الخميس 18 ابريل 2024

سينما الشعب

مقالات20-7-2022 | 22:15

العدالة الثقافية، ونشر الفن الراقى بكافة أنواعه وأشكاله من أبرز محاور بناء الوعى الحقيقى والارتقاء بالذوق العام والوجدان المصرى.. وعلينا أن نستفيد من أخطاء العقود الماضية التى تغافلت عن تقديم منتج فنى بمعايير وجودة عالية ورفيعة المستوى تجمع بين الرقى والوعى والتمسك بالثوابت والقيم والمبادئ المصرية، لذلك فمن المهم الاهتمام بتدشين مشروع قومى يرتكز على رؤية شاملة تستهدف المواطن المصرى فى كافة ربوع البلاد من خلال تحقيق مبدأ الإتاحة وتمكين المواطن البسيط من الحصول على المنتج الفنى المباشر..لذلك يمكن لوزارة الثقافة من خلال قصورها الثقافية المنتشرة فى ربوع البلاد..  وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة توفير منابر فنية وثقافية فى مراكز الشباب المنتشرة أيضاً فى كافة أنحاء البلاد.. وإضافة البعد أو المحور الثالث وهو إضافة مراكز ثقافية يتنفس من خلالها المواطن فناً وإبداعاً خلال مشروع تطوير وتنمية قرى الريف المصرى الذى أطلقته مبادرة  حياة كريمة، نستطيع من خلال هذا المشروع العملاق لـ«دعم الفن والإبداع الراقى» أن نحقق مكاسب وعوائد لا تقدر بمال فى وعى حقيقى ووجدان راق.

مشروع «سينما الشعب» الذى تتبناه وزارة الثقافة من خلال هيئة قصور الثقافة .. مبادرة جيدة لكن المطلوب توسيع الفكرة إلى اتاحة كل أشكال الفنون والثقافة والأدب والغناء والمسرح للمواطن وليس فقط السينما.

 

الحقيقة التى لا ريب فيها أننا فى حاجة إلى بناء وعى حقيقى وفهم صحيح بشكل شامل يستهدف كل فئات المجتمع فى كل ربوع البلاد وفى القلب منها المواطن البسيط الذى هو فى حاجة شديدة إلى أن نتيح له الوعى الحقيقى المرتكز على الصدق والشفافية والبيانات والمعلومات حتى لا يقع فريسة فى أيدى مرتزقة الإعلام والسوشيال ميديا واللجان الإلكترونية وحملات التضليل والتزييف والأكاذيب والشائعات والتشويه والتشكيك فى كل شيء حتى ما هو ماثل على أرض الواقع ولا يحتمل الشك أو التشكيك.

الوصول إلى كافة فئات الشعب المصرى خاصة أهالينا البسطاء الذين يشكلون السواد الأعظم من المصريين من خلال اتاحة الوعى الحقيقى للجميع وهو هدف وتحد كبير نستطيع جميعاً تحقيقه لأنه بمثابة صمام الأمان لحماية مكتسبات ومقدرات الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره.

ولدينا هدف آخر مرتبط بالوعى الحقيقي، وهو الارتقاء بالذوق العام والوجدان المصرى وطرد الفن الهابط، والأغانى التى تروج الابتذال والتدنى والسطحية ولا تليق بمكانة مصر التى تمتلك مقومات القوة الناعمة ليس فقط فى المنطقة العربية ولكن فى الشرق الأوسط، ومصدر احترام وتقدير العالم وهناك تاريخ مضيء ومشرف للسينما والغناء والفن المصرى عموماً.. ونجوم ورموز ومواهب غزت دول المنطقة والعالم بالفن الأصيل، وعرفت مصر وأبدعت فى مجالات الفنون مثل السينما والأوبرا والثقافة والأدب وهو ما يحتاج مشروعاً وطنياً متكاملاً بدت بوادره خلال السنوات الأخيرة من خلال استعادة قوة ووهج الدراما المصرية بأعمال وإبداعات قوية ترسخ القيم والمبادئ وتجسد الثوابت المصرية، وتعيد الريادة والمشاهد إلى الشاشات المصرية من خلال أعمال وطنية حققت زخماً غير مسبوق من التأثير وارتباط المواطن العربى والمصرى بها والحرص على متابعتها ولدينا على سبيل المثال مسلسل (الاختيار) الذى شكل ملحمة درامية فى أجزائه الثلاثة، وكذلك (هجمة مرتدة) و(العائدون) و(جزيرة غمام) وغيرها من الأعمال التى روت عطش المواطن المصرى والعربى الدرامى وأكدت ان القوة الناعمة المصرية عادت من جديد لتتبوأ مكانتها.

