الجمعة 19 ابريل 2024

وكم من قاتل نيرة في الطريق إلينا؟!

مقالات25-6-2022 | 21:28

ما زالت أشعر بالمرارة في حلقي والألم في صدري برغم مرور عدة أيام على حادث فتاة جامعة المنصورة ملائكية الملامح نيرة، ذلك الشيء الثقيل الرابض على قلبي ولا أستطيع إزاحته، فمع كل حادث من تلك النوعية -برغم بشاعة هذا بالتحديد- تستدعي الذاكرة تفاصيل عدة مررنا بها جميعًا نحن معشر الإناث، سواء فتيات أو شابات أو حتى سيدات، فالمرحلة التي وصلت إليها الضحية لن أكون مبالغة إذا صرحت بأن العديد منا كانت من الممكن أن تصبح في نفس مكانها بصورة أو أخرى.

فمن منا لم تتعرض لمضايقات جارٍ أو قريبٍ أو زميل دراسة أو حتى زميل عمل، تصل إلى حد الأذى النفسي أو المعنوي أو البدني كما في حالة الضحية نيرة! من منا لم ترى في هذا الطرف الآخر الشريك المناسب للحياة وأعربت بكل الطرق عن عدم الملائمة! غير أن الطرف الآخر في المعتاد يرى في هذا الرفض مهانة صارخة لرجولته التي -وفي المعتاد أيضًا- يرى في الانتقام من الأنثى التي رفضته ثأرًا عادلًا ومناسبًا لكرامته المزيفة، مهما كان شكل هذا الانتقام وما سيلحق من ضرر لكل الأطراف.

تلك الأمراض النفسية التي نتجت عن النعرة الذكورية المتوارثة لأجيال عدة، دون وضع الحد الأدنى من الفهم الصحيح لها، وما استتبعها من ممارسات فجة ترقى لمستوى الصدمة في كل مرة، وكأن فاعليها يتنافسون على مبدأ أن الأكثر إيذاءًا هو الفائز الأكبر والأقوى ثأرًا لكرامته النكراء، سواء كانت بتشويع الوجه والجسد بماء النار، أو بالسحر والأعمال السفلية ولعياذ بالله، أو بتشويه السمعة والنيل من شرف الأنثى وأسرتها، أو للأسف الشديد بالانتقام عن طريق جريمة القتل بأبشع الطرق.

ألم يأن الأوان لانتفاض المجتمع ومناقشة الأسباب قبل دراسة الآثار؟، أين علماء النفس والاجتماع وأبحاثهم وتوصياتهم؟! أين القائمين على كل أشكال القوى الناعمة من إعلام وفن وثقافة لمواجهة النفس والوقوف وقفة مصارحة ومكاشفة صادقة لما آل إليه حال المجتمع، بسبب تصدير كل أشكال العنف والجريمة والشذوذ الفكري والسلوكي؟!، أين ذهب دور المؤسسات التربوية والتثقيقية؟!، وقبل كل هذا أين ذهب دور الأسرة حتى لو اقتصر على أب أو أم فقط ؟!، أين ذهب دور الأسرة في غرس بذور التربية والقيم والأخلاقيات العامة التي هي منبعها الدين بشكل أساسي!!، أين متابعة الحالة النفسية والسلوكية للأبناء؟!، فلا الانطوائي علامة للتميز ولا الانطلاقي علامة للجدارة.

سأظل أسأل حالي لماذا المرأة هي في المعتاد ضحية للرجل؟، فمقابل كل رجل يتعرض للقتل من قبل زوجته بسبب الخيانة أو خلافه، تجد عشرات بل ومئات حوادث القتل من قبل الرجل لإناث ضعيفات لا حول لهن ولا قوة، سواء بدعوى الحب أو الكره أو أي مشاعر مريضة أخرى مدفوعة من قبل أهواء فرد معتل النفس والهوى، ساعده مجتمعه على تعظيم مشاعر الهيمنة الذكورية، وألهمته القوى الناعمة الأساليب، وهيأت له ظروفه كل الأسباب. 

ابحثوا عن القاتل الجديد في كل تعليقات السوشيال ميديا من مؤيدي جريمة القتل تلك، سواء بدافع التعاطف مع مشاعر القاتل، أو بدعوى تبرج القتيلة التي لا تعلم فيما قتلت، فلدينا مشاريع قتلة يعيشون بيننا ويرون في هذا الحادث البشع ما يتلذذون به ويشبعون به غريزة القتل التي بدمائهم، حتى لو كانت إلى اللحظة مجرد غريزة شماتة وتشفي فهم قادمون لا محالة إذا لم يتم التحرك.  

الأمر أصبح ينذر بصافرة خطر من النوع شديد الخطورة، نيرة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في دنيانا البشرية التي بدأت أولى مشاهدها بجريمة قتل من أخ لأخوه، لكن هذا لن يكون الداعي لنا للتقبل والصمت، بل يجب أن يكون دافعًا لنا للتحرك السريع لتجنب المزيد من القاتل محمد عادل في الطريق إلينا اليوم أو غدًا أو بعد غدٍ.

انتبه أيها المجتمع، فالسيارة ترجع بنا إلى الخلف.