الأربعاء 24 ابريل 2024

عندما يُحب الفلاسفة!

مقالات7-6-2022 | 18:23

يختلف مفهوم الحب من شخصٍ لآخر، كل وظروف بيئته الاجتماعية ومرحلته العمرية، وتتعدد الأقاويل والتفسيرات والتحليلات عن مفهومه ومتى وكيف ينمو ومتى يموت؟ لكن هل تابع أحد تحليل الفلاسفة عبر التاريخ وتقييمهم لمفهوم الحب؟

فالحُبّ عند الفلاسفة هو عبارة عن كلمة غير مُرتبطة بشيء حقيقي محسوس، أي أنه شيء لا يمكن إدراكه بالعقل أو شرحه بالمنطق، وإنّ كان عاملا كاشفا لشخصية الإنسان الحقيقية؛ من عطاء وأنانية وصدق وكذب.

 بدأت فلسفة الحُبّ عند الإغريق، حيث قامت عليه نظرياتهم المُتعددة التي طوّرته من مفهومه المادي إلى مفهومه الروحي في أعلى سِماته، فتوصلوا كون الحُبّ صفةً فطرية وچينيّةً تظهر آثارها في سلوك الكائن الحي،وتتأثر بالمحيط.

وباستعراض فلسفة الغرب عن الحب؛ نجد الفيلسوف "أفلاطون" هو أول من نادى بكون الحُبّ سلسلةً من المشاعر والأحاسيس التي تسيطر عليها النزعة الحيوانيّة، معبرًا عن حال المُحب بأنه باحث عن نصفه الآخر، من خلال علاقة تعبر عن جسدين بروح واحدة، مؤكداً أنّ الحُبّ ما هو إلّا وسيلة نحو التحرر الفكري والعاطفي الذي يقود الإنسان إلى حُريّته، وقال في الحُبّ إنّه شيء لا مُنتهٍ، فالحُبّ الذي ينتهي لا يكون حُبّاً حقيقياً، ومن وجهة نظره فإنّ الحُبّ قوة لا يمكن إدراكها أو شرحها، وهي ما تُدخل الإنسان في عالم آخر،كاشفة الأنا المختفية في الأعماق.

لا يختلف عنه رأي "سُقراط"؛ الذي توصل كون الحُبّ الذي ينتهي ليس حبّاً، كشوق النفس إلى الجمال الإلهي الذي لا ينضب، ولا يجف بل يزداد يوماً بعد يوم.

 أما الحُبّ في نظر الأدباء والفلاسفة العرب، فله وجهات وآراء عديدة؛ عبّر "الجاحظ" عن الحُبّ في كتابه (النساء)، وفي كتاب (رسالة القيان) بأنّه: ذلك الشعور العقلاني البعيد عن اللهو، وقد طالب الناس أن يقاوموه، أمّا "ابن حزم الأندلسي" فقد رأى في كتاب (طوق الحمامة في الألفة) أن الحُبّ يبدأ بالهزل وينتهي بالجدّ، وهو شيء لا تُدرَك معانيه ولا يوصَف إلّا بالمعاناة، كما يقول إنّ جميع أنواع الحُبّ القائمة على المنفعة الحسيّة تزول بسرعة، وتنتهي بانتهاء عِللها باستثناء العشق المتأصّل والمتوغل في النفس، فلا ينتهي إلّا بالموت.

ورأى "أبو بكر الرازي" أنّ الإنسان يُبتلى بالعشق، لذلك نادى بضرورة الابتعاد عنه؛ حيث وجد أنّ العشق يقع لمن هو قليل الحظ ومن يفضل الرغبات الحسية على الروحية، وقد كان رأي "ابن سينا" مماثلاً لرأي "أبي بكر الرازي"؛ في أن الحبّ عِلّة ومرض، وقد تطرّق في كتابه (القانون) إلى العلامات التي تظهر على من يُحبّ، مثل تشتت الذهن واختلاطه، وفساد مخيّلته، بالإضافة إلى الهذيان والحماقة، كما قارن بين العشق وحالة الاكتئاب عند فراق المحبوب وهجرانه؛ أمّا رأي "ابن عربي" في الحبّ فقد عبّر عنه في كتابه (الفتوحات المكية) فقال إنّ من علامات الحبّ عدم مقدرة المُحبّ على النوم، وإنّ العشق يكون لذاته، أي أنّ الغاية هي العشق وما بعده أيّة غاية، وقد ضرب أمثلةً في العشق، منها: عشق قيس بن الملوح لليلى؛ حيث كان يكرّر اسمها ويناديها، وإن لبّت النداء طلب منها الابتعاد، فهو منشغل بنداءات الحُبّ!

وصنف "ابن عربي" الحُبّ لدرجاتٍ، يبدأ بالهوى الذي يعبّر عن الميل العاطفي الذي ينشأ من نظرة عابرة، أمّا الدرجة الثانية فهي الحُبّ الذي يُعبّر عنه بالميل العاطفي مثيل الهوى إلّا أنّه يقوم على الإخلاص، ويختار الإنسان فيه محبوباً واحداً لا يتجاوزه إلى غيره، وأخيراً تأتي ثالث درجات الحبّ وهي العشق الذي يعني المحبّة بإسراف، فتستولي المشاعر الجيّاشة على صاحبها وتسيطر عليه، لدرجة أنّه لا يشعر بأحد إلّا بمحبوبه الذي يُغنيه عن الكون بأكمله.

فسّر الحُبّ وفلسفته فلاسفة كُثر، عمدوا إلى عدة تصريحات وتفسيرات تربط الحُبّ بالحياة البشرية بطرق مقنعة، وذلك اعتماداً على الطبيعة البشرية والأخلاق؛ فقد رأى بعض الفلاسفة أن الحُبّ لا يمكن التعبير عنه منطقياً أو إدراكه بالعقل، أمّا النُّقاد لهذه النظرية فرأوا أن الحُبّ يمكن التعبير عنه، فهو إخراج الإنسان لمشاعره بكلمات معينة وهو ما قادنا للاعتراف بمصطلح الحبّ  في العديد من اللغات.

هل سألت نفسك عزيزي القاريء عن معنى الحب، هل قيمت حبك طبقاً لآراء فلاسفة الغرب والشرق لتعرف في أي مرحلة أنت؟ هل استطعت أن تفصح عنه وأحسنت التعبير عن مكنونه فعلياً وبالكلمات؟ الإجابة داخل نفسك، لكن النصيحة التي أملك تقديمها هي "إياك وأن تموت قبل أن تحب"".

 

Dr.Randa
Dr.Radwa