هناك فارق كبير بين الحق والحقيقة، بين النص والتطبيق، بين الإسلام والمسلمين .
الحقُ هو من عند الله لا يتغير ولا يتبدل جعله الله كما هو محجة بيضاء حتي يكون في الواقع عدلاً ورخاءً ومساواة بين بني البشر، أما الحقيقةُ : فهي واقع الناس سواء تناغم مع الحق أم تغاير، فقد يعيش الناس علي هواهم ويدعون أنه الهدي من الله!! وقد عاب القرآن علي هؤلاء ووبخهم بالآية الكريمة في سورة الكهف:
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) } .
إن أخطر ما في حياة المسلمين هو تطبيق باطل على أنه حق!، وظلم علي أنه عدل، وجرائم علي أنها ثوابٌ لله ورضاً لرسوله!
وتُعد المرأة نموذجاً صارخاً لهذا التناقض!، فقد كرمها الإسلام وقرر حقوقها النفسية والاجتماعية والمالية، في الوقت الذي امتهنها كثيرٌ من المسلمين ومنهم وعاظ وعلماء دين بنشر آراء شخصية تظلم المرأة وتحقرها علي أنها وحيٌ من رب العالمين.
وما أجملَ قولَ أمير المؤمنين الفاروق عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: "والله إنْ كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهنَّ ما قسم" رواه البخاري!
ومما لا شك فيه أن ألف صحابية من صحابيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساهمن في نشر الإسلام وبناء المجتمع الإسلامي في حياة الرسول ( صلي الله عليه وسلم) وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى من جملة ثمانية آلاف صحابي حملوا الأمانة إلينا .
فالسيدة خديجة ( رضي الله عنها) هي أول من آمنت به ونصرته، وكانت له مؤيداً ونصيراً
فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذْكُرُ خَدِيجَةَ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغَيْرَةُ فَقُلْتُ : هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا، فَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزَّ مُقَدَّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ، ثُمَّ قَالَ : " لا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا، وَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي مِنْ مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوْلادَ مِنْهَا، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ "، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : لا أَذْكُرُهَا بِسَيِّئَةٍ أَبَدًا " .
وأمهات المؤمنين نقلن الشريعة والسنة والوحي الذي نزل علي رسول الله في بيوتهن تطبيقاً لقوله تعالي في سورة الأحزاب :
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
وقد قرر الله تعالى المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية، فخلَق النساء والرجال سواء؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
وساوى الإسلام بيْن الرجل والمرأة في الجزاء الأُخروي؛ قال - تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
وعنْ أمِّ سلمة زوْج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها قالتْ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال، قالتْ: فلم يَرْعُني - أي: يفزعني ويُفاجئني - منه يومئذٍ إلاَّ ونداؤه على المِنبر، قالت: وأنا أُسرِّح شعري فلففتُ شعري، ثم خرجتُ إلى حجرة من حجر بيتي، فجعلتُ سمعي عندَ الجريد - معناه: أنها رفعت رأسَها إلى جهة الجريد الذي هو سقْف المسجد إذ ذاك لقُرْب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه وهو على المِنْبر؛ لكونه غيرَ مرتفع عن المنبر كثيرًا - فإذا هو يقولُ عندَ المنبر: ((يا أيُّها الناس، إنَّ الله يقول في كتابه: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إلى آخِر الآية ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]))
- وللأسف هناك صورتان مهينتان للمرأة في المجتمع المعاصر :
الأولي: هي صورة المرأة الغربية التي تمارس الحرية بلا قيود، وتُوظف للدعاية والإعلان تجارياً باعتبارها دمية جنسية!، وامتهانها واضح عندما نرى صورة الإعلانات في كل عواصم العالم.
الصورة الثانية : هي صورة المرأة في العصر المملوكي، بقصر دورها في منزلها حتي قال البعض أن المرأة لا تبيع ولا تشتري ولا تخرج من بيت زوجها إلا إلي المقبرة، وهي أيضاً للمتعة وانجاب الأطفال وخدمة الرجل.
