الجمعة 19 ابريل 2024

«والنبي يا دليل وديني»

مقالات5-7-2022 | 12:17

والنبي يا دليل وديني على النبي وأشوفه بعيني

النبي لما عدى وفات

على مِني وجبل عرفات

نسائم فجر القاهرة تحمل أغاني مشربيات وشرفات وأسطح وأحواش البيوت وترفرف الرايات من عصاري الأمس مزدحمة بأهلها وخدمها وعبيدها وزوارها ومنازل استأجرها لهذا اليوم أمراء وأثرياء فقد مشى المنادي بالأمر السلطاني لدوران المحمل في النصف من رجب إذا صادف يومي الإثنين (ميلاد الرسول) أو الخميس (رفع الأعمال للسماء) أو أقرب يوم منهما بعده.

بشاير الحجة الرجبية

منذ حج السلطان الظاهر بيبرس 667هـ فدوران المحمل وكسوة الكعبة يشدان عزم المتشوقين بنية السلطان في تسيير القافلة المتوقفة من 21 عاما باحتلال التتار بغداد وتهديدهم لدروب الحج.. وقد انتصر بيبرس وبسط نفوذه للحجاز وعين ابنه (السلطان سعيد) كأول أمير للحج.

من الصباح الباكر وحتى منتصف ليلة الغد (يومين وليلة) تعيش القاهرة مهرجانا عاما؛ الأغنياء والفقراء.. الأمراء والقضاة.. الدراويش والصعاليك.. الغرباء والأجانب.. النساء والأطفال.

يوم الحشر.. تعطل المصالح والدواوين وتكتظ الطرقات.

كل الطوائف استعدت؛ قصبجية دار الكسوة، جنود الفرق الموسيقية، وفرق المرماح، المزمار البلدي، التجار، خدام مسجد المشهد الحسيني.

ينتهي الأسطوات من صلاة الفجر ويفتحون ورشهم، ويتأكد الصبية من نظافتها ومراجعة ساحة حريم الأسطى وصديقاتهن وجيرانهن ينظفون الشارع ويرشونه بالمياه.

مجتمعين حول أطباق فول وطعمية، وصينية الشاي ويجيئ عمال الفراشة لباكية قماش يفرشونها بالكليم ومظلة لحر الصيف ومطر الشتاء لنساء زبائنهم.

تفتح لهن أبواب البيوت المجاورة، دورات المياه يرددن «بيع اللحاف زي المخمل حتى أشوف زي المحمل».

في الضحي.. نزل المنادي من القلعة باختيار أمير الحج وأمين الصرة وتبارى الناس لتحديد سراي كل منهما "يا هناه.. اللي اتوعد.. يا هناه..يا هناه.. يا هناه".

من مشربيات سراي أمير الحج.. وقد أنعم السلطان عليه بالملابس والأموال وصرة للصرف علي الحجاج، يرد تحية المتزاحمين ليبدأ الاحتفال الذى أعده منذ تسرب خبر ترشيحه وكذلك عند أمين الصرة.

تدق الطبول بالمزمار البلدي والصاجات..

••

أنهت الطوائف الأربع لخدمة القافلة استعداداتها لتطوف عليهما لـ (العراضة) بعرض أدواتها..

 الضوئية.. يقودهم معلمهم (ضوي باشا) للمشاعل.. يصعد لأمير الحج يأخذ كوفية كشمير يرتديها في الاحتفالات..

العكامة.. هم الشيالون بتختروان، علي جملين من مربع خشبي مغطي بالستائر لسفر النساء .

الفراشون مسئولون عن فراشة الخيام بجمل خيام مربوطة.

السقاوون بقرب منفوخة وجمل عليه قرب مياه، وقمع النحاس لملء القِرب.

موكب يخترق القاهرة إلى ميدان الخرنفش ودار الكسوة.

يتفرغ المسئولان لمهماتهما المستمرة ٦ أشهر تبدأ غدا في احتفالات الدوران والسفر منتصف شوال (بعد ٣ أشهر) ورحلتى الذهاب والعودة منتصف محرم بعد ٣ أشهر أخرى .

أمير الحج ..الحاكم الفعلي لـ50 ألف فرد، وأضعافهم دواب جمال وخيول وأغنام (للطعام والأضحية) وجنود وجمالة وخدم وطباخين وغيرهم.

أمين الصرة .. خزينة مرتبات أمير الحج والجنود (3 شهور) ومرتبات أميري المدينة ومكة والأشراف وزعماء القبائل وأموال فقراء مكة ونفقات الجمال والأعلاف والطعام والمشروبات يحملها على جمل بحراسة.

يأتنس بمحمل القاهرة محامل ليبيا والجزائر وتونس والمغرب.. والتكرور (غانا) (ودارفور)غرب السودان.

50  ألف أخرى بدوابهم وعبيدهم وخدمهم.. والنساء والشيوخ.. فالرحلة تسير في دروب صعبة ومتغيرات رياح وحر وبرد وأمطار وسيول وحيوانات ضارية وزواحف قاتلة قطاع طرق وعربان.. وما بين الحدود من قلاقل.

أمير الحج رتبة لواء ــ مشهود له بالنزاهة والحسم والأخلاق.. فيرفع له الحجاج راياتهم البيضاء في العودة بنجاح مهمته ولا يرفعون له الرايات السوداء للتشهير بفشله (تجريسه).

