الثلاثاء 21 مايو 2024

محمد حسن العمري: المشهد الكتابي يتراجع عالميا لصالح السينما والسوشيال.. والشللية والمجاملات عربيا

محمد حسن العمري

ثقافة20-6-2022 | 20:03

حوار: أحمد طايل

أجمل لحظاتى عندما أعيش بين بساتين الإبداع بكل روافده، أشعر كأننى حال معايشتى هذه الأوقات أُسْقِط عن كاهلى أعواما كثيرة، أعود صبياً، طفلاً، أضخ دماء جديدة إلى أوردتى، أتذكر حينما كنت أغلق باب حجرتى، لا أخرج منها إلا بعد التهام كتاب أو أكثر، مستمتعاً، مستوعباً، مضيفاً إلىّ أفكاراً، ورؤى، أتجاهل كل الطرقات والصرخات للخروج، القراءة تنسينى كل شىء، هى لدى هواء ينعشنى، أهم من أى غذاء آخر، ومن هنا كانت جوالاتى الدائمة ببحور وبساتين الكتابات على تعدد مصادرها، ومضامينها، لكى تفهم الحياة لابد لك من رصيد معرفى كبير، كلما زادت معرفتك، كلما أنت راسخ وثابت، ومتمكن من ذاتك، أيضا أعشق كتابات الآخرين، مصريين وعرب، قد أتوافق أو لا أتوافق معهم برؤياهم، فقط بكلتا الحالتين أنا فائز، لذا كان حوارى هذا مع كاتب أردنى، مهتم بأجناس إبداعية متنوعة، سوف نبحر سويا معه، في محاولة جادة لاكتشاف عوالم الكاتب والصديق "محمد حسن العمرى".

 

  • إذا أردنا التحليق بفضاء العالم الخاص بكم، إنسانيا، إبداعيا، إصدارات، ماذا ستنبئنا بالمعلوم وغير المعلوم عنكم؟

ولدت فى قرية صغيرة بشمال الأردم، اسمها كفركيفيا، الناس جميعا تعرف بعضها، ولذلك سرد الحكايات والاستماع لها بالنسبة لى كان حالة اجتماعية، كانت هى نواة عملى السردي، درست الصيدلة بالجامعة الأردنية واعمل بالطاع الدوائى منذ تخرجى قبل نحو ثلاثين سنة، بدات بكتابة المال والنص الأدبى منذ ثلاثين سنة عندما كنت طالبا بالجامعة، نشرت أول عمل روائى عام 2008 (وهن العظم مني) وتدور أحداثها حول التيارات السياسية فى الجامعة الأردنية فى التسعينات، ثم نشرت رواية (من زاوية أنثى) عام 2009 حول الحياة اليومية التفكيكية لرجل السياسة تحكى قصة وير أردنى يشتبك بقصتى حب باذختين، ثم نشرت هذا العام 2022 رواية للصغار يقرأها الكبار عنوانها (إحدى عشرة دجاجة).. وفى الطريق عملين روائئين عن تابوهات المجتمع الأردنى والمسكوت عنه فى قضايا شائكة، اجتماعية وسياسية!

 

  • البيئات التى يعيش بها أى صاحب قلم وتحربة هى حجر الأساس فى تكوين وبلورة شخصيته، إبداعه، حدثنا عن تاثير البيئة والنشأة فى كتاباتك، وعلى شخصك؟

نعم كتبت الرواية من البيئة وهى مادة الرواية الأولى حيث درست فى الجامعة فانتزعتها مادة للرواية، ثم كانت الرواية الثانية كذلك خلطت بين ما عشته فى بيئة القرية وبيئة المدينة، ثم كانت الرواية عن عالم الدجاج الذى هو واقع ريفى لا يمكن الفكاك منه، اما الشخصية فالبئية الريفية تصنع انسانا أكثر هدوءا وانضباطا من نزق من يعيش فى المدينة وصخبها، وهذا ما اعتقده!

 

  • متى تولد إليك الإحساس بأن داخلك بدايات لكاتب؟

أظن أن هذا الشعور تولد لدى وأنا أكتب مواضيع الإنشاء فى المدرسة حيث كات تلقى اهتماما خاصا من السادة المدرسين.

 

  • أول قارئ لك، وما رد فعله؟

الروائى المصرى عبد الحليم عبد الله، شجرة اللبلاب، شمس الخريف، بعد الغروب، لقيطة، الجنة العذراء، كلها كانت مادة عذبة باللغة والتصوير الفنى وخصوبة الخيال.

