حــوار أجراه : محمد عبدالحافظ
كعادته جاء الحوار معه نافذا إلى أعماق النفس المصرية فى وقت شديد الحساسية من عمر التجربة المصرية المعاصرة، وكعادته جاءت آراؤه صادمة لا التفاف فيها أو مواربة، ومن هو أجدر من الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة «أبو الطب النفسى» فى مصر على تشريح نفسية الإنسان المصرى فى ظل كل الضغوط والأزمات التى تواجهه ؟ ومن هو أفضل منه لتقديم نظرة مستقبلية أو «روشتة» علاج لما يجب أن نفعله كى نتجاوز ما نحن فيه؟
ولذلك كانت إجاباته فى هذا الحوار الذى خص به «طبيبك الخاص» بقدر اتساع صدره ونفاذ بصيرته وغزارة علمه وقدرته على بعث مزيد من الطاقة الإيجابية فى النفوس.. أنا شخصيا ذهبت إليه أحمل هموم الناس والعشرات من علامات الاستفهام، وفور أن دخلت عليه ومنحنى قطعة من «الشيكولاتة».. وبعدها انهالت التفاصيل إلى أن غادرته وأنا أكثر تفاؤلا بالغد رغم كل ما تبدو عليه صورة المجتمع المصرى من قتامة وتجهم، وأظنكم سوف تشاركوننى هذا الإحساس فور الإنتهاء من قراءة سطور هذا الحوار المهم .
الإعلام ينشر أخباراً بطريقة استفزازية تزيد حالات الخوف والقلق لدى الفتيات
عندما يقرأنها
لا ينشر فى إعلام أي بلد ما ننشره عن تدهور الأخلاق وانحطاط القيم..
السعادة عملية عقلية.. والمتعة واللذة في شرب الخمر أو الحشيش أو ممارسة الجنس «عملية جسدية وقتية»
نحن نجلد ذاتنا أكثر من أي دولة ونُكبر الأشياء الصغيرة ونظل نهلل لها ونسعى دائماً لفضيحة أنفسنا
هناك «ناس بتموت فى سيناء ونحن جالسون فى التكيف وبنشتكي» فكلما شاركت الناس فى المحنة زاد الانتماء.. فلابد أن نتألم حتى نُحقق النجاح
فخور جداً بـ«طبيبك الخاص».. وأنا كطبيب قرأت عن أشياء كثيرة فى الإعلام الطبي وليس فى موسوعة علمية
تنتشر في الصفحات الأولى للصحف أخبار مثل: زنا المحارم، وتحرش الآباء، وقتل الأقارب.. ألا ترى أن هذا النشر الموسع يزيد من حجم انتشار هذه الجرائم بالفعل؟
- لاشك أن الإعلام يلعب الدور الأعظم في تشكيل الوعي، ومن ثم يجب أن يحتل ضمير الإعلام مسئولية كبرى في الاتصال بالجماهير، سواء المقروء أو المرئي، وأكره التعميم، فمازال البعض يكتب عن وعي بناء، فمثلا تنشر في الصفحات الأولى أخبار عن زنا المحارم، وتحرش الآباء، وقتل الأقارب، وأنها انتشرت في مصر، مع العلم أن الظاهرة لها نسبة معينة، وما يحدث هو حوادث فردية موجودة في كل دول العالم، وبنسب أعلى من مصر؛ لكنها لا تنشر في وسائل الإعلام بهذه الطريقة الاستفزازية، مما يتسبب في ازدياد حالات الخوف والقلق التي انتابت الأسرة المصرية والفتيات الصغيرات عندما يقرأن هذه الأخبار.. وتوجد قاعدة نفسية أنه كلما توجه الإعلام للمُبالغة في ظاهرة تزيد المحاكاة والانتشار في ممارستها، والإقدام عليها دون ندم أو حرج.
