الخميس 27 يونيو 2024

بعد حصوله على جائزة الدولة التقديرية .. صبرى منصور: الفن التشكيلي فى خطر

21-7-2017 | 16:35

حوار- شيماء محمود

حصل مؤخرا على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل مشواره الفنى الذى تميز منذ بدايته بالتعبير عن أنين الناس وشكاواهم ..افكارهم وتطلعاتهم ..أساطيرهم وحكاياتهم الليلية ..نجواهم للمنقذ، عارضا تساؤلاته حول هذه القوى الغيبية وأسرار تلك الحياة وفلسفة الموت.. عن الجائزة وأعماله وقضايا الحركة التشكيلية الحالية دار الحوار مع الفنان د.صبرى منصور..

فى البداية حدثنى عن ترشيحك للجائزة وشعورك بعد فوزك بها؟

الجائزة جاءت بترشيح من مجلس نقابة الفنانين التشكيليين .. وبالطبع شعرت بسعادة لتكريمى من بلدى عن جهدى ..خاصة ان أعمالى لا تندرج تحت بند العمل التجارى ..لكن كان دائماً هدفى فنىاً والإعلاء من قيمة العمل الفنى المصرى ..وكون هذا يتم تقديره فذلك يرضينى ويسعدنى جدا.

ما تقييمك للحركة التشكيلية الحالية فى مصر؟

لاحظت تزايد أعداد الفنانين بكثرة الآن فى قاعات العرض ..هناك منهم من يملك الموهبة لكن نجده على تعجل واستسهال فى أعماله سواء بالتكوين أو الفكرة أو علاقة الأشكال ببعضها .. وهناك الدخلاء الذين فرضوا انفسهم على الساحة الفنية ..رغم أنهم ليسوا على دراية بأى قواعد فنية حيث يظهر فى أعمالهم جهلهم بأسس التصميم وتكوين اللون أو تجاور الألوان .. مستخدمين الحداثة كحجة لأعمالهم رغم أن الحداثة قائمة على منهج وconcept.

وما رأيك فى كوارث الأعمال الميدانية الأخيرة؟

فن النحت المصرى القديم أعتبره معجزة بشرية لا يمكن أن تتكرر .. ببلاغتها ورقتها ورصانتها وشموخها..لكن نأسف لما وصل إليه فن النحت الآن.. بتحوله إلى أعمال تجارية لا تمت للإبداع ولا لتاريخ فن النحت المصرى بصلة.

وما مسببات تلك المشكلة التى وصل إليها حال الفن ؟

كان من المفترض أن يكون الفن المصرى فى حال أفضل من هذا ..حيث إنه بعد جيل الرواد سواء لفن النحت أو التصوير المفروض الأجيال التى تليها تبنى وتطور لكن المشكلة أنهم بدأوا بعد فجوة كبيرة من انهيار.

وكان من المفترض أن نرى أعمالاً تدل على مهارة وقوة وشموخ الفن المصرى ويعتبر هذا الفشل نتاج منظومة كاملة من الإهمال سواء فى التعليم أو الإعلام وعدم وجود حراك ثقافى حقيقي يناقش قضايا حقيقية.

وما دور الفنان التشكيلى فى المقابل؟

الفنان التشكيلى مثله مثل أى مبدع يحمل رؤية المجتمع ويكون مرآة عاكسة لروح الوطن وهذا ظهر فى أعمال كثير من مبدعينا..مثل: محمود مختار وحامد ندا وراغب عياد ومحمود سعيد وعبد الهادى الجزار.

فدور الفنان مثل الكاتب او السينمائى الذى يعبر عن مشاكل مجتمعه بصدق ..يستفز المتلقى ويعلى لديه وازع التغيير.. مثلما نفذ محمود مختار تمثال نهضة مصر الذى استنفر فى المصريين الإحساس بالعزة وروح الوطنية.

كذلك يجب أن تكون لديه رؤية لاستعراض الواقع مثل أعمال عبد الهادى الجزار أيضا الذى عبر عن الطبقة الشعبية والفئة المطحونة من الشعب بما تحمله من أحلام وأفكار.

هل ترى أن استعراض الواقع برؤية فنية ممكن أن يحدث تغييرا مجتمعىا ؟

بالطبع ..لأنك ممكن تبكى عند مشاهدة عمل فنى لما يحمل من معان تحرك كوامن النفس.. وهناك كثير من الأعمال العالمية التى كانت نقطة تحول مجتمعى باعتبارها لغة شعورية ليست عقلية .لذا سيكون تأثيرها أكثر عمقا..فإذا تحول الفن لشىء مباشر يفقد قيمته ومعناه.

كيف تعلق على حالة غلاء الاسعار الحالية واعتبار الأدوات الفنية ضمن السلع الاستفزازية؟

هذا لا يعبر سوى عن الجهل الشديد بالفن.. أين المجتمع الذى يعى أهمية الفن وقيمته حتى يدعمه؟.. للأسف حتى المسئولين لم يعيروا اهتماماً له ..فالإنسان عدو ما يجهله ..لذا يهاجمونه بدلا من أن يدعموه.

فإذا كانت الدولة واعية لقيمة الثقافة وتعتبرها من مكونات الدولة الأساسية كانت على الأقل ستعفى الأدوات الفنية من الجمارك لكنها تعتبرها من السلع الاستفزازية.

الوحيد الذى استطاع أن يقدم شيئاً للفن التشكيلى هو بدر الدين أبو غازى ..فهو من سن قانون الإعفاء الضريبى للفنانين التشكيليين لعمله بخزانة الدولة آنذاك.