مهامه أن  يجمع الناس في سيرهم ونزولهم وأن يرفق بهم في الحر و البرد، والضعفاء والسائرين على أقدامهم وينتظرهم، ويقف عند المضايق الوعرة لتسهيل المرور ويزيل العقبات، ويسلك أوضح الطرق.. ويمر على مناطق الآبار والمراعي، والدفاع عن القافلة ويقدم المال للقبائل لتأمين المرور ويستمع لشكاوى الناس، ويفض المنازعات.. ويؤدب الجاني حسب الشرع، ويسافر في توقيت مناسب، ليصل  مكة في موعد الحج ولا يجوز لأحد مسائلته عن تصرفاته وقراراته أثناء الرحلة هو ومعاونيه وغلمانه وخدمه.. حتي ولو جريمة قتل.

ويتم تعيين وفد كامل تابع له يتولى ما تحتاجه القافلة :

دويدار لفرض النظام والقانون، وحراستها والقبض علي المخالفين ومعاقبتهم بإذن أمير الحج وقاض يصدر الأحكام الشرعية ومعه شهود من أهل الخبرة تبدأ مسئوليته من تعاقدات الحجاج مع الجمالة في عقود موثقة تكتب أمامه أو بمعرفته لضمان سلامة الحجاج وعدم النصب عليهم أو تركهم في دروب الجبال.. ومعهم (الغشامة) السجانون الذين يضعون المحابيس في القيود.. وأدلاء يعرفون الطرق.

ومشرف لكل من التموين ومعه كيالون للغلال

السقاءون والمطبخ والخبيز.

   طبيب للكسور والجراحات

مسئول الفراش للخيام وأعلام الإعلان عن التوقف والمسير وآبار مياه

ميقاتي لتوقيتات الصلاة ومؤذن ومختص للأكفان .

مشرف رعاية الجمال والخيول وآخر للسروج والركاب واللجام ومسئول لوضع (وشم) للجمال حتى لا تتوه في الزحام وجزار وخولي للأغنام.

طبيب بيطري ونجارون

مغنى لقيادة الجمال بالغناء

أبو القطط لإطعام القطط التي تتبع القافلة

مسئول السلاح ونفطي (من النفط) لحرائق البهجة والصواريخ في بركة الحج (بمصر) وينبع ومِني وعرفات بالحجاز

مسئول الضوئية للإنارة بالمشاعل، والطبول للتسرية عن الحجيج ورفع العلم السلطاني، كوسات نحاسية (صاجات كبيرة) وجماعة من الصوفية يرسلهم السلطان على نفقته بركة للقافلة

مبشر الحج ينزل بعد الحج، مباشرة من مِني للقاهرة يسبق القافلة بأربعة أيام يبلغ السلطان بسلامتها ويقدم له تقريرا عما حدث فينعم عليه بهدايا ويبيع رسائل الحجاج لعدد من المساعدين يوزعونها مقابل هبات الأهالى ويحتجز لنفسه رسائل الأمراء والأعيان يوصلها بنفسه ويجني  الكثير.

••

اليوم أحد أيام ثلاثة للمحمل :

-  دوران رجب في القاهرة وميدان صلاح الدين (القلعة) بالكسوة حتى المشهد الحسيني

-  خروج نصف شوال بدون الكسوة بعد 3 أشهر يومي الاثنين أو الخميس أو أقرب يوم لهما بعد 15 شوال باحتفال والاستعراض للسلطان والاتجاه للعباسية وبركة الحج.

-  عودة نصف محرم بالكسوة القديمة بعد 3 شهور من الحج يدخل القاهرة من باب النصر في احتفال أقل، فالكل منهمك في استقبال الحجيج.. والحجاج العرب والأفارقة يستعدون للعودة لبلادهم ويوزع السلطان  قطع الكسوة علي الأمراء ورجال الجيش والأشراف والأعيان.

••

في الظهيرة تتجه العيون والأفئدة والجموع والطوائف لميدان الخرنفش لخروج الجمل بالمحمل الخشبي وكسوته الحريرية الخضراء اليومية حتى سبيل كتخدا.

تخرج القطع الأولى للكسوة علي أكتاف الجنود والخفراء، إلى ميدان القلعة، مرورا بالنحاسين والغورية وباب زويلة والدرب الأحمر والتبانة والحجر.. يفرد بعضها والأحزمة والكرانيش على مصطبة في الميدان  يستمتع الناس بفنون الخط العربي في آيات قرآنية بخيوط الذهب والفضة.. يشاهدها غدا السلطان وكبار رجال الدولة.

عند العصر يجتمع في مقدمة الموكب قضاة الإسلام الأربعة وقادة الجيش والأمراء والأعيان.. ويخرج مدير دار الكسوة بملابس رسمية علي فرس، يفرد أمامه كيس مفتاح الكعبة وسط الطبول والمزمار وموسيقي الجيش وتهليل الأهالي.. ويتبعه جِمال مفرود عليها بعض الكسوة، والخفراء يحملون على أكتافهم  باقي القطع  (43 قطعة) خلفهم  فتوات القاهرة في موكب إلي سبيل كتخدا، فيتقدمهم مدير الدار بالكسوة، والمحمل،  حتى ميدان القلعة.

ترص باقي الأجزاء (ملفوفة) على مصطبة خاصة ويدخل جمل المحمل إلي القلعة ليرتدي الحلة الرسمية المطرزة بالذهب والفضة وعليها الآيات القرآنية، ليخرج للميدان وحتى منتصف الليل، ويدخلوه صالة في القلعة  للصباح وسط إضاءة شمعدانات حيث يستعرض السلطان نقوش الكسوة ويتبارك بالمحمل.

وبعد العصر تبدأ احتفالية (توديع الكسوة) بوليمة لكبار رجال الدولة وسرادق كبير لقرأن لمشاهير القراء.. وآخر للإنشاد الديني وثالث لمطربي الأغاني الدينية.