ويوجد دراسات عالمية تؤكد أنه كلما تعرض القارئ أو المشاهد لمناظر تجعله في حالة تشوق أو انبهار أو في حالة تقزز، كلما زادت اهتمامه بها.
بمعنى أنك إذا تحدثت عن الانتحار بصفة مستمرة في الصفحة الأولى في الصحف تزيد نسبة الانتحار، وإذا تحدثت عن الإدمان يحدث ذلك ولدينا أمثلة كثيرة جداً فهناك أفلام كثيرة تُحارب الإدمان وعقب مشاهدتها من قبل الشخص الذي لم يجرب الإدمان يبدأ في التجريب، فمثلاً (المدمنين ليس عندهم مسألة الخوف من مصير الأجيال.. هم يريدون جائزة فورية)، وبالتالي عندما يصور في الفيلم جلسات “المزاج” والنساء والخمر والشرب، وبعد ذلك تقول له سوف يتم القبض عليك وتموت هذا لا يهمه.
كذلك إذا تحدثت عن زنا المحارم، أنا حضرت لي مريضة في حالة رغب لأن عمها وأباها هما من أحضراها، وكانت تخاف من أن يقتربوا منها، وهي عمرها 12 عاماً وإذا لم تكن شهدت هذه الأشياء ما حضرت لي.. وأتذكر التجربة التي تم تطبيقها في السويد أنهم طالبوا الصحف بعدم الحديث عن الانتحار لمدة 6 أشهر، والذي حدث أنه بعد 6 أشهر وجدوا حالات الانتحار انخفضت بنسبة كبيرة. فهناك إعلاميين متميزين وهناك من ليس لهم بصيرة من نشر هذه الأخبار، فعندما تقول على حادثة وقعت إنها ظاهرة بمصر والذي وقع فقط حالة أو حالتين هذه لا تكتب في أول صفحة أبداً، لأنها ليست ظاهرة، فلابد أن يكون هناك وعي للإعلامي وما الذي ينشره، ولو كان يُريد أن يكتبها يقول إنها “حالة فردية وحدثت في المكان الفلاني ويكتبها في الصفحات الداخلية وليست الصفحة الأولى”.
ما ملاحظاتك على الإعلام المصري؟
- حدث انفلات إعلامي مثلما حدث انفلات أخلاقي ونفسي وأمني عقب ثورة “25 يناير” فكان كل إنسان يُريد أن يكتب أي شيء يكتبه، لا أحد يمنعه أنت تستطيع على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” أن تضع أي شائعة، ونحن لا نستطيع أن نتحكم في الإنترنت فلذلك لا يجب أن نصدق أي شيء، والمفروض أن الإعلام لا يُقلد “الفيسبوك”، وأن يكون أكثر انضباطاً.. وواضح جداً أن الانفلات الضميري الذي حدث بعد الثورة وغياب القانون وغياب الشرطة افقد كثيراً من الضبط الأخلاقي الموجود في أي أمه، وكان سببه بعض الإعلاميين، فهناك بعض الإعلاميين والصحفيين يفكروا في كل شيء، والبعض الآخر مُندفعون إرضاءً لرئيس التحرير فيكتب أي خبر حتى لو كان تأثيره على المواطن سلبياً.
هناك بعض الصحف نشرت عن ضبط كميات من الحشيش والمخدرات في عيد الفطر مثلاً.. ما رأيك في هذه الأخبار؟
- هذا يحدث في كل العالم، وفي الدول الأوربية عادة في نهاية الأسبوع يذهبون للبار لأنه يحدث نوع من السعادة ويتم ضبط مخالفين ولا أحد يذكرهم، وفى الماضى كان المصريون يقضون ليلة الخميس من كل شهر ويستمعوا بكوكب الشرق أم كلثوم، وكان القادر يأتي بالخمر ويشرب في منزله أثناء سماعه كوكب الشرق، والبعض الآخر يحضر سيجارة أو سيجارتى حشيش ثم بعد ذلك «يقوم بالعلاقة الزوجية»، ثم يذهب في اليوم التالي ليصلي الجمعة وهو في سعادة.
