للحب كتاب ودستور سطّره الشعراء، وحفظه المحبون في الصدور، وهو من أبجديات العاشقين، كم من لوعة تدمي القلوب في قصص المحبين، وقصائد حب خلدت قصصا تروي عذابات العاشقين، لكنها لم تكن خِنجرا ينتزع الفؤاد تحت وطأة الوعيد، ماذا جرى في عقود ليست ببعيدة؟ ماذا يجري لمجتمع صاحب أجمل قصص الغرام منذ آلاف السنين، كسر الفرعون أمنحتب الثالث كل القواعد الملكية ليتزوج من محبوبته "تي" التي لم تكن تحمل الدم الملكي كاد يفقد شرعية الحكم لأجلها، إنه الحب منذ فجر التاريخ، كان المصري القديم هو من علّم الدنيا الغزل.
قبل ثلاثة آلاف عام كتب عاشق لمحبوبته " حبي لك ينفذ إلى كل جسدي، كما يذوب الملح في الماء، كما يمتزج الماء بالنبيذ"، ماذا جرى ليتحول العشق لجنون، لم تمر إلا أيام قليلة على حادث المغدورة نيرة أشرف، وتخرج على منصات التواصل الاجتماعي قصص جديدة تحمل تهديدًا ووعيدًا لأخريات، وقصة أخرى لزوج تخلص من زوجته دون وازع من رحمه وذهب ليبحث عنها؟!
لقد نحتت آلام الحب أجمل القصائد وأروعها، عشق أحمد رامي شاعر الشباب لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ولم يتزوجها، وكتب لها ما يقرب من 137 قصيدة بعضها كان يجسد مواقف بينهما، ففي حفل تكريم للموسيقار محمد عبد الوهاب في دار الموسيقى العربية، حدث سوء تفاهم بين "أم كلثوم" و "رامي"، وازداد حده عندما قالت له: "يا ليتني ما عرفتك يا شيخ"، كانت تلك العبارة قاسية علي قلب عاشق ما أغضبه وأصبحت قطيعة بينهما استمرت لفترة طويلة، وعلى أثر تلك الواقعة كتب "رامي" قصيدة أصون كرامتي، وغنتها كوكب الشرق، بعد الصلح، وكتب فيها الشاعر " أصون كرامتي من قبل حبي.. فإن النفس عندي فوق قلبي.. رضيت هوانها فيما تقاسي.. وما إذلالها في الحب دأبي".
كان حب "رامي" لسيدة الغناء العربي من طرف واحد لكنه ظل خالدا بكلمات قصائده التي ولدت من عذاب الحب، وفي العام 1975 غيب الموت كوكب الشرق وأدمي قلب شاعر الشباب.
أما الآن فقد تحولت مشاعر الحب إلى نهر من الدماء، يمكنك أن تلحظ ذلك مع بداية الألفية الثالثة، ففي نهاية نوفمبر 2003 شهد حي الزمالك إحدى أبشع جرائم الحب، وإن شئت الدقة كانت مذبحة، فقد قتلت الفنانة ذكرى على يد زوجها أيمن السويدي، الذي أحبها وتزوجها وأفادت التحقيقات الرسمية آنذاك، أنه أطلق الرصاص على زوجته المطربة التونسية بعد خلاف معها ثم أطلق على مدير أعماله عمرو حسن صبري وزوجته خديجة صلاح حافظ أثناء تواجدهما معه في الشقة، ثم أدخل ماسورة أحد المسدسين في فمه وأطلق رصاصة أنهت حياته.
لقد مس المجتمع خلل في منظومة القيم، لقد تحول مفهوم الحب في عقل البعض إلى مرادف للأنانية والامتلاك " أنا أو الموت" يمكنك أن تلمح بعضًا من ذلك في تلك العبارات بين بعض الشباب والفتيات التي بالطبع أتحفظ عليها، لكن ضرورة الإيضاح تضطرني لاستخدامها مثل (يا بت إنتي بتاعتي) قد تأخذ بين طرفين كونها نوعا من المزاح لكنها جزء من صورة ذهنية لدى من يرددها، والقبول بها يعني الموافقة الضمنية من جانب الفتاة، هكذا يراها الشاب، فتلك ثقافة لجيل تشكل وعيه منصات التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين، بمعنى أن اكتساب الخبرة والمفاهيم والقيم التي يخضعون لها وتحرك جانبًا من سلوكياتهم صنعها هؤلاء الشباب.
علينا إدراك خطورة منصات التواصل الاجتماعي وقدرتها على تشكيل آمال وأحلام ذلك الجيل، فقد أصبحت ملاذا لهم، وبالأمس القريب شاهدت عبر منصات التواصل الاجتماعي فتاة تقدم على الانتحار وتوجه رسالة لمتابعيها على حسابها على فيسبوك، وقبلها بفترة قصيرة أيضا شاب أقدم على نفس الفعل بسبب قصة حب فشلت، الأمر يحتاج لوضع ارتفاع وتيرة جرائم الحب تحت المجهر من جانب علماء النفس والاجتماع قبل أن نصل مستوى من الجرائم يصعب مواجهته، فالعقوبة أمر حتمي لكنها لا تعني عدم تكرار الجريمة، البحث خلف الظاهرة هو ما يؤدي للوقوف على أسباب حقيقية وطرح حلول قابلة للتطبيق، حفاظا علي سلامة المجتمع.