الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

داوود عبد السيد

  • 7-6-2022 | 21:01
طباعة

شتاء 1980

(ليل خارجي)

رصيف الكوربة.. وسط برك رخة مطر سريعة أثناء مشاهدتنا فيلم (أرض الاحلام) بسينما هليوبوليس "مصر الجديدة".. نجلس موقع فاتن حمامة ويحى الفخرانى.. مخمورًا يلاوعها، تستعطفه يعطيها جواز سفرها لطائرة فجر آخر فرصة لأمريكا والجرين كارد لأبنائها.   

(مجدى قاسم) خريج معهد السينما إخراج.. مصورى الصحفى بمجلة النصر للقوات المسلحة لعام منصرم.. يحتفى بانتهاء تجنيدنا بسينما وسندوتشات فول وطعمية (شبراوى) الثمانينات.. نتحدى البرد بدفء حوار الفيلم.. ورفض هجرة أمريكا المنتشرة آنذاك بين الأقباط.. يوضح (المخرج مسيحى).

فلم يشغلنى قبلها بالطبيعة مغزى الاسم، تنطلق صعيدية معتقة (عاوز يقول لنا إيه الواد النصرانى ده؟! أمريكا كخة.. ما تروحاهاش.. ما نزاحمش قرايبه المتفاخرين!

ذهنى بهجة لقاء سور الجامعة الأمريكية بالتحرير ومرمى السفارة الأمريكية متجها للاظوغلى (فيش وتشبيه) عملى صحفيا بآخر ساعة.

 الباشمهندس (أنسى).. الواد أنسى .. منافس جرجا الثانوية بنين يستنفرنا تفوقه لغويا.. والده طبيب ووالدته مدرسة إنجليزى.. نتحداه بعناد صعيدى.

أحضان وفرحة 7 سنوات  من 1973 تخرج من قمة الهندسة وتخرجت من أول كلية إعلام بجامعة القاهرة والشرق الأوسط.. ننى عينيه انتصار.. استلمت موافقة أمريكا وعمل ومسكن وعروسة.. هجرة.. وإشفاق.. لن تنافسنى!

يقلب ركام ذهنى لفرص تشاغلنى عن الصحافة ومصر .. صديق وفر له قريب ثرى حساب بالبنك سحبه فور إقلاع طائرته أمريكا وكافح ونجح.. تتصارع مع يقين دراستى للصحافة أمارسها بين المصريين أغوص فى أعماقهم أسبر أغوارهم.. أحاول فهمهم !

رفع مجدى كتفيه فلم يوقف توجسى 

*

لكن الفيلم واجهنى بمرآة نفسى.. عدم التحايل بشماعات رفض أو قبول شيء.. ألا أتحجج بضياع جواز سفرى وهو فى متناولى لأرفض.. وليكن مباشرة مع النفس والناس وتحمل قسوة التبعات!

*

ولم أسمع أنه هاجر!

*

يزعجنى اسم (الكيت كات) لرائعة إبراهيم أصلان ( مالك الحزين ) لم أر فى المنطقة ولا الرواية ما يصنع فيلم جماهيرى.. أشاهد صدفة مقاطع متفرقة.. تجبرنى لمشاهدته كاملا.. يدهشنى الشيخ حسنى.. المصرى العتيد يراه الجميع أعمى عما تحت قدميه.. ويقينه (أنتم بتشوفوا فى النور وأنا بشوف فى النور والضلمة) قوة ناعمة هزمت كل الغزاة.. يهرب من ضبطية التحشيش دون المبصرين.. يتصدى لجشع الرأسمالى المحدث لشراء بيته بتراب الفلوس يذل بالفضيحة تاجر المخدرات المفترى.. الساخر من تردد المثقفين فى ابنه (البارد) أمام لهيب رغبات من تهواه.. المجرب مغامر بقيادة فيزبا فى الحارة المزدحمة.. المجنون عندما يستغفله أحد (أنت بتستعماني ياه) ونصباية مصرية بإيهام ضرير عابر بمغامرات ومباهج تسعد الغافل

*

يستفزنى إشراكه ظاهرة (شعبان عبد الرحيم) فى فيلم توهمت استثمارًا لشهره وأراه أيضا صدفة لأجد شعبان ظهر فى الدنيا أصلا ليؤدى هذا الدور ومذهولا من (المخبر صلاح عبد الله) كيف وصل إلى هذا الوضوح والتشبع والتلقائية المرعبة وكيف لا توجد جائزة أوسكار تمثيل مصرية باسم المخبر صلاح عبد الله