وهل هذه سعادة حقيقية أم زائفة؟
سعادة وهمية، فالسعادة عملية عقلية، والمتعة واللذة عملية جسدية وقتية، فالسعادة ثبت أنها ليست في النفوذ أو القوة أو الثروة إطلاقاً، فالسعادة تأتي بالعلاقات في داخل الأسرة والنوادي والمجتمع.. أما اللذة سواء في شرب الخمر أو الحشيش أو الجنس فهي وقتية.
لكن المصري دائماً لديه اعتقاد أنه عندما يشرب الحشيش أو الخمور خاصة في المُناسبات سوف يشعر بالسعادة؟
- كل هذا خداع ذاتي، لأن كل هذه الأشياء ثبت أنها تفعل أشياء سلبية على المخ، وتنتهي بأعراض ضمور في المخ.
وهل يعيش المجتمع حالة “جلد الذات”؟ وما سببها؟
- لم أشاهد في حياتي، الصحف والإعلام والتلفزيون يأخذ كل ما في المجتمع وينقله، لماذا كل هذا الجلد الذاتي في مصر؟!، لا ينشر في إعلام أي بلد ما ننشره في مصر عن تدهور الأخلاق، وانحطاط القيم، ولا تعرض أي سينما بالعالم في معظم أفلامها المخدرات أو الجريمة وانهيار القيم كما نفعل.. ومن يشاهد أفلام الإدمان يقول إن “الشعب المصري أصبح في انفلات” لا، لدينا حالات، ونسب أقل بكثير من العالم، فمثلاً الشذوذ في مصر موجود في كل دول العالم لكن بنسب مُعينة، فإذا كان هناك انفلات ومجرمين فهذا طبيعي، فالموجودين في السجون بالولايات المتحدة في قضايا الشذوذ أكثر من أي بلد في العالم.
وما السبب في ذلك؟
- عندهم مسموح بحمل السلاح، ويوجد حرية شخصية، فضلاً عن الابتعاد عن الإيمان والدين، فمثلاً عندهم زيادة في حالات الانتحار؛ لكن لا يذكرونها في الصفحة الأولى، وفي مصر نحن نكتبها بالصفحة الأولى. فمثلاً وجدوا شخصاً في الدنمارك منذ 16 سنة جمع 4 بنات صغيرات في بدروم بعد خطفهن؛ إلا أن واحدة هربت وأبلغت عنه.. فزنا المحارم في الخارج وفى الدول العربية نسبته أكثر بكثير من مصر.
وهل يوجد زنا محارم في الدول العربية؟
- لا يوجد إعلام في أي بلد عربي يهين بلده بهذا الشكل.. وأقول إن الحرية في الإعلام بمصر تفوق أي دولة عربية، والدول العربية يحدث فيها الكثير؛ لكن السجلات الموجودة في هذه الدول عن الظواهر التي تتعلق بالدين لا يعلنوا عنها، فالانتحار موجود في الدول الإسلامية، صحيح أنه أقل من دول العالم؛ إلا أنه موجود ولا أحد يُبلغ عنه، في الخارج يبلغون عنه لأنه قتل نفس، ومن يفعل ذلك يُعد قاتلاً وهي جريمة في الدين.. ففي أي بلد عربى هل يجرؤ أحد أن يكتب شيء ضد الحاكم؟، لكن في مصر نكتب ضد الحاكم، وبعد ذلك نقول إن حقوق الإنسان “مضروبة” عندنا، فنحن نجلد ذاتنا أكثر من أي دولة، ونُكبر الأشياء الصغيرة ونظل نهلل لها، ونسعى دائماً إلى فضيحة الذات.