 

  • التجول بين الشوارع، الحوارى، الأزقة، والتحول من عمر إلى عمر، جعلك راصدا لحكايات، ومشاهدات، وسمعيات متعددة المصادر، وتنوع طرقها، ماذا لديك عن هذا، ومردوده عليك؟

أظن أننى التقط بشغف التفاصيل من كل ذلك، من جمعات الناس، من الشوارع، من الشجار الذى يقع أمام عيني،

تطور الزمن منذ الثمانينات إلى اليوم كان يكبر أمام عينى وأسجله، من الحرمان شبه الكامل إلى الوفرة والصعود فى كل شيء إلى أن وصل اليوم هذا العالم الرقمى المخيف!

 

  • الصحافة المدرسية، وإذاعة الصباح، حصص المكتبة، ومسابقاتها، مدى تأثيرها على موهبتك وملكتك الابداعية؟

كنت ناشطا فى الإذاعة المدرسية ومسابقات المطالعة وزبون دائم لدى مكتبة المدرسة، لكن ذلك كان بشكل أكبر فى الجامعة حيث بدأت النشر المطبوع فى مجلات أردنية وعربية كثيرة، فى الجامعة كانت الأجواء السياسية اكثر انفتاحا.

 

  • إصدارك الأول، كيف كان إستقباله منك، من محيطك الأسرى، من القراء، من النقاد، من النوافذ الإعلامية؟
  • عام 2008 أصدرت رواية (وهن العظم مني..حوارات أجيال من بوابة الجامعة الأردنية) عائليا مؤكد أنه لاقى ترحيبا حميما، على المستوى العام، كانت الرواية قد صدرت عن دار أزمنة وصاحبها الروائى الراحل الياس فركوح، كان يقول لى أنها الأكثر مبيعا، كتب عنها الكثير من المقالات وقتها وقتها، أتذكر كتب عنها الأستاذ إبراهيم غرايبة مقالا فى صحيفة الغد والأستاذ ياسر الزعاترة فى جريدة الدستور والدكتور يوسف ربابعة فى ملحق الرأى الثقافي، وكتب عنها أيضا وزير الثقافة الدكتور محمد أبو رمان فى الغد كذلك، وكتب عنها أيضا الدكتور أحمد جميل عزم مقالا مطولا فى الغد كذلك، كان هذا بالنسبة لى نقلة نوعية على صعيد ولوج عالم الكتابة خارج حدود التجربة الصحافية المحدودة.

 

  • حينما تجلس أمام مكتبك، تمسك بالقلم، تفتح أوراقك، تبدأ بالكتابة، ما الأهداف التى تكون أمام بصرك؟

تكون الفكرة قد تكونت لدى قبل أن أمسك القلم، ربما قبل الكتابة بساعة أو بيوم أو ربما بشهر، تتكون الفكرة من تلقاء نفسها..!

 

  • ما حلمك التى تتمناه من خلال الكتابة؟

فقط أن أقول ما عندى ليس إلا.

 

  • هل وجدت نقدا يرحب بك، وكيف هى رؤيتك للنقد، هل له دور يساعد على إثراء الحياة الثقافية؟

وجدت الكثير من النقد المنشور على ما أكتب، إيجابا وسلبا، كله يعنينى وأنظر له بعين الرضى والتحليل.

 

  • المنظومة الثقافية، أو المشهد الثقافى الراهن، كيف تشاهده، اقليميا، عربيا، عالميا؟

عربيا المشهد الثقافى مظلم جدا، أدب الرصيف والكتابة وفق ما يريده المتلقى والمنتديات الثقافية حيث تتكرس الشلل والمجاملات والجوائز الترضية..

عالميا المشهد الثقافى الكتابى أيضا يتراجع لصالح السينما وعالم السوشيال ميديا لكننى لست متابعا بشكل حثيث.

 

  • السيرة الذاتية، صارت سائدة، هل ترى ضرورية وجود مقومات محددة لهذا النوع من الكتابة؟

السيرة الذاتية العربية ليست سوى كذب وتدليس وتجميل لواقع غير حقيقي، وخصوصا إذا صدرت عن المثقف السياسي، أظن لو ينتهى هذا النوع من الكتابة أفضل للجميع.

 

  • كتبت لليافعين، أراه من أصعب الكتابات، حدثنا عن تجاربك بهذا المجال؟

نعم صحيح صعب جدا، كتبت رواية إحدى عشرة دجاجة: رواية للصغار يرأها الكبار...ما لم أستطع كتابته بالأدب الصريح كتبته فيها رمزيا.

 

  • كيف ترسم شخصيات رواياتك وقصصك قبل ان تضعها على الورق؟

غالبا أجعل الشخصية تتقمص شخصية حيقية فى ذهني، وهذا ما يجعلنى أتصورها حقيقية.

 

  • كاتب وكاتبة كنت تتمنى أن تراهم حقيقة، ولماذا؟

نجيب محفوظ قطعا، ببساطة لأن ما يكتبه يملأ رأسى كما يقولون!