أيضاً هناك خطوات مهمة نحو إعادة الغناء الراقى المصرى الذى عرف على مدار عقود طويلة وتسيد المنطقة بالكامل من خلال رموز ونجوم امتلكت الموهبة والريادة ووصلت إلى العالمية تصدح بالطرب والغناء المصرى الأصيل، ومازالت مصر ولادة وقادرة على مواصلة ريادتها وتسيدها من خلال التنقيب عن جواهر الطرب والغناء الأصيل والراقى بدلاً من الاسفاف والابتذال وأغانى المهرجانات التى انتشرت كالنار فى الهشيم خلال العقود الماضية وأصبح غناء الميكروباص والتوك توك يشكل مصدراً مسيئاً ويرسخ للتلوث السمعى ناهيك عن أغانى الخلاعة والعري.

أحسنت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية عندما اتجهت إلى البحث عن المواهب واكتشافها وتقديمها من خلال البرنامج الناجح (الدوم) ثم الاتجاه إلى الاستعداد لاطلاق منتدى الإبداع وتحقيق حلم الشباب المبدعين من كافة محافظات مصر.

لا شك أننا فى حاجة إلى مشروع قومى شامل لإعادة التوهج المصرى فى مجالات الدراما والسينما والغناء يتاح فى كل ربوع البلاد ولمختلف الفئات ليشكل الوعى الحقيقى للعقول ويتصدى لمحاولات التزييف، ويرتقى بالذوق العام والوجدان، ويطرد الغث ويطيح بمنظومة القبح والتلوث السمعى التى حلت علينا خلال العقود الماضية فى أعمال وغناء تجارى استهلاكى يخاطب الغرائز ويسيء إلى القاموس اللغوى المصرى المتحضر والراقي.

من هنا فإننى أدعو إلى تبنى هذا المشروع القومى العملاق.. لأن هذا الملف يشكل تحدياً خطيراً ونجاحاً سوف يجنب هذا الوطن ويلات الاسفاف والوعى المزيف ويخلق أجيالاً تعتنق الرقى وطرح لغة متحضرة وفن من شأنه ان يحول حالة الصراخ والتشنج والعصبية إلى شخصيات هادئة تعلى من شأن التحضر والسلام المجتمعى من خلال استبدال حفلات الزار والصراخ والعنف الفنى إلى رومانسية ونفوس هادئة راقية تستلذ بالكلمة واللحن، والرسالة الفنية، عبر السينما والدراما والثقافة.

