السبت 4 مايو 2024

"خيار البحر"... سلعة من ذهب تعرف طريقها للتهريب من إفريقيا إلى الصين

خيار البحر

الهلال لايت 19-7-2022 | 16:01

دار الهلال

شهدت سواحل شرق أفريقيا خلال السنوات الأخيرة تصاعداً حاداً لأنشطة الصيد الجائر لكائن بحري غريب الأطوار يطلق عليه "خِيار البحر"، وترافق ذلك مع عمليات تهريب واسعة النطاق من ذلك المخلوق البحري الذي ينتمي لسلالة الجلد شوكيات، والذي يحظى بإقبال كبير وطلب متزايد في أسواق الصين وهونج كونج. 

وحذر تقرير أعدته وحدة مكافحة التهريب في نيروبي التابعة لـ"معهد الدراسات الأمنية" في إفريقيا، من أن تصاعد الطلب الصيني على "خِيار البحر" تسبب في تسارع عمليات الصيد الجائر والواسع النطاق له في سواحل شرق إفريقيا، منبهاً إلى أن ذلك يحمل في طياته تداعيات سلبية على السكان المحليين الذين يعتمدون عليه كعنصر غذائي مهم ومصدر رزق لعائلاتهم، فضلاً عن أضراره البيئية وتأثيراته السلبية على التنوع البيولوجي والثروة السمكية في دول شرق أفريقيا. 

وعلى امتداد سواحل شرق إفريقيا، في مدن مثل كوالي وبيمبا وزنزبار، يعتمد الصيادون المحليون على "خيار البحر" كمصدر رئيسي للغذاء، ومورد دخل للعائلات وللأجيال المتعاقبة، إذ يمثل هذا الكائن البحري، ذو الشكل الأسطواني الممتد، جزءاً مهماً في وجبات السكان المحليين بالمنطقة والتجمعات الساحلية، فضلاً عن كونه سلعة حيوية تدر دخلاً لهم.

وتقول بيانات "جمعية علوم البحار في غرب المحيط الهندي" WIOMSA إن بلدان شرق وجنوب إفريقيا المطلة على المحيط الهندي تستأثر بخُمس الإنتاج العالمي من "خيار البحر" الذي ينتشر عادة في قيعان المحيطات. 

وتكشف دوائر تتبع أنشطة التهريب غير المشروعة أن أعمال تهريب "خيار البحر" من سواحل شرق إفريقيا إلى هونج كونج تتزايد على نحو ملفت للأنظار، نظراً لاستخدام تلك الكائنات البحرية في إنتاج أدوية لعلاج آلام الأربطة، والعجز الجنسي، والإرهاق.