لكن قبل السبعينات من القرن الماضي كانت الصحف تأخذ مانشتات الصفحات الأولى من الحوادث وبجوارها خبر لجمال عبد الناصر؟
- كان هناك صراع فكري بين عبدالناصر وآخرين، ولم تكن بناء على أي شىء، حتى السخرية، المصريون عاشوا تحت الاحتلال آلاف السنين، ابن خلدون وجمال حمدان في وصف الشخصية المصرية قالا لديها نوع من الخنوع والانفعال والعصبية، وعدم المثابرة، وروح الفكاهة والسخرية من ذاتها، فالنكتة عدوان سلبي، أنت لا تنكت في غيرك وهذا عدوان، فضلاً عن الهروب من القهر بالسخرية، ليس هناك “ناس في أي بلد بيسخرون من أنفسهم وينكتون على أنفسهم” أكثر من المصريين.. وهذا جلد ذاتي يجعل الأجيال ليس لديهم انتماء.
ألا يُعد ذلك تفريغاً لهمومهم؟
- لا، لأن النكة حالة وقتيه لكنها تحطم الثقة بالنفس، تجد أن بعض الصحف تنشر مقالات تشيع اليأس والتشاؤم وبسيط منهم من يُعطي تفاؤل، ونحن ليس لدينا رفاهية خاصة الآن وليس لدينا أمل سوى التفاؤل، فالتشاؤم هو الموت، والتفاؤل هو المستقبل.
ولماذا يزيد النشر في مصر عن هذه الحالات أكثر من البلدان العربية؟ هل لأن هناك حرية أكبر؟
- لا شك أم الحرية الموجودة الآن هي أكثر والرئيس السيسي قال “الموازنة بين الأمن وحقوق الإنسان مسألة من أصعب ما يُمكن”.. “اشمعنى إحنا بنتريق على نفسنا ونقول حقوق الإنسان” ولدينا حالة طوارئ وإرهاب في سيناء، ورجال الشرطة والجيش والقضاء يموتون.
الحالة النفسية لدى المواطن الآن سيئة نتيجة ارتفاع الأسعار رغم التقدم الذي أحرزه الرئيس في الكثير من الملفات؟
الرئيس قام بشيء لم يقم به حاكم منذ الفراعنة وهو أنه قال لهم سوف نلغي الدعم، وكان ممكناً له أن يفعل مثل الحكام السابقين، يلبسها حتى يسلمها لمن بعده، بدون أي مصلحة، فالسيسي ضحي بشعبيته حتى ينقذ البلاد من الإفلاس، لابد أن نتحمل، تاريخيا الناس “مش عارفه اللي حصل” في بريطانيا وألمانيا، المرأة لو كانت تريد أن تأكل ساندويتشاً كان عليها أن تسلم نفسها، ووصل حد الفقر في انجلترا إلى أنها كانت توزع البيض بدرة، وكان لا يوجد لحوم وسكر.. وهذا لم يحدث عندنا، فهناك “ناس بيموتوا في سيناء ونحن جالسون في التكييف وبنشتكي” فكلما شاركت الناس في المحنة زاد الانتماء، فلابد أن نتألم حتى نحقق النجاح.. فمن يتحمل يشعر بمعنى النجاح.. تلاحظ لا يوجد أحد اهتم بالفقير إلا مصر، وهذا لم يحدث في أي دولة أخرى.
القيادة الحالية «مفتحة عينها» ولدينا شيئين في النفسية المصرية، أن المصري يريد اللذة الفورية وليست الآجلة، فالمصري ليس لديه الصبر، يتحمس لأي مشروع لكن المثابرة سرعان ما تخفت، وحبه للعمل قليل، ولا يحب العمل إلا من أجل المقابل فقط، فمثلاً لابد أن نعمل مثل الرئيس والحكومة.
