السبت 4 مايو 2024

فدادين خمسة.. لكن ضاعت

21-7-2017 | 17:04

بقلم: طه فرغلى

 

«اديتنى الثورة ٥ فدادين والله هنيالى بأرضى يا عين.. أنا أرضى الغالية بقت ملكى وخيرها ليا ولولادى من يومها خلاص مبقتش أشكى من غاصب واحد لبلادي».

لسنوات طويلة بعد ثورة يولية ١٩٥٢ ردد الفلاحون كلمات هذه الأغنية احتفالا وبهجة، بعد أن صاروا ملاكا أعزاء ورفعوا رؤوسهم، وأصبح خير الأرض التى يزرعونها لهم، يعرقون ويشقون ويحصدون الخير لأنفسهم لا لغيرهم من الباشوات والبكوات أصحاب الأطيان، لم يعد هناك سادة وعبيد.

العدالة الاجتماعية كانت أحد المبادئ الستة التى وضعتها ثورة يوليو ١٩٥٢ موضع التنفيذ ولتحقيقها صدر قانون الإصلاح الزراعى مبكرا فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ فى عهد الرئيس محمد نجيب وطبّقه الرئيس جمال عبد الناصر.

القانون نص على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، وصدرت تعديلات متتالية حددت ملكية الفرد والأسرة متدرجة من ٢٠٠ فدان إلى خمسين فدانا للملاك القدامى، وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعى لتتولى عملية استلام الأرض من الملاك بعد ترك النسبة التى حددها القانون لهم وتوزيع باقى المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض، ليتحولوا من أجراء لملاك.

قبل ثورة يوليو كان الفلاحون فى عموم مصر المحروسة مجرد خدم وعمال وتملّية فى أراضى الملاك الكبار وعزبهم، يكدحون نهارا ويئنون ليلا ولا يحصلون إلا على لقيمات بائسة لا تقيم الأود.

كانت حياة الفلاح المصرى بائسة، يشقى من أجل غيره، وإن امتلك أحدهم أرضا لا تزيد على قراريط صغيره يطمع فيها المالك الكبير، ويجبره على بيعها.

فى الفترة بين ١٩٠٠-١٩٥٢ انخفض متوسط الملكية الزراعية بصورة تدريجية حتى تراوح متوسط الملكية من ١.٤٦ فدان إلى ٠.٨ من الفدان، وفى الوقت الذى كانت الدولة تستصلح الأراضى الجديدة فإن معظمها كان يذهب لكبار الملاك، وقد ساعد ذلك على أن يملك أقل من نصف فى المائة من الملاك الزراعيين ٣٥٪ من الأراضى الزراعية، ووصل عدد المعدمين ممن لا يملكون أرضا ولا يستأجرون أى مساحة نحو مليون ونصف المليون أسرة.

خريطة الملكية الزراعية فى مصر قبل ١٩٥٢ تظهر تناقضات طبقية فى توزيع الأراضي، صغار الملاك الذين مثلوا حينها نحو ٩٣,١ بالمائة من جملة عدد الملاك امتلكوا أقل من خمسة أفدنة، أى ما يعادل نحو ٣١,٦ بالمائة من مساحة الأرض المنزرعة، ولا يتجاوز متوسط الملكية الفردية بينهم ٢١ قيراطا، ومتوسط ما امتلكه الفرد من صغار الملاك من العام ١٨٩٤ وحتى عام ١٩٥٢، كان مائلا نحو الانخفاض حتى وصل متوسط ما يمتلكه الفرد إلى ٠.٠٨٪ من مساحة الأرض المنزرعة، وانهار متوسط ما يمتلكه الفرد من ٠,٠٤٪ إلى ٠,٠٣٪ فى الفترة من ١٩٤٠ وحتى ١٩٥٢.

وفى عام ١٩٥٢، مثّل صغار الملاك نحو ٩٤,٣٪ من جملة عدد الملاك، ولم يمتلكوا سوى ٣٥,٤٪ من مساحة الأرض المنزرعة بمتوسط ملكية فردية بينهم ٢٠ قيراطا.

وجاء قانون الإصلاح الزراعى لينصف الكادحين «المعذبون فى الأرض»، كما وصفهم عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.

وكان مجموع الأراضى التى يطبق عليها القانون ٦٥٣,٧٣٦ ألف فدان يملكها ١٧٨٩ مالكا كبيرا، ولكن الأرض التى طبق عليها القانون فى واقع الأمر بلغت ٣٧٢,٣٠٥ آلاف فدان، أما البقية وهى حوالى النصف، فقد قام الملاك ببيعها بأساليبهم الخاصة حتى أكتوبر سنة ١٩٥٣ حينما ألغت الحكومة النص الذى كان يتيح للملاك بيعها بأساليبهم.

وبلغ مجموع الأراضى التى تم نزع ملكيتها فى ظل قانون الإصلاح الزراعى ما يربو على نصف مليون فدان، أى ما يقرب من ٨.٤٪ من إجمالى المساحة المنزرعة فى مصر فى ذلك الوقت. وقد جرى توزيع هذه الأراضى وفقا لنظام من الأولويات، بحيث أعطيت الأولوية عند التوزيع لمن كان يزرع الأرض فعلا مستأجرا أو مزارعًا، ثم لمن هو أكبر عائلة من أهل القرية، ثم لمن هو أقل مالا منهم، ثم لغير أهل القرية.

أهمية قانون الإصلاح الزراعى لم تقف فقط عند حد إعادة توزيع الأراضى الزراعية على صغار الفلاحين، بل نظم أيضا العلاقات الإيجارية لتحقيق علاقة إيجارية وحقوق انتفاع مستقرة للفلاح المستأجر فى أرضه، وتحديد قواعد ثابتة لتحديد الإيجار النقدى ونظام المشاركة فى المحصول، وسنّ بعض التشريعات لحماية عمال التراحيل وهم أفقر فئات الريف المصرى.

جاء القانون شاملا متكاملا يحمى الفلاحين ويصون حقوقهم،

ويحمل الخير لهم، ولكن مع مرور الزمن وبسبب ممارسات حكومية خاطئة فى سنوات لاحقة ضاعت مكاسب قانون الإصلاح الزراعى، ولم يتبق منه سوى تفتيت الملكية بعد أن قسمت الـ ٥ فدادين بين ورثة متعددين لم يعد كل منهم يمتلك سوى قراريط معدودة، وبمرو الزمن تلاشت وزحف عليها العمران وتحولت إلى خراسانات مسلحة.

كان الإصلاح الزراعى فى بدايته محكوما بآليات، وضوابط لا تسمح بالتلاعب أو الفساد، كان هناك جمعيات للإصلاح الزراعى وجمعيات تعاونية، ودورة زراعية، والتزام من الفلاحين، ولكن مرت السنوات، ولم يعد هناك نظام يحكم العملية الزراعية أو يتولى مسؤولية حماية أراضى الإصلاح الزراعى، وضاعت أغلب الأرض.

لم يتبق من الإصلاح الزراعى سوى الاسم فقط وهيئة تتبع وزارة الزراعة لا تملك خططا ولا رؤى لأى إصلاح، يسكنها الروتين والفساد، والآن يبيع ورثة الفلاحين ما تبقى من الأراضى التى وزعت عليهم، وهكذا ضاعت الـ ٥ فدادين.