لذلك فمن المهم ان نتوسع فى طرح واتاحة هذا المشروع الشامل الذى يتضمن السينما والغناء والثقافة والأدب ليصل إلى كل ربوع البلاد فى القرى والنجوع والتواصل بمعنى استهداف المواطن المصرى أينما كان بالفن والثقافة الراقية والمتزنة التى تبنى وعياً حقيقياً وحساً مرهفاً، ونفساً تتمتع بالسكينة والرقى والهدوء لذلك لابد أن نطرح مفهوم سينما الشعب، أو الغناء الأصيل لمختلف فئات المصريين وفى كل ربوع البلاد وهذا لن يتأتى إلا من خلال اتاحة المكان الملائم والمناسب للمواطن فى محافظته ومركزه وقريته، وأيضاً اتاحة القدرة على الوصول إلى السينما أو مسرح الغناء أو المسرح أو حلقات الثقافة والأدب لذلك اقترح وطالما ان مصر تبنى مشروعاً قومياً عملاقاً هو الأعظم فى تاريخها هو بناء وتنمية وتطوير قرى الريف المصرى الذى أطلقته المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» ان نهيئ قصراً أو مركزاً ثقافياً فى كل قرية أو يخدم مجموعة من القرى المتقاربة يضم هذا القصر أو المركز شاشة عرض سينمائى لعرض الأفلام السينمائية الراقية والتى تحمل رسائل انسانية ووطنية تتواكب مع قيم ومبادئ وأصول أهالينا فى كافة المحافظات تضمن من خلال عرضها بناء وعى حقيقى والارتقاء بالذوق العام، كما تضم مسرحاً تعرض فيه الحفلات الغنائية، وتكتشف فيه المواهب والأصوات الواعدة، وتعرض عليه المسرحيات، وحفلات الغناء والمسابقات الثقافية والمواهب فى الأدب والشعر، على أن تكون تذكرة الدخول بسعر رمزى أو يتناسب مع قدرات هذه الفئات وحفلة أسبوعية مجاناً ولتكن حفلة الخميس لأن هدفنا أقوى من أى مقابل وسوف نحصل فى النهاية على ثروة عظيمة من المواهب والمبدعين ووعى حقيقى ووجدان يتمتع بالرقى وإنسان مصرى مختلف نزيل عنه شوائب التدنى والابتذال والتغييب والتغريب.

من أهم مقومات هذا المشروع القومى الذى يستهدف كافة فئات المصريين فى مختلف ربوع البلاد ويهدف إلى بناء وعى حقيقى والارتقاء بالذوق العام والوجدان المصري، ويخلق مواطناً لديه مفردات التحضر والفهم هو سينما الشعب، ولكن بالمفهوم الشامل الذى لا يقتصر على تقديم المنتج السينمائى واتاحته للمواطن فقط، ولكننى أريد التوسع فى اتاحة كل الفنون الراقية فى كافة ربوع البلاد، من سينما وغناء ومسرح وفنون شعبية واكتشاف ورعاية للمواهب والمبدعين، وتقديم مواهب جديدة فى الأدب والشعر والثقافة يتبناها الإعلام ويساهم فى تقديمها ورعايتها.

وعلى حد علمى ان وزارة الثقافة لديها مشروع واعد، تحت مسمى «سينما الشعب»، من خلال استغلال قصور الثقافة المنتشرة فى كافة ربوع البلاد بالإضافة إلى استغلال منشآتها تتبع الوزارة مثل مركز «الهناجر للفنون» ومسرح السلام وغيرهما لكننى أريد ان يكون المشروع والمفهوم أكثر اتساعاً وشمولاً سواء قصور الثقافة المنتشرة فى البلاد ومراكز الشباب التى يجب أن تتضمن تعاوناً مع وزارة الثقافة وتحويل وتخصيص جزء منها ليكون مركزاً ثقافياً وفنياً وإبداعياً بالإضافة إلى مقترح إقامة مراكز أو قصور ثقافية فى قرى مصر تخدم مجموعة من القرى ضمن مشروع (حياة كريمة) لتنمية وتطوير الريف المصري، هذه العناصر الثلاثة من قصور ثقافة ومراكز شباب ومراكز جديدة ضمن (حياة كريمة) يجب ان تقدم الفن الشامل وتعمل وفق رؤية متكاملة بحيث تتضمن عرض الأفلام السينمائية واتاحتها بسعر رمزي، أو الحفلات الغنائية، سواء محلية من القرى والمراكز واكتشاف المواهب، أو استضافة حفلات من الأوبرا المصرية تطبيقاً لمفهوم العدالة الفنية والثقافية لجميع المصريين فالدولة تريد من خلال مشروع تطوير وتنمية الريف تحقيق العدالة بين المواطنين فى كافة الخدمات بحيث لا يختلف شكل الحياة فى المدن عن القرى وهى قمة العدالة، وبالتالى علينا أن نرسخ هذا المبدأ والمفهوم فى المجال الفنى والثقافى والإبداعي.