وهل الإعلام جعل مشكلات مزمنة كالثانوية العامة “مُتلازمة مرضية”.. هل هذا صحيح؟
- نعم، منذ 30 عاماً كنت أقدم برنامجاً اسمه “تذكرة نجاح”، وكان المُعد وقتها مفيد فوزي، وكنت أتحدث عن الثانوية مع الطلاب بضرورة الاعتماد على الله وعلى النفس والمذاكرة بالليل، ثم نعرض أغنية عبد الحليم حافظ “الناجح يرفع أيده” وكان لذلك تأثير كبير.. ولم يكن من 30 سنة هناك خوف من الثانوية مثل الآن، فمٌتلازمة الثانوية العامة القلق والخوف من أفراد الأسرة مع الطالب نفسه، وعدم الثقة بالنفس، وعدم الإحساس بالمستقبل.. لم أر في حياتي بكل دول العالم أن يشتكى الطالب من صعوبة الامتحان من بدايته والمفروض أنني أفرز من هذا الامتحان المتميزين من الضعفاء، لأن الامتحان لو كان سهلاً ونجح الجميع يكون هذا مصيبة كبيرة.. لكن كل أب وأم يريدون أبنائهم أن يحصلوا على شهادة حتى لو كانت بالشراء والفساد.. فالطلاب يمتحنون في السعودية والكويت والإمارات ولبنان لا أحد يأتي بسيرة عن هذه الامتحانات.. فالثانوية العامة ظاهرة مصرية بحتة تدل على سطحية شديدة جداً في القائمين على الإعلام، وأنا كنت أدعو أن يعتبروا الثانوية مثل ثانية ابتدائي مثلاً، أو ثالثة حقوق.. وكان لي رجاء أن الإعلام لا يتحدث عن الثانوية العامة، غير معقول أن إعلاماً “يبهدل البلد”.
لم اقرأ أو أشاهد في أي إعلاماً في العالم الحديث عن الثانوية العامة، وبكاء البنات في الصفحة الأولى، وإثارة الخوف والقلق للطالب والأسرة.
هل ترى انعكاس هذا الأداء الإعلامي في عيادتك النفسية؟
أه طبعاً، يحضر لي أشخاص ومرضى وأتحدث مع آخرين، ومع مرضاي الذين غالباً ما يصبحوا أصدقاء لي بعد ذلك.
كيف نكتسب ثقافة ومسئولية نشر المعلومة؟ وكيف يُمكن للإعلامي معرفة الأثر النفسي للمعلومة قبل بثها أو نشرها؟
هذا هو عمل اللجنة العليا لتنظيم الإعلام، وموجود في بلاد العالم أن هناك ميثاق شرف، بعدم كتابة أي شيء يكون له تأثير سلبي، وعدم كتابة أي جملة تضر بالمجتمع، فضلاً عن البعد عن الأشياء المُخلة بالمجتمع.. إلى الآن لا يوجد بلد تأتي بشخص يتحدث عن الجن والشعوذة، فنحن نبخس بفكر المصري ليعيش في خزعبلات، الناس كلها صعدت القمر ونحن نتحدث عن الجن، وعالم الجن غير عالم الإنس.. وهذه من الأشياء الغريبة في المجتمع المصري.
الإعلاميون يقولون إن ما يقدمونه هو الحقيقة.. فهل المطلوب منهم أن يتجاهلوا الحقائق لكي يحموا الحالة النفسية للمشاهدين؟
نعم، هناك بعض الحقائق تكون آثارها مُقلقة جداً وللصالح العالم لا يجب قولها، ففي أثناء الحروب نخفي أشياء كثيرة حتى لا نُقلق الناس، والله خلق العقول ليست كلها واحدة في الذكاء، وعندما أعرض شيء قد لا تستوعبه بعض العقول، فالتلفزيون ثورة خطيرة جداً وأيضاً الإعلام. فيوجد الكثير من الإعلاميين يدققون في المعلومة ويفكرون قبل نشرها، فالمصلحة العامة أكثر من السبق الصحفي.
