السبت 18 يناير 2025

مقالات

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة 3

  • 1-7-2022 | 20:00
طباعة

حسن شاكر أفلاطون بك.. مؤسس ورائد علم الحشرات فى مصر (3)

هو واحدٌ من العلماء الذين ظهروا فى بداية القرن العشرين مع بداية إنشاء الجامعة المصرية من جيل الرواد وملأ الدنيا بعلمه وسار على نمط الأساتذة الأوروبيين أخذ عنهم وأخذوا عنه، أنشأ مدرسته العلمية فى الجامعة الوليدة، وضم إليها متُحف عظيم للحشرات بات معلم من معالم الجامعة المصرية.  

عالمنا وشخصيتنا اليوم هو واحد من الرعيل الأول الذى درَس ودرّس علوم الحشرات فى مصر، "البروفيسور حسن شاكر أفلاطون"، ولد فى 24 نوفمبر سنة 1893، وتلقى المراحل الأولى من تعليمه فى سويسرا ثم توجه إلى إنجلترا وتحديدًا جامعة كامبردج لدراسة علم الحشرات، وفى سنة 1916 سافر إلى الكلية الملكية الزراعية بمدينة جلوسستر(Gloucester)، بجنوب غرب إنجلترا، حصل على دبلوم فى علم الحشرات، وانتقل إلى كلية واى الزراعية (Wye College) بمقاطعة كنت فى إنجلترا ليحصل على دبلوم ثان فى علم الحشرات، تنقل حسن أفلاطون بين مختلف المدارس العلمية ليتعلم من أحسن الأساتذة آنذاك.

وفى 1919 عاد العالم الشاب إلى مصر ليعين فى مدرسة الطب (قصر العيني) لتدريس علم الأحياء، وفى عام 1923 انتقل لوزارة الزراعة وعمل وكيلًا لقسم الحشرات ثم مديرًا له، وطور القسم ليصبح أول قسم بحثى لعلوم الحشرات فى مصر.

انتقل حسن أفلاطون إلى كلية العلوم بالجامعة المصرية سنة 1928، ليشغل درجة أستاذ مساعد بقسم علم الحيوان، ثم رقى إلى أستاذ كرسى علم الحشرات كأول أستاذ كرسى لهذا العلم سنة 1930.

وهنا الحديث لى، فعندما التحقت بكلية العلوم فى 1965، لم يكن يدور فى خلدى أن هناك قسم فخم يبعث على الرهبة والاحترام بنظافته ونظامه ولوحاته البديعة وصور علماء العالم فى علم الحشرات المعلقة على جدرانه، كان ذلك هو قسم علم الحشرات بالكلية، لقد كان القسم صورة حية يشبه أقسام علمية أوروبية شاهدتها عندما سافرت إلى ألمانيا بعد ذلك، لقد كان ذلك بفضل الدكتور حسن أفلاطون الذى حول القسم إلى متُحف بديع وإلى صالات حديثة نظيفة، صممت قاعاته على غرار إحدى قاعات متحف اللوفر بفرنسا، فجاء نسخة منه، ليس فى بنائه فحسب ولكن بمحتوياته المتنوعة من أنواع الحشرات التى كشف عنها إفلاطون وقام برسم لوحاتها فنانين أجانب...!


يرجع الفضل لأفلاطون فى إنشاء أكبر مجموعة حشرية فى مصر والشرق الأوسط، بعد جمعه العديد من العينات من مناطق مختلفة فى مصر، خلال رحلات قام بها بنفسه فى الصحراء الغربية والشرقية وغيرها من المناطق.

كما نجح فى إنشاء أول درجة بكالوريوس فى علم الحشرات بكلية العلوم وتخرج على يديه الرعيل الأول من طلبة الدراسات العليا فى هذا التخصص، بالإضافة إلى عدد كبير من الأبحاث الرائدة رفيعة القيمة العلمية.. ونتيجة لذلك حصل على جائزة الدولة سنة 1950، وعلى المستوى الإدارى عين عالمنا الكبير وكيلًا لكلية العلوم ثم عميدًا لها سنة 1950 حتى 1953، ويعتبر ثانى عميد مصرى لكلية العلوم، بعد الدكتور على مصطفى مشرفة، (والذى كان عميدًا من 1936 وحتى 1950).

وعن سبب تسمية لقب أفلاطون يتم تداول معلومة طريفة تعود لأيام محمد على باشا الكبير، حيث كان يراجع أسماء طلبة المدرسة العسكرية فاستوقفه اسم "حسن إسماعيل عبد الله الكاشف" (الجد الأكبر لعائلة عالمنا الكبير) الذي كان بجانبه كلمة أفلاطون بين قوسين، وعندما تساءل محمد على باشا الكبير عن ذلك، قيل له إنه لقب أطلقه عليه زملاؤه لكثرة أسئلته ومناقشاته، حيث كان من الطلاب النابهين الذين تم اختيارهم ضمن المبعوثين المتفوقين الذين أرسلهم محمد على فى بعثة تعليمية إلى فرنسا، فرد محمد على أنه لا بأس أن يكون عندنا أفلاطون.. فأصبح اللقب رسميا!

وجدير بالذكر أن حسن أفلاطون رزق من زيجته الأولى من البنات ثلاثة منهن الفنانة التشكيلية الكبيرة إنجى أفلاطون وشقيقتها جلبرى أفلاطون وشقيقتهما الفنانة التشكيلية زهرة أفلاطون، كما سُمى شارع باسمه فى أرض الجولف.

