الخميس 18 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء.. وقصص نجاحهم الملهمة (4)

مقالات15-7-2022 | 17:23

الدكتور عطية عبد السلام عاشور.. عاشق علم الرياضيات
«إذا كان عقل الانسان في حالة تيه، فليدرس علم الرياضيات» فرنسيس بيكون
لقد أطلق على الرياضيات اسم «لغة العلوم الدقيقة»، وكـغـيـرهـا مـن  اللغات كان يُجرى عليها التجارب لجعلها لغة بسيطـة!  اليوم نتحدث عن واحد من هؤلاء العلماء الافذاذ فى علوم الرياضيات صال وجال وترك بصماته فى ما قدمه وأجراءه للعديد من التجارب لجعل تلك اللغة مستصاغة للجميع بما كتب والف وترجم ونشر. أنه الدكتور عطية عبد السلام عاشور (وُلد في دمياط فى 14 سبتمبر 1924، وتوُفي فى 17 أبريل 2017).

هو عالم رياضيات مصري حصل على بكالوريوس العلوم في الرياضيات-الدرجة الخاصة (من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة. وفى عام 1945 أرسل في بعثة للكلية الإمبراطورية في لندن فحصل على دكتوراه الفلسفة في الرياضيات 1949م ثم حصل على دكتوراه العلوم D.Sc. عام 1967م من نفس الجامعة. عين مدرسا للرياضيات التطبيقية بقسم الرياضيات في كلية العلوم جامعة القاهرة  1949م، ثم استاذا مساعدا 1956م، ثم استاذا (1965م – 1984م)، وأستاذاً متفرغاً بنفس القسم (1984 - 2017). له أكثر من 50 بحثا في الرياضيات التطبيقية والجيوفيزياء خاصة موضوعي “التيارات الحثية وتطبيقاتها في المغنطيسية الأرضية والمسائل الحدية المختلطة”. والتى تعنى اقتراح طريقة شبه تحليلية لحل المشكلات المحورية للحث الكهرومغناطيسي فى الغطاء الكروى الموضوع في مجال مغناطيسي متغير زمنيًا بسبب ثنائي القطب المغناطيسي المحوري أو في مجال مغناطيسي محوري متغير زمنيًا. توفر هذه الطريقة حلولًا تقريبية لمسائل القيمة الحدية الصعبة رياضيًا التي تصف توليد التيارات الكهربائية في الصفائح الرقيقة، لزوايا الغطاء الكروى. 

شغل الدكتور عطية عاشور عدة مناصب أكاديمية دولية منها نائب رئيس الاتحاد الدولي للطبيعة الأرضية ومقاييس الأرض (1971م – 1975م)، ثم رئيسا للاتحاد (1975م – 1979م). كما كان عضواً بمجمع اللغة العربية. وشارك في ترجمة وتأليف عدد من المراجع والكتب العلمية المبسطة منها: الرياضة للمليون، العلم للمواطن، متعة الرياضي: مدخل إلى الرياضيات: من الحضارات القديمة حتى عصر الكميبوتر، تأليف: جون ماكليش وراجعة: عطية عاشور، العدد 251 من سلسلة عالم المعرفة. اما عن الجوائز التى حصل عليها فهى عديدة ومنها: جائزة الملك (مناصفة مع د.ماهر نصيف غبور) 1951م، جائزة الدولة التشجيعية في الرياضيات 1965م، جائزة الدولة التقديرية 1988م، جائزة مبارك (لاحقاً حائزة النيل) في العلوم الأساسية 2004، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1984م، 1990م. وسام فارس من الحكومة الفرنسية، والميدالية التذكارية من الاتحاد الدولي للطبيعة الأرضية ومقاييس الأرض.
   

من ضمن ما تكلمت عنه فى الحلقات السابقة الدور الهام الذى قام به هؤلاء العلماء الافذاذ وغيرتهم على اللغة العربية، انهم جميعا وبلا استثناء قاموا بترجمة امهات الكتب فى عصرهم الى اللغة العربية. حيث قام د.عطية عاشور وهو مدرس بالجامعة بمشاركة زميله د.محمد النادى وهو أيضا كان مدرس فيزياء  بترجمة كتاب مهم لألبرت أينشتاين وليبولد إنفلد بعنوان " The Evolution of Physics: From Early Concepts to  Relativity and Quanta"  أو"تطور علم الطبيعة، تحول الاراء من المبادىء الاولى الى نظرية النسبية والكمات" فى بداية الخمسينيات من القرن العشرين وهذا الامر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاهتمام بتعريب أمهات الكتب كان سمة مهمة وكان يسارع اليها العلماء فى ذلك الوقت بتشجيع من رؤسائهم. وهنا أطلب من السيد رئيس جامعة القاهرة د.محمد الخشت وهو مثقف كبير بدعم طبع ونشر كل تراث هؤلاء ليقدم مثالا حيا بالاهتمام بتراثهم العلمى.


