة يا مدينة الصلاة، لك العتبة يا مهد الأنبياء، فالصمت موقوت، ربما لن تكون تلك آخر خيانات المثقفين المهرولون. المثقف هو ضمير الأمة، وحينما يفسد الضمير، تختل الموازين، ونفقد القدرة على التميز والاختيار، بعدها تتغير معايير الحكم علي الأمور، فالمثقف هو حائط الصد عن ثوابت وقيم المجتمع، فالأمر لا يقف عند حد إبداع النصوص الأدبية، وإنارة الطريق للعقل الجمعي للأمة، أنما هو من يمكنه قيادة العقول، ودق ناقوس الخطر حينما يحيط بالأمة، باختصار هو بوصلة المجتمع. فارق كبير بين مثقف وشاعر بحجم نزار قباني، واجه الأمة بأزماتها وحالها في قصيدته "المهرولون" و"مطبع" نشر نص روايته بالعبرية مهرولا خلف مقابلة لإذاعة جيش المحتل، لا أملك سوى دعوتكم لمطالعة تلك الأبيات من "المهرولون" سقطت آخر جدران الحياء. وفرحنا.. ورقصنا.. وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء لم يعد يرعبنا شيء.. ولا يخجلنا شيء.. فقد يبست فينا عروق الكبرياء… سقطت.. للمرة الخمسين عذريتنا.. دون أن نهتز.. أو نصرخ.. أو يرعبنا مرأى الدماء.. ودخلنا في زمان الهرولة.. و و قفنا بالطوابير، كأغنامٍ أمام المقصلة. وركضنا.. ولهثنا.. وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة. رحل نزار قباني في لندن نهاية إبريل 1998، وظلت كلمات قصيدته تدق نواقيس الخطر، بينما تتساقط الأقنعة عن المهرولون يوما بعد يوم، رحل "قباني" وظلت مواقفه خالدة وكلماته حية في عقول الأمة، رحل وظل ضميرا حيا في جسد الوطن. ما قيمة أن يقرأ نص روايتك الناطقين بالعبرية، بعد أن يلفظك أبناء وطنك وأمتك، هل اعتصر قلبك ألاما لشهيدة الكلمة شرين أبو عاقلة؟! هل تذكر مشهد اغتيال محمد الدرة؟! هل جلسة إلى مقاعد الدراسة مستمعا لدروس التاريخ فقرأ معلمك عليك قصة مذبحة بحر البقر؟! ألا أيها المثقف المستنير حامل لواء الحرية ألم تشاهد على شاشات التلفاز مشهد ترويع الجنود لنسائنا في القدس؟! أن التكريمات ومنح شهادة الدكتوراه الفخرية مدفوعة الثمن مسبقا من دماء الأمة لا تصنع سوى بطل من ورق. تذكر يوما قريبا ستكون فيه بطل من ورق، كل قيمته أنه أحدهم في قصيدة "المهرولون". يصنع مجد الكاتب والمثقف تأثيره في الآخرين، وقدرته على صناعة النموذج والقدوة، لقد سقط بالأمس في بئرا سحيق، سقط بإرادتك الحرة الكاملة، لست سياسيا مكبل اليدين بمعاهدات دولية وتوازنات سياسية، أنت لم تكن حين وافقت على المقابلة مخدوعا من وكيلك الأدبي، بل إنك أنت من أراد خديعتنا، يمكنك أن تحلم بالوقوف على المسرح وحمل أكبر الجوائز العالمية، لكن تذكر جيدا أنك أصبحت خارج دائرة عقول الناطقين بالضاد. ربما لن تكون تلك آخر خيانات المثقفين، لكنها لن تكون نهاية قصة وطن كل يوم يدفع الثمن من دماء شهدائه، ومن حزن الأم الثكلى وأسر فقدت عائلها حفاظا على شرف الأمة وعرضها. إن المثقف إذا خان تحول الزيف إلى حقيقة، وتحولت الأمة إلى قطيع بلا عقل في سوق النخاسة، علموا أولادكم أن الأوطان باقية وإننا ماضون لن يبقى من أثارنا إلا كلمة صدق.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة