الثلاثاء 14 مايو 2024

الرصاصة لا تزال في صدر فرج فودة؟

22-7-2017 | 13:05

د.خالد منتصر

هل الرصاص الذى أطلق على شهيد التنوير فرج فودة من رشاش الغدر والخسة والجهل هو آخر الرصاص ؟، هل صمت الكلاشنكوف عن استهداف المفكرين؟ ، أم ما زال هناك رصاص ينطلق ورشاشات تستهدف وسجون تقمع ومحتسب يتربص ؟!، هذا هو السؤال الذى يجب أن نجيب عنه ونحن على أعتاب ربع قرن على اغتيال هذا المفكر الشجاع الذى قتلناه حياً بيننا بالاهمال واللامبالاة ثم اغتلناه ثانية بعد رحيله بالتخلى عن أفكاره وسد آذاننا و غلق عقولنا عن نشرها وتقبلها وتبنيها ، فى 8 يونيو 1992 تلقي المفكر فرج فودة الرصاص في قلبه وكبده أمام مكتبه فى شارع أسماء فهمى ، وفى يونيو 2017 وبعدها بربع قرن تلقي فكر فرج فودة رصاصة الرحمة بسطوة قانون ازدراء الأديان الذى يسجن المفكرين تحت مرأى ومسمع الدولة وبتواطؤ المثقفين وصمت الناس،اغتلنا المفكر فهل سنغتال التفكير ؟! ، صادف اغتيال فكر التنوير هوى ومزاج المجتمع السلفي الذى يخشى التفكير النقدى ويكره المنهج العلمى ويخلط مابين الدين والتدين وما بين الإلهى والبشري ومابين الإسلام والمسلمين ، لقطات وكادرات عبثية تمر أمامى الآن من شريط حياة فرج فودة قصيرة الزمن عميقة المعنى ، فرج فودة كان سيزيف بطل الإغريق الأسطورى الذى ظل عمره يحاول أن يدفع بالصخرة إلى قمة الجبل لكنها وهى تقترب من تلك القمة إذا بها تهبط إلى السفح ثانية فيكرر المحاولة إلى ما لا نهاية ، كان كالمساق إلى قدره الحتمى ، كان يواجه الموت كل يوم بالتهديد والوعيد وخناجر السباب الفاحش ورصاص التطاول البذيئ ، كان يواجهه بصدر عار ، بلا درع أو سيف ، كان أكبر مثال حى على تلك العلاقة الملتبسة بين دولة لا تعى الدرس ومثقف يظن أن رسالته قد وصلت وأن درسه قد فهم ، الدولة التى تحارب الإرهابيين ضحت بمن يحارب الإرهاب ، قالت له خض معركتك منفرداً اذهب أنت وكتبك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون متفرجون منتظرون مبسوطون منشكحون ! ، انضم فودة إلى حزب الوفد ثم خرج عنه عندما تحالف هذا الحزب صاحب التاريخ العلمانى مع الإخوان في انتخابات البرلمان ، رشح نفسه مستقلاً في دائرة شبرا محروماً من أى دعم ، وبرغم ذلك كان مكتسحاً بحجته القوية وصلابته فى مواجهة الفاشية الدينية ، لكن الدولة باعته وضحت به على مذبح الفاشية الدينية وتحالفت مع المرشح المنافس لأنه راجل بتاع ربنا وفودة عليه كلام وعلامات استفهام وحيجيب لنا الكلام ! ، وتمت الصفقة وسقط فرج فودة العلمانى كما سقط من قبله لطفى السيد الديمقراطى !! ، ظل فودة يطل على الناس من خلال مقالاته وكتبه وندواته كلما تيسر وسط حصار إعلامى مريب ، بينما يطل تيار التخلف من خلال شاشات التليفزيون فى أوقات الذروة بشكل مكثف وإلحاح مقصود ، لم يدخل فرج فودة طيلة حياته باب ماسبيرو إلا من خلال ربع ساعة مع المذيع أحمد سمير تعليقاً على حادث إرهابي كانت الدولة تحتاج وقتها هذا الصوت لاستخدامه فقط فى تلميع الصورة وإجراء عملية تجميل للضمير المترهل ، لكن قبلها وبعدها كان اسمه مدرجاً على قائمة الممنوعات السوداء !، حصار فى الحياة والممات يا فودة ، تخيل أن حصادك الإعلامى كله ياصديقي لا يتعدى سبع حلقات هزيلة مشوشة الصورة مكتومة الصوت على تليفزيون تونس بينما رصيد سماسرة بوتيكات الدين و تجار بازارات الفتنة بعشرات الآلاف من ساعات التخلف وأشرطة الجهل وبرامج الخرافة وثقافة الموت ، حاول فرج فودة إنشاء حزب باسم المستقبل بل تقدم فعلاً إلى لجنة الأحزاب ببرنامج ظل مانيفستو ودستورً لكل حزب جاء فيما بعد ينشد الدولة المدنية ، دولة المواطنة والقانون ، لكنهم ماطلوه وأرجئوه وألقوا به فى سلة المهملات ، اغتالوا الرجل بسيف اللامبالاة والطناش رهاناً على النفس القصير واليأس المرير الذى سرعان مايفترس المثقف الذى يصارع وحيداً ديناصور التطرف المفترس وأيضاً تنين الدولة المحترس ، ومن مشاهد مسرح العبث واللامعقول في ملحمة فرج فودة أنه فى نفس وقت رفض أوراق حزبه وحلمه