لقد تجاهلوا دور المرأة في الإسلام وزعموا بباطل أنه لا رأي لها، بل وحرموا مشاركتها الاجتماعية .
والصورة الصحيحة للمرأة التي ننشدها، هي صورة السيدة خديجة والخنساء وأم سليم وغيرهن، اللاتي شاركن الرجال في الخير علي عفة، واخترقن كل مجالات الحياة بهمة وإخلاص دون تفريط في حيائهن، وحاربن في وقت الحرب ببطولة، وبنيْن المجتمع في وقت السلم علي تقوي، وساهمن في بناء الحضارة باقتدار وجدارة .
الصورة الصحيحة للمرأة هي نموذج المرأة المصرية التي شاركت زوجها في زراعة الأرض وربّت أبناءها بكل قوة، فكانوا أبطالاً في كل المجالات، المرأة التي شاركت زوجها في مقاومة الإنجليز إبان الاحتلال وقبله في 1807م عندما حاول فريزر احتلال مصر، حيث كانت المرأة المصرية في موقعة رشيد تغلى الماء والزيت وتصبهما على عساكر الإنجليز من فوق الأسطح، ويقوم الفلاحون يقطعون رؤوسهم بالفؤوس .
المرأة المصرية التي تشاركنا كفاحنا في الدفاع عن مصر بكل الوسائل لمواجهة مشروع كلاب سكك الأرض في تفكيك مصر وإضعافها بالإرهاب والفساد وتذويب الهوية المصرية.
الصورة الصحيحة للمرأة هي نموذج " أمي " والتي تعكس شخصيتها شخصية الأم المصرية، والتي أتمنى أن تكون ابنتي مثلها، وزوج ابنتي كأبي رحمه الله.
لقد أسفت جداً عندما قرأت تصريحين هذا الأسبوع يخصان المرأة.
- التصريح الأول من أحد الممثلين الهاربين خارج البلاد والذى ينهش في مصر ضمن كتائب الخونة المجندين ضد مصر، ويُدعى عمرو واكد، وقد أهان المرأة المصرية واتهمها في عرضها لمجرد أنها أحد جنود مصر الأوفياء والذى قال النبي صلى الله عليه وسلم عن جند مصر - هم وأزواجهم وذراريهم في رباط إلى يوم القيامة، وهذا الخائن بالطبع لا يستحق الرد عليه، لأنه مجرم يستحق العقاب.
- أمًا التصريح الثاني فقد آلمني أشد من التصريح الأول لأنه صدر من أستاذنا الدكتور أحمد كريمة وهو صاحب فضل كبير في مكافحة التطرف ونشر العلم.
فقد أباح الدكتور كريمة مطلقاً دون قيد أو شرط للرجل المغترب أن يتزوج بالثانية دون علم الأولى.
والحقيقة أن أستاذنا الدكتور كريمة وقع كما يقع الكثير من المتشرعين في خطأ منهجي كبير.
1- حيث عرض المسألة بمنطق وعاظ ودعاة الجماعات الذين يرون أن تعدد الزوجات هو لذاته وأنه واجب العصر وليس كونه ضرورة في مواجهة ضرورة حسب مقصودها في الشريعة الإسلامية، لدرجة أن فضائيات دينية كانت تدعوا للزواج من السوريات لإيوائهن إبان الحرب في سوريا، فتحول الزواج من مقصوده ( بناء أسرة ) إلى استغلال لأزمة المرأة لتكون لاجئة بيت رجل يأويها في مقابل متعة الرجل فقط، دون أي اعتبارات.
2- تجاهل فضيلة أستاذي الدكتور كريمة النظر إلى مشكلة الرجل المغترب من كل الجوانب، وقصرت فتواه على مصلحة الرجل المغترب عن زوجته فقط.
وكان الأولى أن يشرح فضيلته بجانب إباحة التعدد للرجل مسألة الإيلاء التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة والتي تكفل حق المرأة في متعتها بزوجها وعدم حرمانها .
قال تعالى : " لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:226].
فإذا كان من حق الرجل المغترب أن لا يتجرع الحرمان، فمن حق امرأته أيضاً أن لا تعيش هذا الحرمان.