  • ما المشروع الذى تتمنى إنجازه ويكون تتويجا مسيرتك؟

روايتان تصوران تابوهات المجتمع الأردنى بتركيبتيه من الأصول الفلسطينية والأردنية.

 

  • المحافل والمؤتمرات الثقافية، والمسابقات، والجوائز. هل تمتثل للتقارب السياسى لا أكثر؟

هى كذلك فعلا!

 

  • ما مدى التاثيرات المجتمعية والسياسية على كتاباتك؟

أنا لا أكتب إلا من خبايا المجتمع، أحاول أن أحفره ما استطعت!

 

  • ما نظرتك للعولمة الثقافية؟

أعتقد من الشبكة العنكبوتية العولمة الثقافية تتجه لأن تصبح واقعا يجب أن نكون جاهزين لعبوره نحن العرب.. وإلى الآن لا يوجد منظومة عالمية قوية تقرأ للعرب، اللهم إلا من الكتاب العرب الذين عاشوا فى المهجر، مثل ادوارد سعيد وأركون أمين المعلوف مثلا..

 

  • كيف نكون على توازن مع الثقافات الغربية؟

أن نكتب أدبا إنسانيا يستحق التقدير، وأن ننقل قضايانا بدون تطرف.

 

  • الترجمات من العربية وإلى العربية هل تتمتع بامانة الترجمة ونقل رؤى الكاتب الحقيقى؟

غالبا هذه تقع على عاتق المترجم، أحيانا أقرأ كتابا له ترجمتين مختلفتين كل واحدة تأخذك إلى فكرة مختلفة بحسب لغة الكاتب المترجم وليس الكاتب الأصل!

 

  • ما مدى الحلم عندك، إنسانيا، إبداعيا؟

أحاول لا أحلم كثيرا، وأكون واقعيا ابن يومى فقط!

 

  • هل الكاتب لابد أن يكون طموحه بلا سقف محدد؟

أحسب أن يكون واقعيا ويحدد سقفه بما يحتمل العالم من حوله.

 

  • هل أنت راض عن منجزك الإبداعي؟

حتى اللحظة لا، أحاول أن أصل إلى هذا الرضى لاحقا.

 

  • مصادر فكرية أخرى تبحث عنها دائما دون القراءات الأدبية؟

أقرأ فى السياسة والفكر والدين والفن...وأحاول أن أشارك ما استطعت فى المهرجانات واللقاءات فى كل الاتجاهات.
 

  • دور الثقافة بمجتمعاتها، هل لها دور فعلى ومؤثر، أم أن دورها غائب، وكيف نحيى دورها المطلوب؟

الثقافة عربيا ليست سوى اكسسوار..لا تحظى بأى سند حكومى أو شعبي.. ربما يكون هذا مهمة الطرفين الحكومات والمثقفين معا.

 

  • قبل ذهابك لأى من معارض الكتب، هل تحدد أسماء معينة لإقتناء اصداراتها، وأسبابه؟

إطلاقا..أفتش عن الغريب والجديد غالبا.

 

  • لو توليت مسئولية الثقافة، ما الذى سوف تخطه من مشروعات وتوصيات؟

لا أتمنى أن لا أتولى ذلك ولذلك ليست فى رأسى أى توصيات.

 

  • رسائلك الخاصة لـ "الأب، الأم، معلمك الأول، الزوجة، الأبناء، إليك أنت".

الأب والأم فى ملكوت الله اأتمنى أن يكونوا راضين عنى فقط، معلمى الأول أستاذ لغة عربية رحل هذا العام أيضا إلى الله، قال لى عند كتابة موضوع الإنشاء: هذه كتابات أدباء وليست طلابا، أتمنى أن يكون هو كذلك راضيا مرضيا،

الزوجة والأبناء: أن يصبروا على قليلا حتى أستطيع أن أكتب..ولى أنا أيضا أن امتلك طولة البال حتى أستطيع أن أكتب.

 

  • رسائلك العامة لـ الثقافة العربية، المثقفين على عموم كتاباتهم، النقاد، القراء، دور النشر، الصحافة الأدبية، الجوائز العربية، الكتاب الجدد.

الثقافة العربية: الاعتدال ثم الاعتدال والبعد عن العنصرية..

المثقفون على عموم كتاباتهم: بعضا من الموضوعية والمصداقية حتى يخسركم الناس.

النقاد: النقد من أجل الأدب لا من أجل الصداقات أو العداوات..

القراء: القراءة ثم القراءة..

دور النشر: الكتاب سلعة صحيح، وله ثمن، لكنه ليس مصدر ثراء.

 

المحاور: أحمد طايل