الجمعة 26 ابريل 2024

غربة المرقد.. عن قصة «شهداء اللطرون»

مقالات14-7-2022 | 11:33

صعدت أروحهم إلى بارئها، واستقرت أجسادهم علي أبوب مدينة الصلاة، مر أكثر من نصف قرن على استشهادهم دفاعا عن مقدسات الأمة وشرفها وعروبتها، بردا وسلاما على أروح دافعت عن القدس الشريف، في مواجهة من دنس تلك الأرض المباركة، وسفك دماء الأمة، من لا يعرف قيمة للعهود والمواثيق، من تلوثت أيديهم بدماء الأطفال منذ مذبحة "تل جنان" التي حصدت أروح أكثر من 600 شهيد بين أطفال ونساء ورجال، مرورا بمذبحة دير ياسين، وجريمة مدرسة بحر البقر، لا تتورع تلك الأيادي الأثمة عن استهداف العزل وطواقم الصحفيين والنساء و الأطفال وارتكاب جرائم الحرب.

يا وجعي من غربة المرقد، وغياب الجسد عن ثري الوطن، 55 عاما مرت، وغيابهم يضج مخادع ذويهم، عن شهداء اللطرون وغربة المرقد، أسطر فصلا من بطولة شهداء الأمة. 
منذ بضعة أيام كشف يوسي ميلمان الصحفي الإسرائيلي والصحافة العبرية عن فضيحة يندي لها الجبين، يعود تاريخها إلي حرب يونيو 1967، حيث نشر" ميلمان"، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ"تويتر"، أن "أكثر من 20 جندياً مصرياً أحرقوا أحياء، ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية، لم يتم وضع علامات عليها، في مخالفة لقوانين الحرب، فيما أكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أن هناك مقبرة جماعية في منطقة اللطرون تحتوي على رفات 80 جندياً مصرياً شاركوا في حرب يونيو 1967. 
البداية كانت مع توقيع العاهل الأردني الراحل، الملك الحسين بن طلال، اتفاقية للدفاع المشترك مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبيل الحرب، حيث بعثت مصر فرقتين من قوات النخبة إلى منطقة اللطرون التي تقع على الطريق بين القدس ويافا.
وكانت القوات المصرية تستعد للهجوم انطلاقاً من اللطرون باتجاه مطارات عسكرية تابعه لقوات الاحتلال الاسرائيلي في الرملة، قبل أن تندلع اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال.
وعقب اشتباكات بين الجانبين بمنطقة اللطرون في اليوم الأول أطلق جيش الاحتلال قذائف باتجاه الأراضي، التي كانت تتواجد بها القوات المصرية، مما أدى إلى اشتعال حرائق كبري قرب كيبوتس نحشون. 
انتشر الحريق سريعاً، ولم يكن للقوات المصرية فرصة للنجاة. وقال القائد العسكري للكبيوتس حينها "زين بلوخ"، في اليوم التالي جاء جنود من الجيش الاسرائيلي مجهزين بجرافة إلى مكان الواقعة، وحفروا حفرة، ودفعوا الجثامين فيها وغطوها بالتربة، وأقامت حكومة الاحتلال، على القبر الجماعي مقصدا سياحيا يدعي "إسرائيل الصغرى". 
علي المستوي الرسمي، أكد بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة المصرية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال محادثة هاتفية مع "يائير لابيد" الرئيس الحالي لحكومة اسرائيل، تم التوافق على قيام "السلطات الإسرائيلية" بفتح تحقيق كامل وشفاف، حول تلك الأحداث، فيما أكدت وزارة الخارجية المصرية على تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بالتواصل مع "السلطات الإسرائيلية" لتقصي حقيقة ما يتم تداوله إعلامياً، والمطالبة بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة. 
اتوقع أن تؤكد نتائج التحقيق المعلومات التي نشرتها الصحافة العبرية، وأتوقع أن لدى الدبلوماسية المصرية سيناريوهات للتعامل مع الموقف على المستوى الرسمي. 
أسطر تلك القصة وأنا أشعر بمراره في حلقي، مثلي مثل كل أبناء الوطن، عزاؤنا أننا نحتسبهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لقد دافعوا عن العرض والأرض، ربما أملك قلما يتيح لي أن أعبر عن نبض الشارع الغاضب من جرائم تلك الأيادي الأثمة، وما يتكشف عنها يوما بعد يوم، والتي تصنف وفق القانون الدولي بجرائم الحرب، لكن المجتمع الدولي دائما ما يغض الطرف عنها كونه مصاب بعوار الحقيقة. 
علموا أبناءكم أنكم أحفاد رجال صانوا الأرض والعرض، دفعوا الدم من أجل شرف الأمة، لم تغرهم الدنيا بأسرها فكانوا أبطالا، وفخرا لكل عربي، علموا أولادكم قراءة التاريخ وتدبر الحكمة، من وسط ظلام يونيو 67 خرجت مشاعل النور في أكتوبر 73، إن من يقرأ التاريخ يدرك تماما أن المواجهة دائما مستمرة، لن تتوقف أبدا، ادعوا معي لشهداء اللطرون بالرحمة والمغفرة في مرقدهم النوراني عند الحق العلي القدير. 
اجعلوا من غربة مرقدهم نصبا تذكاريا في قلوب وعقول الأجيال المقبلة، حتى لا ننسى التاريخ، ونكون يوما ما نسيًا منسيًا.

Dr.Randa
Dr.Radwa