*

فبراير 2010 (بعد 30 سنة)

(ليل داخلي)

أسعى لندوة آخر ساعة وفيلم (رسائل البحر) منطقة وسط بين الصوفية الإسلامية والرهبنة المسيحية وكهنة برابى الفراعنة.. رسائل فى قارورة  شاطىء بحر الحياة.. لغة غير مطروقة.. مؤشرات وجدانية للتسليم من فزعة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر فى خرق السفينة، وقتل الطفل وبناء الجدار.. يترسخ داخلنا بالسن والخبرة (خمول يقعسك عن دعوة تمنيتها لمشاهدة مباراة وينهار مدرج بجمهوره.. معوقات تهدم أحلامك لتكتشف بعدها الأجدى والأنفع.. حماسك وأسرتك شاهد عقد قران تعطلك سيارتك تحمد الله بعدها أنك لم تشارك.. وتهدأ على خسارة ترى الله قدرها لغيرك تفهمها كميراث يأتى لغافل.. قدره الله له.

يتلوى الكوب فى صابون يديك تخاطبه بوضوح.. عاوز تتكسر ماشى.. تنفزع زوجتى.. بتتخانق مع الكوباية! ..عاوزة تتكسر! ابعد عن كريستالى! لما تتكسر ها تتساوى مع زبادى جدتى الفخار.

- كنتى علمى ولا أدبى (نناكف الأدبى بالحفظ ونفخر بذكاء العلمى) .. مالكش دعوة !

- وصفوا لنا الجماد بالقصور الذاتى (الكتاب لن يتحرك من موضعه وحده ) إذا.. فسرى لى القرآن (فوجدا جدارًا يريد أن ينقض).. الإرادة جاءت منين وجنان المصريين لما يقولوا (والله البيت ده عاوز يقع؟!) 

*

يقول بهدوء إنه يعشق ويستمتع بكل ما هو مصري: تواشيح النقشبندى، تلاوة الشيخ رفعت.. وغيره، ولا يستهويه أصوات تحاول غزو وجداننا ولن تدوم

- وصدقته

*

يأخذنى لمصرية زوج زميلة زوجتى المهندس المسيحى استطعمت صينية كنافة زوجتى ويعتذر باعتياد صباه فى (شبرا) على الكنافة من بشاير رمضان إلى العيد ساخنة من يد والدته فى أذان المغرب (حلاوتها فى توقيتها).. أسحب صينية طازجة ملتهبة مغلفة بأوراق ألومنيوم قبيل المغرب ألحقه قبل الأذان .. نفطر وابنتى عائدين بعصير سريع 

*

داوود عبد السيد

ككل عشاق هذا البلد بعبلها (فيها حاجه حلوة)

ضج من إسفاف فنى.. خائف على وجداننا.. حتى ولو فترة تجريب نلفظها بعدها

وقرر الاعتزال

خسارة

وخسارة كبيرة 

فى أزماتنا المهنية أؤكد لزملائى دائما لا تنسحبوا من مواقعكم سيحتلها غزاة

اصبروا وصابروا.. هوجة وتعدى.. هجمهة وتموت

عزاؤنا أن تاريخ العباقرة فى التاريخ ملىء بهذه المواقف والمعوقات.. لكن التاريخ يؤكد دائما.. إنهم يجدون متنفسات عبقرية لإبداعهم رغم  الإحباط والحصار

*

وقفة داوود عبد السيد ( 76 سنة ) إرهاق مبدع.. يحتاج أليف شافاك الروائية التركية (لو نضبت إلهامك.. سافر إلى مدينة مكتظة.. اقض يومين فى فوضاها مراقبا مصغيا.. تتدفق مشاعرك وإبداعك)

-يا عمنا أنت وأمثالنا (يموت الزمار وصباعه بيبدع)

- منتظرك

- (داوود عبد السيد )

- فى إبداع جديد

*

كتبت كلماتى فى يناير منذ 6 شهور•• أترقب قليلا متمنيا أن يكون تحليلى صحيحا

وبفوزه بجائزة النيل فى الأدب 7-6-2022

لم أجد فى وجدانى ما أضيفه إلا أنى فرحان فرحان وأكرر منتظر إبداع جديد وقريب (ألف مبروك).

أخبار الساعة

الاكثر قراءة