وفاته: فى 16 مايو 1957 رحل حسن شاكر أفلاطون عن دنيانا تاركا ثروة علمية لا تقدر وإرثًا عظيمًا ظل نبراسًا ونورًا اقتدى به تلاميذه وأبناؤه.

ماذا قدم بروفيسور أفلاطون فى العلم 

قام بدراسات وبحوث رائدة فى الفترة من (1920-1957) فى رتبة ذوات الجناحين (ثنائية الأجنحة)، ونشر عددًا من البحوث المرجعية ذات القيمة الرفيعة فى فصائل مختلفة من هذه الرتبة– كما وصف عشرات الأنواع الجديدة فى العالم منحها اسمه.

وفى تواصل مع واحد من أشطر تلاميذ بروفيسورحسن أفلاطون وشربوا من علمه وسار على دربه وهو الأستاذ الدكتور مجدى شعبان، الأستاذ بقسم علم الحشرات، زودنى بمعلومات غزيرة عن دراساته التصنيفية عن رتبة الذباب (order Diptera) في مصر، حيث دونها حسن أفلاطون بك في ستة مونوجرافات رائعة تتحدث عن خمس فصائل حشرية، وهي: دراسة عن الديبترا المصرية (الجزء الأول، عائلة سرفيداي) - عام 1922، ودراسة عن الديبتيرا المصرية (الجزء الثاني، عائلة تريبانيداي) - في 1924، ودراسة عن الديبترا المصرية (الجزء الثالث، عائلة تبانيداي) - في 1930، ودراسة عن الديبتيرا المصرية (الجزء الرابع، عائلة أسيليداي، القسم الأول، عام 1934، ودراسة عن الديبتيرا المصرية (الجزء الخامس، عائلة أسيليداي، القسم الثاني) - في عام 1937، وأخيرًا دراسة عن الديبتيرا المصرية (الجزء السادس، عائلة بومبيليداي- القسم الأول) - في عام 1945. 

لقد احتوت هذه المونوجرافات على العديد من اللوحات الملونة للحشرات والتى رسمها بعض أشهر وأمهر الرسامين الأوروبيين، وفي هذه المونوجرافات وفى بعض الدراسات التصنيفية العديدة الأخرى، قام أفلاطون بك باكتشاف ووصف وتسمية أكثر من مئة وحدة تصنيفية حشرية جديدة من الفونا المصرية سواء أجناس جديدة أو أنواع جديدة.

اعتمد أفلاطون فى ذلك على آلاف العينات الحشرية التى قام بجمعها من كل أنحاء القطر المصرى بنفسه أو عن طريق مساعديه، ولم يكتف أفلاطون بك بذلك بل قام بإرسال مئات العينات لعلماء أجانب متخصصين فى مختلف الفصائل الحشرية لتعريفها أولوصفها وتسميتها إن كانت تمثل وحدات جديدة، ومن هؤلاء العلماء الذين تواصل معهم: تيودور بيكر (1840-1928)، ماريو بيتزى (1968-1927)، إريك أوتو إنجل (1866-1944)، وسيرجى ياكوفليفيتش بارامونوف (1894-1967).

كانت معظم العينات الحشرية التى جُمعت بواسطة أفلاطون بك أو مساعديه بما فى ذلك العينات الطرازية (Types)، للأنواع التى تم وصفها بواسطة أفلاطون أو بواسطة المتخصصين الأجانب قد تم حفظها فى المجموعة المرجعية بالجمعية المصرية لعلم الحشرات بشارع رمسيس بالقاهرة، ولكن للأسف تم إهمال تلك العينات لعشرات السنين مما عرض معظمها للتلف، لكن الكثير من عينات أفلاطون بك حفظت بالتوازى فى المجموعة الحشرية بقسم علم الحشرات بكلية العلوم، جامعة القاهرة، مشتملة على العديد من العينات الطرازية، ولحسن الحظ تمت العناية بهذه العينات وما زالت محفوظة هناك وباقية بحالة جيدة.

وتحتوى على آلاف العينات وعشرات البانورامات والدايرومات التي تمثل مختلف المجموعات التصنيفية الحشرية، وتمثل أيضًا مختلف البيئات الحشرية، وهذه الصالة أو ما تعرف بمتحف قسم الحشرات تعد من أشهر المزارات فى جامعة القاهرة.

لقد نشرت العديد من الأوراق العلمية باسم أفلاطون بك، فى المجلة المصرية لعلم الحشرات، كما وصفت وسميت العديد من الأجناس والأنواع بواسطته والتى وصل عددها إلى نحو 110، مثل Leylaiya Efflatoun ،Pseudodorus Efflatoun ،Sinosyrphus Efflatoun ،Acanthogeron auripilus Efflatoun Acanthogeron blanchei Efflatoun ،Acanthogeron grandis Efflatoun ،Amictus gebeli Efflatoun، وغيرها.

كما اشتق من اسمه عدد آخر من الأجناس والأنواع بإجمالي 25، مثل Efflatounia Bezzi ،Efflatouniella Kröber ،Actorthia efflatouni Kröber Afrosenotainia efflatouni Rohdendorf ،Alloprosopaea efflatouni Villeneuve، Anthrax efflatouni Paramonov ،Aphoebantus efflatouni Bezzi.

هذه قصة عالم من علماء مصر المجيدين الذين برعوا فى تخصصهم وتركوا إرثًا عظيمًا ما زال حتى اليوم ينطق بما توصل إليه، وكتب بحروف من ذهب تاريخًا مجيدًا وأصبح فخرًا وعزة للجامعة المصرية العريقة.

الاكثر قراءة