قد يشعر البعض أن في العنوان تحيزا لمجلتنا العريقة الكواكب ولمجلة الهلال التنويرية العتيقة، وقد يقول البعض أن الشيخ إمام نوع فريد في عالم الغناء بروعة ألحانه التي رشحته للشهرة .. نعم .. لا ننكر ذلك، لكن ماذا لو لم ير الشيخ أحدا، ولم يعرفه أحد في الأوساط الفنية والثقافية .. ماذا لو بقي الرجل يغني ويلحن في دوائر أصدقاءه ومعارفه فقط حتي ينتهي عمره .. هل كان أحدا سيعرف الشيخ .. هل كان سيكتب له كل ذلك النجاح والتقدير الذي ناله.

ودعونا نؤكد أنه كم من عباقرة لم تلتفت إليهم وسائل الإعلام فرحلوا دون أن يدري بهم أحد، حتى وإن كانت لهم أعمال بديعة، فسوف تدفن كما دفن مبدعها .. إذن فالصحافة ووسائل الإعلام هي النافذة إلى المجد والخلود، وهذا ما أحدثته بالفعل مع الشيخ إمام .. ومن الوثائق الصحفية نطرح الأسرار ونكشف الميلاد الفني الحقيقي له.

 

الموهبة واللحلحة

يعود الفضل في اكتشاف موهبة الشيخ إمام للكاتب الصحفي الكبير رجاء النقاش، وقد كان رئيسا لتحرير مجلة الكواكب، وهو الذي قدم الشيخ إمام لأول مرة في برنامج "شريط تسجيل" مع سلوى حجازي في أكتوبر 1968، ورغم إيمان النقاش بموهبة الشيخ إمام واصطحابه في البرنامج ليسمعه الناس ويري المهتمون موهبته، فقد كتب الصحفي الكبير راجي عنايت مقالا في الكواكب عدد 22 أكتوبر 1968، تحت عنوان "جرام موهبة + قنطار لحلحة" يؤكد فيه أن الشيخ إمام لن يصل .. ولن يشتهر، رغم رعاية رجاء النقاش له ورغم مناشدته للمسئولين أن يهتموا بألحانه، لن يصل لماذا .. لأنه عجوز فقير وغير وسيم، ولهذه العوامل فدائرة اتصالاته الفنية والصحفية ضعيفة، لذا فمن السهل على أي فنان محدود الموهبة أن يزيح إمام ويتخطاه لأنه يعرف كيف يصل إلى ميكرفون الإذاعة أو المسرح، لأنه يملك جرام موهبة + قنطار لحلحة .. ومن الواضح أن مقال عنايت كان يستحث فيه الجهات المعنية بالتركيز على موهبة الشيخ وغيره، فأصحاب المواهب خالدون وأهل اللحلحة زائلون.

 

الكواكب تكتشف إمام

إذن كانت هذه الخطوة من رجاء النقاش هي النافذة التي فتحها للشيخ إمام، ودعمه بشكل واضح راجي عنايت، ويتجلي دور النقاش كرئيس تحرير الكواكب فيبدأ في طرح موهبة الشيخ إمام على صفحات المجلة، فنجده قد أفرد أربع صفحات ليعلن فيها ميلاد الشيخ إمام الفني في عدد الكواكب بتاريخ 29 أكتوبر 1968، تحت عنوان "مرحبا بالشيخ إمام" مع عدة عناوين فرعية منها " الكواكب تقيم أمسية فنية للملحن الجديد" و" 3 أصوات جديدة تغني للشيخ إمام" .. وفي ذلك التحقيق الأول عن الشيخ نشرت صورته وتحتها تعليق " مقدرة فنية رائعة .. ظلت سنوات في طي النسيان"، وفي مقدمة التحقيق ذكر أن الكواكب التقت بالشيخ إمام ولمست موهبته الأصيلة التي يمكنها تحريك ركود الغناء آنذاك، ولأن الكواكب تؤمن بموهبته الشيخ الذي ضاعت سنوات عمره خلف ستار النسيان، فقد أقامت له أمسية فنية كبيرة في نقابة الصحفيين، دعت إليها الكواكب الكثير من المطربين والملحنين والنقاد ليروا تلك الموهبة الجديدة .. واتفقت الكواكب أيضا مع ثلاثة مطربون جدد ليغنوا للشيخ إمام وهم عفاف راضي وليلى نظمي ومحمد حمام ، وتواصلت الكواكب مع المطربة فايدة كامل لتقوم بتقديم الحفل.

6 سنوات في الهواء

اشتمل تحقيق الكواكب على آراء أربعة من نجوم القلم والفن، وهم الكاتب كامل زهيري، الذي أشاد بالشيخ تحت عنوان "صيحة جديدة"، والكاتب عبد الرحمن الخميسي الذي أكد أن أنغام إمام أبهرته، والفنان محرم فؤاد الذي تمنى لو يملك المقومات لإقامة مسرح غنائي ليبدع فيه الشيخ إمام .. أما الشاعر أحمد فؤاد نجم فقد كتب عن أول لقاء له بالشيخ وكيف ولد أول لحن لإمام من كلمات نجم عام 1962 .. إذن حسب تأكيد نجم نفسه أن الشيخ صنع أول لحن له عم 1962، ومؤكد صنع العديد من الألحان في ست سنوات ضائعة قبل أن تكتشفه الكواكب وتضعه في دائرة الضوء.

 

ألف مستمع في نقابة الصحفيين

أقيم حفل الكواكب للشيخ إمام بنقابة الصحفيين بدءا من الساعة السابعة مساء يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 1968، حضره لفيف من النقاد والصحفيين، وكانت الكواكب قد دعت 400 شخص للحضور، فحضر ألف مستمع، قبل موعد الحفل بساعتين، واستقبل الحضور الشيخ إمام بحفاوة بالغة واستمعوا إلى صوته وألحانه بحماس وحرارة ورددوا معه ومعه المطربون أغاني الحفل بحماس شديد .. فغنت فايدة كامل أول لحن لها من ألحان الشيخ إمام بعنوان "حي على الفلاح"، ثم قدمت فقرات الحفل وغنت ليلى نظمي ومحمد حمام.

 

«الهلال» تحتفي بمئويته

إن كانت الكواكب قد كشفت النقاب عن موهبة الشيخ إمام، ودعمته وقدمته للأوساط الفنية والثقافية، وانطلقت مسيرة الرجل واشتهر بروائع ألحانه، فلم تنساه دار الهلال في أيامنا الحالية، ففي مئويته احتفت به مجلة الهلال، وأفرد له الزميل الكاتب الصحفي خالد ناجح رئيس تحرير المجلة معظم عدد مجلة الهلال "يوليو 2018"، واحتل الشيخ إمام غلافه تحت عنوان "100 عام على ميلاد صوت النضال الشيخ إمام" .. وكما أكدنا فإن شهرة الرجل وانطلاقته الفنية كانت بيد الكواكب ورئيس تحريرها رجاء النقاش، وزادته مجلة الهلال خلودا بعددها البديع عنه، والذي يعد مرجعا للباحثين والنقاد ولمحبي فن الشيخ إمام.