الجمعة 19 ابريل 2024

هل ينتهي عصر الصحافة الرقمية المجانية؟!

مقالات9-6-2022 | 02:39

هل ينتهي عصر الصحافة الرقمية المجانية؟!، ربما يكون السؤال صادما، لكنه طرح يحدث بالفعل منذ مطلع التسعينيات، وهنا أشير إلى تجربة نيويورك تايمز، التي افتتحت موقعها على شبكة الإنترنت عام 1996، وتم فتحه للجمهور من خلال تسجيل مسبق، مع استثناء مواطني الولايات المتحدة ومن يعيشون بداخلها حيث يمكنهم الوصول لها مجانا، وفي مايو 2005 أعلنت نيويورك تايمز أنها ستبدأ بفرض رسوم على بعض محتويات موقعها الإلكتروني، مثل الافتتاحيات والمقالات والأرشيف، ابتداء من سبتمبر 2005 وبتكلفة نحو 50 $ للاشتراك في الخدمة المعروفة باسم "تايم سيليكت" إلى جانب بعض الخدمات الإضافية، مثل الدخول المبكر إلى الملاحق والأقسام الخاصة مثل العقارات والسفر و الفنون، فيما تظل باقي الأخبار مجانية على موقع الصحيفة. واقع الصحافة الآن في المنطقة العربية يشير إلى ضرورة التفكير في نموذج اقتصادي يمكنه تحقيق الربح وتقديم محتوي يحافظ على المهنية وتقديم الحقيقة للقارئ، فالمقبل أكثر صعوبة خاصة مع استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج وموجه مقبلة من الركود التضخمي مع توقعات تشير إلى أزمة اقتصادية عالمية في ضوء استمرار حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ناهيك عن التأثير الكبير للمحتوي الذي يتم تداوله علي منصات التواصل الاجتماعي، الذي استطاع أن يجرف العديد من المواقع الصحفية و حساباتها الرسمية لمنافسة محتوي لا يتقيد بمعاير و تقاليد و مدونات السلوك المهنية، في محاولة لتحقيق الربح من أجل الاستمرارية، لكن كان هناك نتيجة سلبية كبيرة علي تلك المواقع الصحفية من بينها إعادة صياغة الصورة الذهنية لتك المؤسسات لدي العقل الجمعي للمجتمع، خاصة عندما تقدم المنصات الصحفية المحتوي دون سبب للنشر، إلي جانب كونه محتوي لا يرقي حتي للمناقشة في جلسات المقاهي، إذن ماذا تفعل المنصات الصحفية ذات الثقل و التي لا ترغب في الانزلاق لمنحدر (السحر و الشعوذة و مناقشة الحياة الخاصة لأفراد المجتمع)؟ وقبل الإجابة على السؤال المطروح سلفا أعتقد أن كافة المهتمين بالصحافة وبناء الرأي العام والزملاء الصحفيين اتمني أن يشاركوني الرأي و النقاش، و هنا في تصوري أنه لم يعد من المقبول تقديم المحتوي الصحفي الذي يتم تداوله في الصحافة المكتوبة بنفس الطريقة في البوابات الإلكترونية مع تغير (ظرف الزمن) فقط في حين نفتقد لأهم خصائص ساحة نشر المحتوي الصحفي و هو التفاعل مع الجمهور، ليس من المنطقي نشر المحتوي بنفس الصيغة ودون استغلال التعليقات التي يطرحها الجمهور في اعداد تقرير آخر يجيب على الأسئلة المطروحة، بل أن المنصات الصحفية تنجرف حول تدول فيديوهات لـ "المؤثرين علي مواقع التواصل الاجتماعي " فأصبح هؤلاء هم من يقود الصحافة و يصنع دوائر الرأي العام. وذلك نتيجة لمجموعة من الاسباب على غرار ضعف تدريب العنصر البشري علي معالجة المحتوي الصحفي عبر الأدوات الجديدة. علي سبيل المثال أضافت فيس بوك تقنية البث المباشر أو "اللايف" وهي التقنية التي تمكن المنصات الصحفية من بث الأحداث على الهواء. الأزمة تكمن في الأفكار التي يتم معالجتها عبر تلك التقنية و التي كشفت عن عورات و جرائم ترتكب باسم الصحافة، فالأزمة تعود في البداية لسياسة تحرير البث، فالمتابع لذلك المشهد يكتشف غياب السياسة التحريرية عنه، و بالتالي تحدث وقائع من قبيل طرح أسئلة في غير محلها و تبرز مشاهدها أكثر خلل أثناء جنازات المشاهير، وسؤال مكرر لضيوف اللايف من قبيل اسئلة هلامية عن مشاعر المشيعين تجاه الفقيد مثلا، أو لايف بلا موضوع جاد ممكن يكشف عن غياب الإعداد الجيد. لقد منحنا عقولنا عطلة بدلا من البحث عن أفكار تقع في دائرة اهتمام المواطن، ونتيجة لذلك يقع المتلقي في دائرة تأثير سلبية تجاه المنصات الصحفية ويفقد فيها الثقة وتتحول صورتها الذهنية لدي المتلقي إلى مجرد "مسخ" ويكون البديل بعض من "مؤثرين" يقدمون محتوي جلسات المقاهي. أعتقد أن لدينا خبراء في كليات الإعلام ومهنيين يمكنهم طرح الأمر لحوار مهني وأكاديمي للخروج بمدونة سلوك ترعي تطور أدوات الصحافة الجديدة، والبحث حول نموذج اقتصادي متطور لصناعة الصحافة، في ضوء دراسة تجارب مثل نيويورك تايمز، وإتاحة جانب من المحتوي الصحفي بمقابل، بحيث يمكن إنشاء محتوي يمتلك مميزات خاصة ومعالجة مهنية محترفة تقدم للمتلقي معلومات جديدة ومعالجة خاصة للمنصة الصحفية تتميز بها عن المنافسين في سوق العمل الصحفي.