الإثنين 29 ابريل 2024

هكذا تحدث فرج فودة (6): الإعلام وسبل حل مشكلة الإرهاب

مقالات15-7-2022 | 15:34

يقول فرج فودة: "الخط الإعلامي الوحيد الثابت في الإعلام المصري في أغلبه يستهدف تهيئة الرأي العام المصري لقبول تحويل مصر إلى دولة دينية، وعكس ذلك شديد الحدودية، بل هو رد فعل وقتي، يحدث في أعقاب أحداث الإرهاب أو التلويح بها، وينتهي دائما فجأة كما بدأ فجأة، وترتفع بعده نبرة لم الشمل، والمصالحة، والإقناع بالحسنى والتبرير بحسن النوايا، والتأكيد على أننا المخطئون، فقد دفعناهم إلى إطلاق الرصاص حين لم نستجب لهم".

هكذا كان يرى فرج فودة الإعلام المصري، وهكذا مازال الإعلام المصري يمارس نفس سياساته الإعلامية في رفض خطاب التنوير واحتضان الخطاب الظلامي، ولكن هذه المرة من قبل بعض شيوخ المؤسسة الدينية، أو الدعاة الجدد، فنشاهد عدد من البرامج الدينية يفوق أضعاف مضاعفة البرامج الأخرى وتتبنى تلك البرامج خطاب تلفيقي حول وثيقة المدينة من ما يزيد على 1400 سنة، وحول قبول الأخر وعدم الفرقة وغيرها من المواضيع الجاذبة للجمهور وفي نفس الوقت يقومون بتكفير الأخر الديني بحجة أن التكفير يدخل في إطار العقيدة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة ويطلقون آيات التكفير في الفضاء الرحب لتترسخ عقيدة التكفير في ذهن العامة، فهم لا يعترفون بالمواطنة بحال من الأحوال، و يستندون إلى سلطة وهيمنة خطابهم المستمدة من مكانتهم الدينية أولا ومن الدولة ثانيا.
وغير هذه البرامج الدينية هناك برامج التوك شو التي تعتمد على الصوت العالي وتستضيف أحد المشايخ للإدلاء برأي الدين في قضية ما، فيتسم الإعلام بأنه يدعو لدولة دينية في المقام الأول ولو على استحياء أو عن عدم وعي، فما من فيلم أو تصريح لفنانة أو مسلسل أو حتى "جلسة تصوير لفنانة" غلا ونجد مقدم البرنامج متصلا بشيخ من الأزهر لأخذ رأيه.
ويضرب فرج فودة العديد من الأمثلة على مستوى الصحف والمجلات والتليفزيون وأعتقد أن هذه الأمثلة ربما تفيدنا كثيرا لمعرفة كيف قامت وسائل الإعلام المصرية التي تمتلكها الدولة، والتي تدعي أنها تحارب الإرهاب، بتمهيد الأرض وتسويتها لوصول هذه الجماعات الإسلامية إلى سدة الحكم من 2012، ولدينا أمثلة الأن كثيرة عن ما يحدث أيضا في دور النشر ومعارض الكتاب والصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاعلام المختلفة والتي أيضا تدعي أنها تحارب الإرهاب وتقف مع الدولة في هذه المواجهة وهي تقوم بتنعيم الأرض واعادة تسويتها لهذه الجماعات مرة أخرى، وأعتقد أن القارئ يستطيع أن يضرب بنفسه أمثلة كثيرة على هذا ويكفينا عبد الله رشدي ومبروك عطية  وسعاد صالح وغيرهم كثر، الذين تستضيفهم القنوات الفضائية ولهم مقالات ثابتة في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية، حتى أصبح المواطن المصري محاصر بالفتاوى مما أدى به الى عدم القدرة على التحرك إلا بفتوى، يحتاج فتوى للجلوس مع بناته وفتوى لركوب المصعد وفتوى لدخول الحمام أو الخروج منه وفتوى للتعامل مع زوجته،.. إلخ
ونتسائل مع فرج فودة هل الهدف من الرسالة الإعلامية هو تحويل مصر من دولة مدنية إلى دولة دينية؟ أم أن الهدف هو بقاء الحال على ما هو عليه من مدنية الدولة وتوازن الدين معا، وفتح نوافذ للعقل والفكر والثقافة والفن خارج منظومة الإعلام.
وكلمة أخيرة حول الإذاعة التي ربما لم يعد يسمعها الكثير من شبابنا ولكن هناك من يفضلها خصوصا في سيارات الأجرة وغيرها، فإن الإذاعة المفضلة لمعظم سائقي الأجرة "إذاعة القرآن الكريم" كذلك يقوم بتشغيلها الناس في البيوت تقريبا طوال الوقت، ونستطيع القول والتأكيد على أنك لو تابعت هذه الإذاعة لمدة شهر متواصل من الممكن ان تتحول إلى إرهابي، أو متشدد على أقل الفروض، ينتج عن هذا أن الإعلام في مجمله يحتاج إلى إعادة هيكلة ووضع استراتيجية قومية وطنية مدنية، مثله مثل الكثير من مؤسساتنا وحسب فرج فودة أنه لو تم تصحيح مسار الإعلام لانتقلنا جميعا نقلة هائلة، فبدلا ما ننقل للرأي العام مشاعر الغضب، وبذور الفتنة، وخطوات التراجع أمام الردة الحضارية، فلننقل لهم الحقائق و اشراقات الأمل، وقفزات التقدم إلى ساحة الحضارة والثقافة الإنسانية الرحبة، أن ننتمي للعالم بدلا من الهروب منه أو معاداته. 