المجهض و قبل اغتياله بعام تم منح الشيخ محمد الغزالى جائزة الدولة التقديرية ! ، ولإنعاش ذاكرة السمك المصرية ، الغزالى هو الشخص الذى وراء مصادرة رواية أولاد حارتنا ببلاغه للسلطات ، وهو أيضاً الشخص الذى وراء مصادرة ثأر فرج فودة بشهادته أمام المحكمة والتى قال فيها إن فرج فودة يستحق القتل ولكنه كان لابد أن يقتل بيد الدولة لا بيد من هم خلف أسوار القفص ، إن جريمتهم فقط هى الافتئات على حق الدولة ، لم يكن يعرف هذا الشيخ أن الدولة فعلاً كانت قد قتلته حين وضعت أفكاره فى القفص وقصقصت أجنحتها وقامت بتعقيمها حتى درجة العقم فلم تحلق بذور لقاحها لتنتج ثماراً فى تربة العقل المصري التى حرثها وحصدها فيما بعد الإخوان والسلفيون فى 2011 ، فكانت النتيجة المرة والحصاد المؤلم و ثمار الصبار التى ما زلنا نتجرع أشواكها حتى تلك اللحظة التى نعيشها ، لم تكتف الفاشية بشهادة شيخ كانوا يطلقون عليه الشيخ الوسطى لتبرئة المجرمين القتلة الأوغاد بل أتى الزمن الأغبر برئيس جمهورية إخوانى يوقع على قرار الإفراج عن قاتل فرج فودة ليخرج علينا علانية فى البرامج معلناً عدم الندم ومعترفاً بأنه لو عاد به الزمن سيقتل فودة ، ثم يذهب مجاهداً إلى سوريا منضماً إلى داعش فيقتل وينعيه حزب مصري رسمى تعترف به الدولة التى تحارب الإرهاب ، ويوقع على بيان الإشادة بالشهيد الإرهابي القاتل رئيس الحزب طارق الزمر !!، أى عبث نعيشه فى مسرح اللامعقول الذى ما زال لم يسدل أستاره ويطفئ أنواره ، أى لوحة سريالية نشهد ألوانها الدموية النازفة على جدران القلب والوجدان ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، ما زال المفكر الإخوانى اللاحق الماركسي السابق الذى وقع على بيان تكفير فرج فودة واتهامه بالردة والذى كان سبباً في اغتياله ، مازال عضواً في هيئة كبار العلماء التى تحكم مصر عقلياً وفكرياً وبحكم الدستور ، وهو الذى كان حتى وقت قريب رئيساً لتحرير المجلة الناطقة باسم الأزهر !! ، ما زالت بيانات التكفير والفتنة تصدر من تلامذة و مريدي نفس الهيئة التى أباحت دم فرج فودة قبل اغتياله بأسبوع ، وكانت هى الباب الذى مرت منه عصابة القتلة التى لم تقرأ سطراً واحداً للشهيد بينما حفظت بيان المشايخ عن ظهر قلب ، ما زالت برامج دعاة الوهابية تطل علينا من شاشات الفضائيات بنفس اللهجة واللغة التى تحدث بها الشيخ الغزالى حين قال في برنامج "ندوة للرأي" على التليفزيون المصري بوضوح "إن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة"! ، وكان وقتها مسئولاً عن قوافل التوعية الدينية التى مازلنا نمارسها ونرسلها بنفس الفكر العقيم ونفس الوجوه المتحفية !، مازلنا مؤمنين بأسلوب المناظرات تحت شعار الرأى والرأى الآخر غير مقتنعين أنه ليس رأياً آخر بل هو نفي للرأى ، ولا حوار بين الرأى ونفي الرأى ، لأنه طالما صادر عليك من يحاورك وقال لك هذا ليس رأيي بل إنه رأى الله ، أغلق باب الحوار لتفتح نافذة التكفير والاغتيال المعنوى الذى ينتهى بالاغتيال الجسدى كما حدث مع فرج فودة بعد مناظرة معرض الكتاب الشهيرة التى كانت هى فصل الختام في قرار الاغتيال ، لم تشفع له لهجته الراقية ولا لغته المعتدلة عند هؤلاء الهمج ، اغتالوه برغم هذه اللهجة وتلك اللغة ، وهذه رسالة إلى كل من يقول إن المشايخ غاضبون من فلان لأن لهجته غليظة وأسلوبه فج ، صدقونى إن السبب الحقيقي ليس خشونة اللغة ولا اللهجة ولكنها خشونة ضياع البيزنس الدينى !! .

السؤال المؤلم هل ضاعت دماء فرج فودة هدراً وهباء ؟، سألنى صديق أمس وهو يشير إلى مجموعة من الشباب الذين يحشرون أنوفهم رغبة فىى هداية الآخرين بالعافية متخيلين أن معهم التوكيل الحصري للجنة ، قائلاً : هل يستحق هؤلاء أن نموت من أجلهم كما مات فرج فودة ؟ ، أصابنى الخرس وباغتتنى دمعة لا أعرف إن كانت دمعة فراق أم دمعة ندم ، مصر تستحق الأفضل لكن المهم هل أبناؤها يريدون الأفضل حقاً ؟!، سؤال سيولد من رحم المستقبل الذي حتماً سيمنحنا الفرج ويلد لنا ألف فرج فودة.

    Dr.Radwa
    Egypt Air