وفي هذا الصدد، تؤكد منظمة "ترافيك" TRAFFIC، وهي هيئة دولية غير حكومية تكافح أنشطة التجارة غير المشروعة في الكائنات البرية والنباتات، تصاعد منحنى أعمال التهريب خلال عام 2020، مشيرة في تقريرها إلى أن السلطات الكينية ألقت القبض على مسافر من جنوب أفريقيا إلى الصين مروراً بنيروبي وبحوزته كميات من "خيار البحر" المجفف في أمتعته. 
وأزل الباحث البارز في مشروع مكافحة التهريب التابع لـ"معهد سياسات الأمن" ISS في إفريقيا، ويليس أوكومو، الغموض بشأن أسباب الأقبال على تهريب "خيار البحر" من شرق إفريقيا إلى الصين، مبينا أن سعر الكيلوجرام الواحد منه في مدينة زَنزبار يتراوح بين 9 و40 دولاراً أمريكيا، حسب نوعيته وحجمه، وبعد التصدير إلى أسواق الصين وهونج كونج يبلغ سعر ما يزيد على 300 دولار للكيلو جرام. 
وقال أوكومو، معد التقرير، إن جزيرة هونج كونج استوردت وحدها، ما بين عامي 2012 و2018، نحو 8ر3 مليون كيلوجرام (3800 طن) من كائنات "خيار البحر" القادمة من القارة الإفريقية، ولا شك أن افتقار التشريعات في أرجاء شرق أفريقيا أتاح لأنشطة الصيد الجائر من "خيار البحر" الازدهار والانتعاش، رغم أنها مدرجة ضمن "المعاهدة الدولية للأنواع البرية والنباتات المهددة بالانقراض"، منذ عام 2019. 
وفي عام 2003، حظرت الحكومة الكينية استخدام معدات وأدوات الغطس في اصطياد "خيار البحر"، غير أن الحظر لم يتم تفعيله على أرض الواقع، ما قاد إلى المزيد من الصيد الجائر عبر السواحل الكينية، وفي عام 2006، قامت حكومة تنزانيا من جانبها، بحظر تجارة "خيار البحر" على أراضيها، غير أن الأنشطة التجارية لها استمرت في زَنزبار، على حد تأكيد منظمة "ترافيك"، وكان الهدف من تلك الإجراءات المحلية الانتقائية منع المتاجرة والتصدير حماية لـ"خيار البحر" وقصره على الاستهلاك المحلي. 
وعاود التقرير الحديث عن المغالاة في أنشطة صيد "خيار البحر" في تنزانيا والساحل الكيني، وهو ما أكده متعامل كيني في سوق "خيار البحر"، جوما أنتون، قائلاً إن الصيد الجائر منه قاد إلى نضوبه على امتداد سواحل شرق إفريقيا، وقد أرغم ذلك تجمعات الصيادين في كينيا وتنزانيا إلى تكثيف استخدامهم لوسائل أكثر تقدماً لاصطياد "خيار البحار"، مثل معدات وأدوات الغطس، وتقنيات خاصة للصيد، والقوارب المميكنة لاستخدامها في الصيد في المياه العميقة. 
وبينت مسؤولة مصايد في منطقة شيموني في مقاطعة كوالي، روزلين مواكيو، أن سلاسل القيمة سهلت الطريق أمام أنشطة الصيد الجائرة لـ"خيار البحر" على امتداد سواحل شرق أفريقيا. كما اندفعت عائلات المناطق الساحلية إلى حصد "خيار البحر" في المياه الضحلة والمياه البحرية العميقة، ومن ثم تبدأ عملية بيع الكميات المصيدة إلى أول مستوى للوسطاء المحليين، الذين يقومون بدورهم إما ببيع "خيار البحر" إلى مشغلين محليين في المدن الساحلية الرئيسة في مومباسا، أو زَنزبار، أو ماليندي، وإما بيعها إلى مستوى ثان من الوسطاء الذين يعملون بالقرب من الموانئ الرئيسة، وهذه النوعية من الوسطاء يقومون بالبيع مباشرة إلى الأسواق الدولية عبر موانئ شرق أفريقيا مثل ميناء مومباسا. 
وعلى صعيد البيئة، يلعب "خيار البحر" دوراً حيوياً في حماية التنوع البيئي للبحار من خلال إعادة تدوير العناصر الغذائية وتكسير مواد عضوية أخرى، لذا فإن تلك الكائنات توصف بأنها "مكانس المحيط" إذ أنها تلتهم نباتات ميتة وكائنات حيوية وتطلق مواداً مؤكسدة أكثر نقاءً، وهو ما دفع "جمعية علوم البحار في غرب المحيط الهندي" WIOMSA إلى التأكيد أن الصيد الجائر والكثيف لـ"خيار البحر"، الذي يحصد كميات هائلة منه للتصدير للخارج، قد يؤدي إلى فقدان البيئة الساحلية البحرية لقدراتها، وزيادة تداعيات التغير المناخي. 
وتشير المنظمة إلى أنه إلى جانب تهريب "خيار البحر" المجفف في سواحل غربي المحيط الهندي، فإن هناك ازدياداً للتجارة غير المشروعة في أصناف برية وبحرية أخرى مهددة بالانقراض مثل "آكل النمل الحرشفي"، و"فرس البحر". 
ويرى الباحث أوكومو في تقريره أنه لحماية "خيار البحر" كثروة حيوانية بحرية مهمة في منطقة غربي المحيط الهندي من الانقراض ،يتعين تنسيق التشريعات في أرجاء المنطقة من خلال بناء القدرات لهيئات إنفاذ القانون ومسؤولي المصايد، ولاسيما في المرافئ والمطارات، على نحو سيسهم في تحسين سبل المراقبة ورصد أنشطة تهريب "خيار البحر" المجفف.

كما أنه سيسهل إعداد البحوث والتقارير من جانب وكالات الأمن البحري وجماعات الحفاظ على البيئة البحرية،بما يساعد على كشف الروابط بين التجارة غير المشروعة للأصناف الأخرى من الكائنات الحيوية والنباتية المهددة بالانقراض على امتداد سواحل شرق إفريقيا. 

وأظهرت بحوث علمية لحماية "خيار البحر" أن إقامة مناطق استزراع له في شواطئ كريستي موبانجوتي على الساحل الكينيي، ساهمت إلى حد كبير في تعزيز تكاثره وازدياد أعداده، وهنا يؤكد الباحث أهمية تعميم نتائج البحث والسعي إلى تبني خطوات إيجابية للتوسع في مناطق استزراع "خيار البحر" على امتداد السواحل الشرقية والجنوبية لإفريقيا، فضلاً عن استكمال جهود إنفاذ القانون والحماية البيئية في أرجاء المنطقة. 

Dr.Randa
Dr.Radwa