تستطيع وزارة الثقافة من خلال تبنى المفهوم الشامل (الفن والثقافة للجميع واتاحة العروض السينمائية والغنائية، والمسرحية واكتشاف وتبنى المواهب والمبدعين وفق حركة ثقافية وأدبية متوهجة) أن تصنع تاريخاً جديداً فى مجال الفن والإبداع الراقي، ويعيد لمصر قوتها فى هذا المجال.

ليس هناك أغلى فى هذا العصر من الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح، والذوق العام الراقى والوجدان الحى النابض لذلك فان الانفاق فى هذا المجال سيحقق عوائد ومكاسب غزيرة لا تقدر بمال.

من المهم فى مشروع (سينما الشعب) بمفهومه الشامل الذى لا يقتصر على عرض الأفلام السينمائية فى مختلف مراكز وقصور الثقافة ومراكز الشباب والمراكز الجديدة المقترحة فى (حياة كريمة) تحقيق مبدأ الاتاحة للجميع وإدراك قدرة المواطن فى الحصول على فرصة المشاهدة أو المشاركة أو العرض أو الرعاية من خلال سعر رمزى للتذكرة، أو تيسير الوصول إلى هذه المراكز لعرض المواهب.

تستطيع وزارة الثقافة أيضاً أن تحقق نجاحاً كبيراً فى مشروع سينما الشعب وإن كنت أميل إلى توسيع المفهوم ليشمل كافة مناحى الفن والإبداع لتشكيل منظومة شاملة ومتكاملة تجعلنا نضع أيدينا على ثرواتنا الحقيقية من المواهب، وتوفر لنا فرصة لبناء الوعى والارتقاء بالذوق العام والوجدان خاصة أن الفنون والثقافة لهما مفعول السحر فى بناء شخصية الانسان فى ظل تحديات الغزو الثقافي، وما يستهدف عقول ووجدان المصريين خاصة الشباب من تزييف وتسطيح وفن هابط وابتذال وإسفاف لخلق أجيال تشبه المسخ بلا هوية أو مضمون وبلا وجدان يجسد الشخصية المصرية التى علمت العالم أصول الفن والثقافة.

مشروع وزارة الثقافة (سينما الشعب) فكر محترم، وقابل لتحقيق نجاحات وإنجازات وأهداف الرؤية المصرية فى بناء الوعى والارتقاء بالذوق العام، لكن شريطة أن تمضى بمفهوم شامل ومتكامل يستهدف كافة أنواع الفنون والإبداع الثقافى والأدبى لتكون متاحة أمام جميع فئات الشعب فى مختلف ربوع البلاد تستطيع أن تخرج المواهب المدفونة إلى النور لتعيد صياغة البناء الفنى والإبداعى فى مصر، وتحقيق مكون مهم من الوعى الحقيقي.

الحقيقة أيضاً ان وزارة الثقافة قد تخرج بعوائد وأرباح مع عظم الرسالة فى تحقيق العدالة الثقافية ونشر الفن الراقى بكل مكوناته وأشكاله، لذلك علينا المضى وفق الرؤية الشاملة مع إرادة قوية فى التنفيذ ودأب وجهد للوصول إلى الأهداف المخططة ودعم من الدولة المصرية، وتعاون بين المؤسسات والوزارات المعنية خاصة الثقافة والشباب والرياضة، لاستغلال ما هو متاح من إمكانيات وقدرات على الأرض وأيضاً إضافة منافذ فنية جديدة ضمن مشروع (حياة كريمة) لتطوير وتنمية الريف المصرى فإذا طبقنا مفهوم العدالة الثقافية ونشر الفن الراقى بشكل شامل لمنحتنا الكثير وحققنا أهدافاً غزيرة تكون صمام أمان للدولة المصرية.

تحيا مصر