سبل الحل على المدى الطويل:
يوجز فرج فودة هذه السبل في ثلاثة محاور أساسية (التعليم، المشكلة الاقتصادية، الوحدة الوطنية)، يقول فرج فودة: "فلابد من مراجعة برامج التعليم الحالية، لأنها أحد أسباب ظهور جيل يستنكف استعمال العقل ويحجم عن إعماله، ويستهين بالحضارة الإنسانية ويحمل لها خالص الاحتقار.. فلو استطعنا على المدى الطويل خلق أجيال.. يكون الهدف الأول للتعليم هو إعمال العقل واستخدام المنطق والأسلوب العلمي والمنطقي في التفكير، لقضينا على جانب كبير من جوانب مشكلة الإرهاب"
نتفق مع فرج فودة فيما قال ونضيف عليه نقطة لم يتعرض لها في مسألة التعليم ربما لم يكن يريد التعرض لها تحاشيا للدخول في صدام مع المؤسسة الدينية، وهي "التعليم الدينى" وما به من مناهج تؤسس للإرهاب بشكل عام، وكم تحدثنا في هذا الموضوع وتحدث غيرنا، وكم طالبنا بالنظر في مناهج مؤسسات الأزهر التعليمية وكتب التربية الدينية في المدارس والجامعات إلا أنه لا حياة لمن تنادي، نعم نتفق مع فرج فودة تماما في أن التعليم هو الخطوة الأهم التي علينا أن نهتم بها وهي التي من الممكن التي تخلصنا من الإرهاب على المدى الطويل.
وعن المشكلة الاقتصادية يقول فرج فودة: ".. فلست أعتقد ان أحدا يختلف على أنها من الأسباب الرئيسية لظاهرة الإرهاب، ذلك الذي لا نجد له مكانا في نادي الجزيرة أو  نادي هليوبوليس مثلا، وإنما نجد جذوره في المطرية وعزبة النخل وكرداسة.. وغيرها وفي أعماق الريف المصري المطحون بالمشاكل وتدني مستوى الخدمات"
وهنا نختلف مع فرج فودة، حيث أثبتت الأيام أن الحالة الاقتصادية ليست سببا رئيسيا في انتماء الشخص لجماعة إرهابية، وهذا لان العامل الاقتصادي ليس مهم، أو أننا نريد تدني الأوضاع الاقتصادية أو نوافق على تدنيها، بالعكس تماما، نحن نطالب بحل المشكلة الاقتصادية واتخاذ خطوات جادة في هذا المجال، لارتفاع مستوى معيشة الفرد والمجتمع، فالحالة الاقتصادية في بعض الأحيان تكون سبب ولكن ليس في كل الأحول ولدينا من عاصرهم فرج فودة نفسه وقاموا بتنفيذ أكبر عمليات ارهابية في تاريخ هذه الجماعات في مصر وهي اغتيال الرئيس السادات، فمن قاموا بها خالد الاسلامبولي زعبود الزمر وغيرهم من أسر لا تعاني مشكلات اقتصادية بالعكس تماما فهم من أسر ثرية ولدينا أيمن الظواهري خريج الطب وأسامة بن لادن ومازالت عائلة بن لادن تتمتع بالثراء حتى الأن.
نؤيد فرج فودة حينما يقول أنه لحل المشكلة الاقتصادية في المدى الطويل يتحقق من خلال هدفين أولهما أن تصبح مسئولية حل هذه المشكلة واجبا للجميع، وان يدرك كل مواطن أبعادها ودوره في التصدي لها بالحل، وأن يتخلى عن سلبية عدم الاحساس بها أو النظر لها من الخارج كأنها مشكلة خارجية، وثانيهما أنه إذا كان صعبا في المدى القصير ان نشترك في الحل لصعوبة او لطول فترته الزمنية.. فلا اقل ان نشترك في الهم، فيصبح سداد قسط القرض هما للجميع، ومثار حوار وترقب، ومحل انتظار وتعاطف.. فإن على الدولة ان تدرك انه كلما زادت الأزمة الاقتصادية اضيف الى حساب الإرهاب رصيد جديد، وبقدر ما تدفع المواطنين إلى المشاركة في الحل، بقدر ما تسحب من هذا الرصيد.
وعن مسألة الوحدة الوطنية فيرى فرج فودة ونحن معه أنه لا يكفي أن نتبادل العناق والقبلات، أو نشترك في الندوات، وانما يجب ان نتدارس هذه الظاهرة في هدوء وعمق، وأن نضع لها الحلول، وقبل ذلك أن نعترف بأنها تعكس خللا جوهريا في سلوكنا الاجتماعي ونظرتنا إلى حرية العقائد.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa