كنا أصدقاء سبعة في طب القصر العيني وكلنا نبدأ بحرف ال"s" وأطلق علينا سلامة سفن إس، وكان سلامة من سكان شبرا لأسرة كريمة والدته كبيرة معلمين ووالده ذو هيبة وفخامة وأخيه محب كان يسبقنا وتخرج أيضا من طب القاهرة.
وقد اعتاد سلامة أن يكون لسانه زالفا، ولكن بمحبة وشياكة فلا ينادي أحدا من زملائه إلا بشتيمة وكنا بالطبع نضحك دائما لأنه نقي السريرة، ومنذ أن عرفته كان يناديني باسم أبي سلام وكذلك بقية الزملاء لأنه كان بيننا أكثر من صلاح ولكن يلحقها بكلمة يا عرباوي، وكان يقصد أنني من أهل البادية وكثير ما كان يسألني عندما أصل إلى الكلية، أنت رابط الجمل فين؟ وهكذا نتجاذب أطراف الحديث الضاحك وكان دائما محملا بالنكات فلا بد أن يسمعنا يوميا آخر نكتة.
وفي أحد الأيام سألته أنت سمعت قبل كده محمد رشدي وهو بيغنيلي، قالي إزاي قلتله، ولا يا ولا ياعرباوي ارمي بياضك خطي القناوي، وإن كنت شاري يا أدهم زمانك البحر مركب وأنت معداوي، فضحك قالي تصدق أنت قدرت تغلبني، وكانت ثقافته الفنية ليست كبيرة، فسألته أنت تعرف مين الشاعر اللي كتب الأغنية دي؟، قالي طبعا لأ بس أكيد بلدياتك وعرباوي زيك، وضحك ضحكته العالية المعهودة، فقلت له دا راجل حلاق بس صاحب مزاج عالي اسمه حسن أبو عتمان من الغربية، ولم يكن أحد يعرفه لدرجة أنه ألقى قصاصة الورق وبها الأغنية في سيارة محمد رشدي ومعها الاسم ورقم التليفون، فأعجب بها واتصل به ولحنها له حلمي بكر، وأبدع فيها رشدي عندما قال قلبي يا قلبي يا أبو الحيارى والله لعملك شارع وحارة وابنيلها عشة بالني الأخضر وحبة حبة تصبح عمارة، عرباوي وشغلاه الشابة الحلوة السنيورة أم التربيعة بترسم ضلاية على القورة، وضفاير غارت م القصة، رقصت على رن الخلاخيل، وعيون يا صبايا ما تتوصى، غية وبتطير زغاليل.
صورة فنية شعرية لفتاة ريفية تعكس صورة الجمال الذي رآه على سطح ماء النيل الذي اخترق القرية التي يسكنها وافتتح على أحد ضفتيها صالون الحلاقة المتواضع والذي ظل متمسكا به ومهنته برغم شهرة الأغاني لمحمد رشدي مثل عشرية ويا عبدالله يا خويا سماح ولكارم محمود "بنت الحلال اللي عليها النية" وأحمد عدوية "سلامتها أم حسن" و"بنت السلطان" والأغنية المليونية التي قلبت سوق الغناء في مصر والوطن العربي رأسا على عقب "زحمة يا دنيا زحمة"، وليس غريبا على أم الدنيا الولادة فقد جاء سيد مرسي المكوجي الخاص لمأمون الشناوي والذي أحب خادمته بأحلى كلمات الأغاني بعد أن كتب لها عالحلوة والمرة مش كنا متعاهدين، ودسها في البدلة التي أحضرتها للمكوى ولكنها لم تصل إليها ووصلت قدرا إلى الشاعر الكبير مأمون الشناوي والذي سألها عن القصة فأخبرته أن هذا الرجل يحبها ويرسل إليها "حاجات كتير زي كدة" فأرسل إليه وسأله عما يكتب، واطلعه عليه، وأهدى هذه الأغنية لعبد الغني السيد ليلحنها ويغنيها بعد أن عرفه على سيد مرسي، لينطلق فيما بعد ويكتب لوردة اسمعوني واحضنوا الأيام ومدريتوش ويلحنهم بليغ حمدي ولميادة الحناوي أنا أعمل أيه وفاتت سنة والسيدة شادية والنبي وحشتنا وكثير من الأغاني الجميلة والرقيقة أيضا.
ودارت الأيام ومرت الأيام ولم يعد الأصدقاء السبعة يلتقون إلا أنني اسعدني الحظ والتقيت بسلامة مرة أخرى عبر الفيس بوك والتقينا اكثر من مرة وما زال يحتفظ بروحه الحلوة ودعابته برغم ما مر به من ظروف صعبة، وأخيرا احضنوا الأيام لتجري من إيدينا، أحلى أيام الهوى راحت علينا، ومتكملش باقي الأغنية علشان متزعلش.