رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن أوروبا تحتاج إلى رادع نووي أقوى في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأكدت الصحيفة أن الرئيس الروسي أعاد النقاش الأوروبي المؤجل إلى الواجهة مرة أخرى، والذي يتناول مسألة مهمة: هل تحتاج أوروبا إلى ترسانتها النووية الخاصة لردع هجوم روسي محتمل، الآن أو في المستقبل؟
وخلال الحرب الباردة، بدا أن الأمر مستقر، إذ لجأت الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" للحماية تحت المظلة الأمريكية.
ووفقاً لاتفاق المشاركة النووية للناتو، تستضيف 5 من الدول الأعضاء: بلجيكا، وهولندا، وألمانيا، وإيطاليا، وتركيا، حوالي 100 سلاح نووي أمريكي على أراضيها، من أجل الرد على أي هجوم روسي. وسيكون الحلفاء قادرين على اسقاط هذه القنابل الأمريكية من طائراتهم.
وإلى جانب الأسلحة الأمريكية، تملك فرنسا وبريطانيا الترسانة النووية الخاصة بهما، ولكن فرنسا لجأت دوماً إلى إبعاد أسلحتها النووية عن الإستراتيجيات المشتركة للتحالف الغربي، وهي الدولة الوحيدة ضمن أعضاء الناتو الثلاثين التي لا تشترك في مجموعة التخطيط النووي للحلف.
وحتى قبل العملية العسكرية الروسية التي شنها بوتين في أوكرانيا في الـ24 من فبراير الماضي، أعرب بعض الأوروبيين عن خوفهم من أن المظلة الأمريكية أصبحت أقل فاعلية، وبالتالي أقل ردعاً، إذ حوّلت الولايات المتحدة تركيزها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وبشكل خاص من أجل احتواء الصين، التي تعمل حالياً على تطوير ترسانتها سريعاً.
وذكرت "واشنطن بوست" أن الولايات المتحدة وضعت سيناريو لنشوب حربين في توقيت واحد، إذ حذّر خبراء من أن واشنطن في تلك الحالة، ستعطي الأولوية لالتزاماتها في آسيا، وحلفاء مثل: كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان.
وأضافت أن الأسوأ من ذلك، ما قام به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أثار رعب الأوروبيين، عندما شكّك في قدرات الدفاع المشترك في الناتو، بل وقام بدراسة انسحاب الولايات المتحدة من الحلف.
ورحل ترامب عن السلطة، ولكنه أو أي رئيس أمريكي آخر مثله يمكن أن يعود. وعلى المدى البعيد، فإن الثقة في الولايات المتحدة كحامٍ لأوروبا تراجعت بقوة عما كانت عليه في السابق.
وقالت: "الأهم من ذلك، أن بوتين أصبح أكثر جرأة في الحديث عن استخدام الأسلحة النووية، من خلال التهديدات شبه المباشرة بأنه يمكن أن يستخدم تلك الأسلحة ضد أوكرانيا أو دول غربية تتدخل في الحرب. ورغم الشعور بأن الرئيس الروسي يضخّم الأمور، إلا أن الأوروبيين من البلطيق إلى بولندا وأبعد من ذلك، يريدون أن يعرفوا ما الخطة البديلة؟".
وفي أحد السيناريوهات، يمكن لفرنسا أن توسّع مظلتها النووية لتشمل الاتحاد الأوروبي بأكمله، إذ لم تعد بريطانيا عضواً فيه. ويتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كثيراً عن تحقيق الحكم الذاتي الأوروبي، والذي يقصد به الاستقلال عن الولايات المتحدة، ولكن من الناحية العملية، فإن الفرنسيين ليس لديهم الاستعداد أو القدرة على ذلك. فمنذ الرئيس الأسبق شارل ديجول، أصرّت فرنسا على السيادة التامة على أسلحتها النووية، وكل القرارات الخاصة بها.
وفي الوقت ذاته، فإن الترسانة النووية الفرنسية ليست مناسبة لهذا الدور، لأنها تمتلك حوالي 290 سلاحاً نووياً فقط. وفي حال اندلاع حرب شاملة مع خصم مثل روسيا، يمتلك الآلاف من الأسلحة النووية، فإن موسكو يمكن أن تكون قادرة على ضرب هذه الأسلحة في هجوم استباقي، وبالتالي، فإن الردع لا ينجح إلا إذا كان الرد مضموناً.
كما أن الأسلحة النووية الفرنسية هي أيضاً من النوع الخطأ. إنها "إستراتيجية"- أي أن القنابل قادرة على إحداث الكثير من الدمار في هيروشيما، وبالتالي يُقصد استخدامها فقط في سيناريو حرب شاملة للقضاء على مدن بأكملها في موطن العدو.
ومع ذلك، إذا قامت روسيا بالتصعيد، فإنها ستفعل ذلك بأسلحة نووية "تكتيكية"- رؤوس حربية أصغر يتمّ نشرها على مسافات قصيرة لإجبار العدو على الخضوع أو كسب معارك محددة. من غير المتوقّع أن تقوم فرنسا (أو أي بلد آخر) بالرد على الضربة التكتيكية الأولية والمحدودة بالذهاب مباشرة إلى الانتقام الاستراتيجي.
وقالت "واشنطن بوست" إنه في الوقت الحالي، فإن الرد الواقعي على بوتين هو الحفاظ على المظلة الأمريكية وترميمها، من خلال المزيد من الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية، ونشرها في أماكن أكثر. وهذه هي اللغة الوحيدة المفهومة في روسيا والصين، وربما تكون أيضاً، هي الطريقة الوحيدة لإبطاء وتيرة تحول الدول الأخرى، حليفة أو معادية، إلى الطاقة النووية.