وبالتالي توجيه الناس بصورة خاطئة يدعم الظلم الاجتماعي داخل الأسرة على غير منهج الإسلام ومقصود شريعته .
بالطبع لن ننساق خلف معارك الترندات على السوشيال ميديا هل أنت مع تعدد الزوجات أم لا؟!، هذا سفه عقلي وسذاجة تضيع الوقت والجهد.
وليس معنى أن الله قد أباح شيئاً يعنى هو صالح للتطبيق مطلقاً دون مراعاة الظروف والمصالح والمفاسد.
المباح أباحه الله ليكون مناسباً للبعض وقد لا يتناسب مع البعض الآخر.
هل يستطيع معلول الصحة أن يتجرع السمن البلدي وهى مباحة كما السليم ؟
هل يستطيع مريض السكر تناول كميات من الحلويات وهى مباحة كما المعافى؟
إن فعل ذلك قد يموت
الشاهد : أنه ليس كل المباحات مناسبة لكل من يتمناها، لأنها قد تكون مناسبة للبعض ومضرة للبعض الآخر.
3- قام فضيلة الدكتور كريمة بعرض مسألة فقهية ( وهى تعدد الزوجات ) على أنها حكم فقهي، وفضيلته علمنا وعلم كل طلابه الفرق بين المسالة الفقهية والحكم الفقهي، وإباحة تعدد الزوجات مسألة فقهية خاصة بظروف معينة كما هو معلوم للجميع الخ. وليست حكماً عاماً كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة الخ.
فعرض المسألة الفقهية والمخاطب بها شخص تتناسب ظروفه مع هذه المسألة، على أنها حكم فقهى عام للجميع، خطأ منهجي كبير.
فليس كل المغتربين يصلح لهم الزواج بأخرى دون خسائر وتهديد للحياة والبيت الأول.
4- الزواج هو إقامة أسرة وليس فقط متعة، ومخطئ من يتناول الزواج على أنه متعة فقط.
والمتعة الزوجية من منظور الإسلام هي ارتواء جنسي للزوجين - وليس للذكر فقط - في إطار تكوين أسرة مستقرة تتمتع بالأمان من كل جوانبه.
أما من جعل الزواج متعة عابرة ووسيلة خلوة عشيق بعشيقته، لن يتحصن ضد الفاحشة ولو تزوج بمائة زوجة، والواقع يشهد بذلك .
ولذلك أستطيع القول بملئ الفم: إن كل صور الزواج السري والعرفي مشاريع فاشلة ومصائب عاجلة وآجلة.
أنا كأب لا أتصور ابنتي تتزوج زواجاً سرياً لإمتاع زوجها بدعوى تحصينه عن الحرام والتنازل عن كرامتها وكرامة أهلها، عندما يتسلل إليها زوجها سراً كما الحرامي، لن أسال وقتها لا قدر الله - عن الحلال والمباح دون أن أسال عن المصالح والمفاسد ودون أن أسال عن كرامتها وكرامة أهلها الممنوحة لهم من قبل رب العالمين سبحانه وتعالى ويصر البعض على إهدارها.
فكيف يحق لي كشيخ أزهري إباحة شيء لابنة غيرى لا أرضاه لابنتي؟!
أين فقه المصالح والمفاسد بشأن المرأة والمجتمع إلخ.
وإنه لمن المصائب الكبرى ارتضاء بعض السيدات تحت ضغط الاضطراب من الطلاق أو الظروف القبول بهذه المهزلة! وتتزوج سراً دون النظر إلى كل ما سبق!
وهذا بالطبع يحتاج إلى حملات وعى كبيرة لاستقرار الأسر المصرية ودعمها في مواجهة عادات وتقاليد ربما تسلب المرأة حقها في الزواج علناً! فتقبل بالزواج سراً تتجرع الذل والهوان بعد ذلك.
وأخيراً أقول :
إن فوضى الفتاوى والترندات يخلق مجتمعاً مضطرباً
اللهم إني قد بلغت، والله بكل شيء عليم.