ما رأيك فى بيان عدد من الفنانين لمقاطعة المعرض العام هذه الدورة؟

انا شخصيا مقاطع المعرض العام منذ عدة سنوات ..لما وجدته من إهمال شديد فى التعامل مع الأعمال ..وهذا بسبب تجربة شخصية عندما كنت أشارك به دائما كنت أجد لوحتى إما مخدوشة أو الإطار مكسوراً ..لذا امتنعت عن المشاركة به.

أما بالنسبة لمقاطعة الفنانين أرى أنهم على حق حيث إن المعرض يوجه دعوات لفنانين كثر دون معايير واضحة.. فى رأيي لابد من تقليل عدد الدعوات لعدد لا يزيد علي 5 أو 6 فنانين حتى لا تفقد الأعمال قيمتها .. وأن تحدد المعايير .. لكن طالما العمل يتم دون أسس ومبادئ واضحة سيصبح عرضة للنقد بالتأكيد.

أعمالك بها طابع اسطورى لكنها فى نفس الوقت ذات مدلول رمزى للواقع السياسى والمجتمعى.. هل تتفق معى فى ذلك ؟

هذا صحيح رغم أن قليلين من يدركون هذا الجانب .. لأن الفن ليس ذا مسار واحد او تفسير واحد.

حيث إن معظم أعمالى تناولت فكرة اللجوء للسماء واستعطاف القوى الغيبية وانتظار المغيث أو المنقذ..والتطلع نحو المجهول ..كل هذا نتيجة ما يعانونه بالواقع.

هل تتفق معى أن كل مفردة من مفرداتك كانت لفلسفة تاريخية وربطها بالواقع المجتمعى؟

بالفعل كل مفردة لها سبب وأساس وفلسفة .. وحتى الألوان ..لم أمل أبدا للألوان الساخنة ..اكتشفت أن سبب ذلك معيشتى مرحلة الطفولة بالقرية .. لذلك ارتبطت ألوانى بمخزون طفولتى حيث لون الأرض والبيوت الطينية ولون الخضرة والسماء والليل.

وكان لأفكار الريفيين البسطاء والعالم البدائى الذين يعيشون فيه تأثير كبير على أعمالى وعندما كبرت ودرست الفن اخترت أن أكون متسقاً بالتراث من مصرى قديم قبطى وإسلامي.. لذا عبرت عن الريف بصياغة تشكيلية خاصة ..بها مزيج من المصرى القديم والإسلامى.

ولماذا سعيت أن تكون أعمالك مرتبطة بالموروث رغم بعثتك إلى إسبانيا فى ذلك الوقت ؟

لأننى نشأت فى جو ثقافى مختلف عن الآن .. عايشت فيه نجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور .. كل هؤلاء أعمالهم نادت بذات الفكر .

كيف تأثرت بأساتذتك؟

على المستوى الفنى تأثرت بأساتذتى عبد الهادى الجزار وحامد ندا.. ولكن صياغتى مختلفة عن حرية حامد ندا التى تميل إلى فن الكهوف البدائى ..لأننى أتبع أسلوباً صارماً.. أول مرة أصرح بأننى أمكث لعمل لوحة واحدة قرابة الأربعة شهور ..اعتمد أسلوب الحذف والإضافة ..وأعيش حالة اللوحة حتى تخرج وأنا راض عنها ..لأننى لا يهمنى عمل معارض كثيرة ..لكن ما يهمنى هو الكيف..

على سبيل المثال فلوحة "ترانيم مصرية" تتكون من 100 عنصر مختلف سواء فى وضع "الفيجر" او ربطه بالخلفية.. لذا أخذت فيها وقتا طويلا لدراسة وضعية كل "فيجر" ليختلف عما يجاوره بل ويكمله.

كذلك لوحة السماء والارض بها 29 فيجر كل واحد له وضعه ومكانه وفلسفته.

وعلى هذا كيف تلخص مراحل مشوارك الفنى ؟

تعتبر 4 مراحل .. حيث كانت البدايات البحث عن الذات.. وطرح أسئلة حول ماهية الكون والخلق والموت ..بدأت معها بعض الملامح التى اتسمت بها اعمالى فيما بعد ..كالإيحاء بغموض الحياة والتنقيب فى أسرارها.واستمرت تلك المرحلة قرابة 10 سنين شاملة بعثتى لإسبانيا.

وبعدما عدت بدأت أرسم مفردات بعينها بيت ريفى ونخل، وتلخيصات لشخوص بدت أسطورية.. هذه المفردات التى تأثرت بها فى طفولتى فتحت لى كنزاً اغترفت منه لأعمالى بعدها.. وربطت بينها وبين مخزون طفولتى من الأساطير التى كنت أسمعها فى لقاءات الفلاحات..حيث وجدتنى اجسد ليل القرية المسكون بالأسرار والجن ولا يضيئه سوى القمر.

وخلال رحلتى إلى الأقصر عندما كنت عميد كلية الفنون الجميلة .. كانت فرصة لإعادة قراءة عظمة الفن المصرى القديم ..بعد مرحلة نضوج فنية.. لذا عدت بمخزون نفذت على إثره مجموعة جديدة من أعمالى أعتبرها المرحلة الثالثة من مشوارى الفنى لما ظهر بها من تأثرى بنسق الفن المصرى القديم.

كما طغت على تلك المرحلة حالة من الحزن لما آلت إليه هذه الحضارة ولم يستطع المصريون الحفاظ عليها ..كما تميزت بتنوع التراكيب التشكيلية وتنوع أحجام الأشكال بمسطح اللوحة ..مع زيادة الإحساس بالتسطيح.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة وهى مستمرة حتى الآن فتميزت بالجمع بين المراحل الثلاث السابقة.