لو مثلاً في قضية مثل القبض على الفنانة أصالة نصري بتهمة حيازة الكوكايين.. هل ينشرها الإعلام أم لا؟
- يمكن أن ينشرها ويمكن أن يتجاهلها، في فرنسا لا يُمكن الحديث عن حياة الأشخاص، عكس أمريكا هي تفضح ذلك.
من تُتابع من الإعلاميين الآن؟
- هناك كُتاب كُثيرون، وهناك كُتاب لديهم نوع من السطحية.
ظاهرة الفوضى الإعلامية هذه في حاجة إلى ضوابط.. كيف تُحدد هذه الضوابط من زاوية الطب النفسي؟
- الضوابط، بأن أي شخص يجب أن يكون لديه ضمير عندما يعمل في كل المجالات، فالطيب يجب أن يكون عنده ضمير، والبائع، والمهندس، والموظف، وأيضا الصحفي والإعلامي لابد أن يكون عنده ضمير.
هذا عن الإعلام المرئي والمسموع.. فماذا عن “طبيبك الخاص” المجلة التي تحبها وتحبك.. وتستعد لعيدها الخمسين في يناير القادم؟ كيف تراها كقارئ قديم وكيف تطورت؟
- “طبيبك الخاص” لديها معزة لدي، وكان من أعز أصدقائي المرحوم د.رفعت كمال عندما عدت من الخارج، رفعت سألني ما غرضك في الحياة، قلت له: أُغير شكل المرض العقلي في مصر مثل الخارج، وقعدت معه 10 سنوات «نعمل مقالات كل شهر، نعمل وعي، أول حاجة عملتها سميتها “الطب النفسي” سنة 65 وكان اسمه مرض عقلي وأنا سميته الطب النفسي، وثاني شيء وصف المريض والطبيب النفسي»».. لذلك أنا فخور جدا بـ”طبيبك الخاص” وكنت أول طبيب نفسي يظهر في التلفزيون، وكان أسود وأبيض وجاءني الراحل أنيس منصور وهو المعد وقال لي: “عايزك” تظهر في أكبر برنامج في مصر “نجمك المفضل” الذي تقدمه ليلي رستم وهو البرنامج الذي ظهر فيه العقاد وطه حسين، وقلت له: أنا لست نجماً.. رد على أنت نجم لأنك أول طبيب مصري للطب النفسي، وكان أول مرة يظهر طبيب نفسي بشكل محترم وليس للسخرية، والآن تفتح التلفزيون تجد العديد من الأطباء النفسيين من تلاميذي.. وبعد ذلك جاءت محمد رفعت وشاركت معه أيضا في المجلة.
وما أهم عيوب مجلة “طبيبك الخاص” بصراحة.. وما أهم مميزاتها؟
- الرغبة في “طبيبك الخاص” أنها تأخذ موضوعات كثيرة مما يجعلها لا تأخذ حقها، فبدلاً من التحاور مع 15 طبيباً نكتفى بـ3 فقط، المرض النفسي مثلا له علاقة بالسرطان والضغط، والضعف الجنسي والأرق والسكر، فلابد من أخذ الموضوع شاملاًً.
وهل القارئ لا يزال يحتاج إلى تلقى الثقافة الطبية من مجلة بينما هناك فضائيات طبية ومواقع إلكترونية طبية؟
في كل بلاد العالم لا يمكن الاستغناء عن الصحافة الطبية والإعلام الطبي، مثلاً “عملوا بحث في ناس في اليابان اللي عندهم سرطان وخلوهم يضحكون عن طريق 3 فرق للفكاهة، ووجدوا نسبة الاستجابة للشفاء عالية جدا”، وجدوا أن المشي 5 مرات في الأسبوع أفضل، وجدوا أنك تستطيع أن تؤجل الزهايمر أنك تنظر في المرآة وتحرك اللسان.. كل ذلك من الإعلام الطبي.. وأنا كطبيب قرأت ذلك في الإعلام الطبي وليس في موسوعة علمية طبية، فما بالنا بالإنسان العادي.