أظهر الدكتور عطية عاشور مهارة كبيرة في الرياضيات الحسابية منذ صغره، فعندما كان في السابعة من عمره التحق بالمدرسة الابتدائية في دمياط. درس هناك لمدة أربع سنوات، ووصف تلك الايام يقول عنها: "على الرغم من أن التعليم لم يكن شاملاً، إلا أنه كان تعليمًا جيدًا وكان المعلمون مهتمين حقًا بتعليمنا، على الرغم من أن بعضهم كان قاسيًا للغاية. كانت الرياضيات سهلة للغاية بالنسبة لي. وكانت تعتمد على تعلم الحساب والارقام، والذي أتقنه بسهولة. قد لا يكون هذا مقياسًا للقدرة الرياضية، لكنه كان في ذلك الوقت مقياسًا للتميز". ويردف قائلا: لكى أذهب الى المدرسة، كنت أبحث عن شخص يكون ذاهبًا من منطقته إلى دمياط ويملك حمار ليأخذه معه، أو عليه أن يمشى لمسافة طويلة على جانب قناة الشرقية، ثم كان مسار القطار على الجانب الآخر. ولان دمياط بلد ممطر للغاية وتصبح أرض موحلة، فقد كانت والدته تقف على سطح المنزل تراقبه وهو ذاهب إلى المدرسة والتى تقع فى منطقة بعيدة من دمياط. وبالرغم من تلك المشقة، كان يشعر بالراحة فى ذهابه الى المدرسة. عندما انتقل عاشور إلى القاهرة لمواصلة تعليمه. لم يكن هذا بالامر السهل لأنه كان يعني مغادرة دمياط التى كانت تزودهم مزارعها بإمدادات وفيرة من الطعام وكل ما يحتاجون إليه لعيش حياة مريحة، حيث استقر في منطقة العباسية بالقاهرة وبدأ دراسته في مدرسة فؤاد الأول الثانوية (الآن مدرسة العباسية الثانوية). لكونها مجانية فلم تكن الأسرة في وضع يسمح لها بدفع الرسوم المدرسية. في عام 1940 بدأ عاشور دراسته في كلية العلوم في جامعة الملك فؤاد الأول في القاهرة. ( وهو العام الذي غيرت فيه الجامعة المصرية، التي تأسست عام 1908، اسمها إلى جامعة الملك فؤاد الأول). درس عاشور الرياضيات البحتة والرياضيات التطبيقية والكيمياء والفيزياء في سنته الأولى، لكنه سرعان ما اكتشف أنه على الرغم من موهبته في الرياضيات والمواد النظرية، إلا أنه كان أحد أفقر الطلاب في تجارب الفيزياء العملية. عمل الطلاب في مختبر رياضي حيث تم تعليمهم الحساب باستخدام لوغاريتمات من 7 أرقام، وكان عليهم أيضًا دراسة الهندسة الكروية. بحلول السنة الثالثة كان يحضر مقررات في حساب التفاضل والتكامل متعدد المتغيرات والتحليل الرياضي وعلم الفلك. في هذا الوقت، كانت جامعة الملك فؤاد الأول تدرب الطلاب على خوض امتحانات الشهادة الخارجية بجامعة لندن، لذا كانت المقررات التي درسوها مماثلة لتلك التي تم تدريسها في جامعة لندن في إنجلترا. مما ميزهم عند الالتحاق بالجامعات الانجليزية. وفي عام 1944 كان لديه مؤهل يسمح بقبوله للدراسات العليا في إنجلترا. بعد تخرجه من كلية العلوم بجامعة الملك فؤاد الأول، تم تعيينه كمساعد هناك في 3 أكتوبر 1944. درس في جامعة الملك فؤاد الأول لأكثر من عام بقليل قبل مغادرته في ديسمبر 1945 للسفر إلى إنجلترا للدراسة للحصول على درجة الدكتوراه. بعد عودته أصبح على التوالي محاضرا أقدم ومن ثم أستاذا مساعدا وأستاذا للرياضيات التطبيقية، بكلية العلوم، جامعة القاهرة، 1948-1984. ثم رئيس لقسم الرياضيات، كلية العلوم، وفى 1984 تم تعيين الأستاذ عاشور أستاذًا فخريًا للرياضيات التطبيقية بجامعة القاهرة.
قام الدكتور عاشور بمهمات علمية الى كلية كوين ماري بجامعة لندن عام 1954 ؛ ومعهد الفيزياء، جامعة بون، 1955 ؛ 1955-1956، ومعهد الراديوم، جامعة باريس ؛ 1962-1963، وجامعة إكستر، المملكة المتحدة ؛ و 1972، قسم الفيزياء، جامعة إبادان، نيجيريا. كما كان ممتحنًا خارجيًا لامتحانات البكالوريوس (الرياضيات) وأطروحات الدكتوراه (الرياضيات والفيزياء) في العديد من الجامعات البريطانية والهندية والنيجيرية. كان مدير المدارس المتقدمة في فيزياء الأرض، المركز الدولي للفيزياء النظرية، تريستا إيطاليا، 1977، 1980، 1994، وأستاذ زائر، معهد الجيوفيزياء، بوتسدام، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، 1969، 1980 (بدعوة من أكاديمية العلوم الألمانية). وكان عضوًا في الجمعية المصرية للرياضيات، والأكاديمية المصرية للعلوم، والجمعية الجيوفيزيائية المصرية، و «المعهد المصري»، والأكاديمية المصرية للغة العربية (1990).
وعلى الساحة الدولية، كان عضوًا في مجالس تحرير المجلات: «الرياضيات الأفريقية» و«المجلة العربية للرياضيات» و «مجلة الجيوفيزياء». علاوة على ذلك، كان زميلًا في الجمعية الفلكية الملكية من عام 1954 ؛ زميل في الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي من عام 1964؛ ورئيس الفريق العامل المشترك بين الشُعب المعني بالمجالين الداخلي والخارجي التابع للرابطة الدولية للمغناطيسية الأرضية والطيران، 1973-197؛ ونائب رئيس الاتحاد الدولي للجيوديسيا (علم تقسيم الأرض) والجيوفيزياء، 1971-1975؛ ورئيس الاتحاد الدولي للجيوديسيا 1975-1979 الجيوفيزياء. وكان رئيس لجنة الاتحاد الدولي للجيوديسيا والجيوفيزياء المعنية بالجيوديسيا والجيوفيزياء، 1974-1983. ورئيسا للاتحاد العربي لعلماء الرياضيات والفيزياء، 1975-1977،  نائب رئيس الاتحاد الأفريقي للرياضيات، 1976-1986؛ وانتخب زميلا في أكاديمية العالم الثالث للعلوم، 1985؛ زميل مؤسس ونائب رئيس الأكاديمية الأفريقية للعلوم، 1985 ؛ ورئيس المركز الدولي للرياضيات البحتة والتطبيقية، نيس، فرنسا، 1992-1996؛ وعضوا في الاتحاد الدولي للفيزياء البحتة والتطبيقية، 1988-1994. ولبعض الوقت، كان عضوًا في المجلس الاستشاري للمدير العام لليونسكو للعلوم والقرن الحادي والعشرين. 
شارك في تأليف الكتب التي تغطي منهج الرياضيات في الشهادة العامة للتعليم في وقت مبكر من عام 1958. وكان رئيس تحرير أربعة كتب عن الجيوفيزياء كتبت خصيصا للعلماء في البلدان النامية. كما قام الدكتور عاشور بتأليف أكثر من 50 بحثًا علميًا في عدة سنوات. وانتخب زميلا في أكاديمية العالم الإسلامي للعلوم في عام 2000.
وفى تكربمه من الجمعية العامة للاتحاد الدولي للجيوديسيا والجيوفيزياء قام لأوري شامير أمام اعضائها بتقديم جائزة الجمعية الى د.عاشور قائلا: يسرني أن أقدم جائزة خاصة، وهي مفاجأة، لشخص كان ضوءا إرشاديا للاتحاد الدولي للجيوديسيا والجيوفيزياء منذ عام 1971 على الأقل، عندما انتخب نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للجيوديسيا والجيوفيزياء. ثم انتخب رئيسًا من 1975 إلى 1979، ثم انتخب لعضوية اللجنة المالية في عام 1983 - وهو المنصب الذي أعيد انتخابه فيه ثلاث مرات أخرى. وخلال فترة ولايته الأخيرة، 1995-1999، شغل منصب رئيس اللجنة المالية. لا يمكن أن يكون هذا الشخص سوى الدكتور عطية عاشور، وهو عضو محترم ومحبوب للغاية في مجتمعنا. يرجى منه قبول هذه الهدية الصغيرة امتنانا من الاتحاد الدولي للجيوديسيا والجيوفيزياء على 22 عامًا من الخدمة..!